أنواع بحور الشعر العربي

يُعدّ البحر الشعري الركيزة الأساسية التي تُبنى عليها القصيدة العربية، فهو النظام الإيقاعي الذي ينظم حركة الأبيات ويمنحها جمالاً موسيقياً مميزاً. يُعرف البحر في علم العروض بأنه مجموعة من التفعيلات الإيقاعية المتكررة والتي تتوزع بشكل محدد داخل البيت الشعري، وتُحدد نمط القصيدة ومقامها الموسيقي. يتفرع علم البحور من علم العروض الذي وضع قواعده العالم الخليل بن أحمد الفراهيدي في القرن الثامن الميلادي، والذي أرسى أسس التفعيلات والأوزان الشعرية.

بحور الشعر العربي متنوعة، وجميعها مبنية على تفعيلاتٍ محددة تتكرر في الأبيات، ويصل عدد البحور الرئيسية إلى عشرين بحرًا، لكل منها خصائصه الفنية وإيقاعه الخاص. في هذا المقال، سيتم تناول أهم أنواع البحور الشعرية، مع شرح مفصل لكل بحر، نمطه الإيقاعي، استخداماته، وأمثلة عليه. كما سيشمل المقال تفاصيل فنية دقيقة تجعل من فهم البحور سهلاً وعميقاً.

تعريف البحر في الشعر العربي

البحر هو الإطار الإيقاعي الذي يُوزن به البيت الشعري، وهو عبارة عن تتابع من التفعيلات التي تشكل وحدة إيقاعية متكررة. يشتمل البيت الشعري في العادة على شطرين متساويين في الوزن، ويُقسم كل شطر إلى تفعيلات. التفعيلة هي وحدة إيقاعية تتكون من حركات وسكنات معينة، ترسم إيقاع البيت.

يستخدم البحر لتحديد الإيقاع الموسيقي في الشعر، وهو ما يميزه عن النثر، حيث يتحكم البحر في إيقاع الوزن والصوت، ويساعد على حفظ الأبيات وترديدها بسهولة، ويزيد من وقع القصيدة الموسيقي.

أساسيات علم العروض: التفعيلات

التفعيلة هي الوحدة الأساسية في علم العروض، وتتألف من حركات وسكنات موزعة بترتيب معين. أشهر التفعيلات التي تستعمل في البحور الشعرية هي:

• فاعلاتن (– ᴗ – –)

• مفاعيلن (ᴗ – – ᴗ)

• مستفعلن (ᴗ – ᴗ –)

• فعولات (– – ᴗ –)

• فعِلن (– ᴗ –)

• فعلن (– ᴗ –)

حيث إن (–) تعني حركة طويلة أو مشددة، و(ᴗ) تعني حركة قصيرة.

تقسيم البحور الشعرية

بحور الشعر العربي تنقسم إلى:

• البحور الطويلة

• البحور المتوسطة

• البحور القصيرة

كل بحر منها يتميز بعدد التفعيلات وطول البيت، وهذا بدوره يحدد النغمة الموسيقية الخاصة به. كما يوجد لكل بحر زحافات وعلل، وهي تغييرات تسمح بمرونة الإيقاع دون فقدان الوزن.

أنواع بحور الشعر

1. البحر الطويل

• الوصف: من أشهر وأقدم البحور، وهو من البحور الطويلة ذات الإيقاع القوي والمفعم بالعذوبة.

• التفعيلات: يتكون الشطر الواحد من أربعة تفعيلات مكررة هي: فاعلاتن مفاعيلن فاعلاتن مفاعيلن.

• الوزن:

  • فاعلاتن: (– ᴗ – –)

  • مفاعيلن: (ᴗ – – ᴗ)

• الاستخدام: يناسب القصائد الكبرى والملحمية، ويحظى بشعبية كبيرة لدى الشعراء القدامى والمعاصرين. من أبياته الشهيرة:
  
  “قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلِ ** بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ”

2. البحر الكامل

• الوصف: يتميز بإيقاع متماسك، ونغمة شبه مستمرة دون انقطاع.

• التفعيلات: مستفعلن مستفعلن مستفعلن (في الشطر الواحد).

• الوزن: (ᴗ – ᴗ –) × 3

• الاستخدام: يُستخدم في الشعر الغنائي والرثائي، وله وقع موسيقي رنان. مثال:
  
  “ألا يا صَاحِبَ الْهَوى هَلْ تَذْكُرُني”

3. البحر الوافر

• الوصف: يمتاز بإيقاع متكرر بين التفعيلات الثقيلة والخفيفة.

• التفعيلات: مفاعلتن مفاعلتن فعولن

• الوزن: (ᴗ – – ᴗ) × 2 ثم (– – ᴗ –)

• الاستخدام: بحور مناسبة للغزل والوصف، كما أن له وقعًا موسيقيًا مميزًا.

4. البحر الرجز

• الوصف: بحر قصير يتميز بالإيقاع السريع والخفيف.

• التفعيلات: مستفعلن مستفعلن مستفعلن (في كل شطر).

• الوزن: ᴗ – ᴗ – ᴗ –

• الاستخدام: من البحور التي تستخدم كثيرًا في الشعر الشعبي والحماسي، وله وقع حماسي.

5. البحر المتقارب

• الوصف: يتميز بالتكرار المكثف لنفس التفعيلة.

• التفعيلات: فعلن فعلن فعلن فعلن

• الوزن: (– ᴗ –) × 4

• الاستخدام: يستعمل في الشعر النبطي والأشعار الشعبية، له إيقاع قوي وواضح.

6. البحر المتدارك

• الوصف: من البحور المتوسطة الوزن، ويحتوي على تفعيلتين فقط في الشطر.

• التفعيلات: مفعولاتن مفعولاتن

• الوزن: (– – ᴗ) × 2

• الاستخدام: نادر في الشعر القديم ولكنه ظهر في الشعر الحديث.

7. البحر السريع

• الوصف: يتميز بسرعة إيقاعه، حيث يعتمد على تفعيلات قصيرة متتابعة.

• التفعيلات: فاعلاتن فاعلاتن فاعلن

• الوزن: (– ᴗ – –) × 2 ثم (– ᴗ –)

• الاستخدام: يُستخدم في الشعر الغنائي والنثري في بعض الأحيان.

8. البحر الخفيف

• الوصف: إيقاعه رشيق وخفيف، يعتمد على تفعيلات قصيرة ومرنة.

• التفعيلات: فاعلاتن فعولاتن

• الوزن: (– ᴗ – –) ثم (– – ᴗ –)

• الاستخدام: يناسب الشعر الوصفي والرقيق.

9. البحر المضارع

• الوصف: بحر متوسط الطول، ذو إيقاع منتظم.

• التفعيلات: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

• الوزن: (– – ᴗ –) ثم (ᴗ – – ᴗ) مكررة.

• الاستخدام: شائع في الشعر القصصي والملحمي.

10. البحر المجتث

• الوصف: بحر فني ذو إيقاع خاص، يميل إلى التكثيف الموسيقي.

• التفعيلات: مستفعلن مفعولاتن مستفعلن

• الوزن: (ᴗ – ᴗ –) ثم (– – ᴗ) ثم (ᴗ – ᴗ –)

• الاستخدام: يستخدم في الشعر الحر والحديث.

جدول يوضح التفعيلات في البحور الرئيسية

زحافات وعلل البحور

تتسم البحور الشعرية بمرونة تسمح بإحداث تغييرات تسمى “الزحافات” و”العلل” على التفعيلات الأساسية. الزحافات هي تغييرات طفيفة في التفعيلات مثل حذف أو تغيير جزء منها بهدف تسهيل الوزن أو إدخال نوع من التنويع. أما العلل فهي تغييرات أكثر تعقيداً تؤدي إلى تغيير النمط الأصلي للبحر دون الخروج عن قواعد العروض.

هذه المرونة تساعد الشعراء في التأقلم مع الألفاظ والمعاني التي يريدون التعبير عنها، وتعطيهم مجالاً واسعاً للإبداع داخل الإطار الوزني المحدد.

أهمية البحور الشعرية في الأدب العربي

البحور ليست مجرد قواعد تقنية في الشعر، بل هي منبع الفن وجوهر الجمال في الشعر العربي. هي التي تحدد الإيقاع الذي ينبض به البيت، فتزيده وقعاً في النفس، وتمنحه قوة تأثير تتخطى حدود الكلمات. بفضل البحور، يمكن للقصائد أن تُردد وتُحفظ بسهولة، كما تمكن الشعراء من التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بصورة منظمة وراقية.

من خلال البحور الشعرية، ظهرت أشكال متنوعة من الشعر مثل المديح، الغزل، الهجاء، الرثاء، والملحمة، وكل منها يستغل ميزات بحر معين لتحقيق أثر فني مناسب.

تطور البحور الشعرية

شهدت البحور الشعرية عبر التاريخ تطورات متعددة، خاصة مع ظهور أنواع جديدة من الشعر كالشعر الحر الذي تحدى قواعد العروض التقليدية، لكن حتى في الشعر الحر بقيت البحور التقليدية أساساً لا يمكن تجاهله. وقد استُخدمت البحور في أشكال مختلفة عبر العصور، من الشعر الجاهلي، العباسي، إلى العصر الحديث.

خلاصة

بحور الشعر العربي هي نظام إيقاعي فني معقد، يتكون من تفعيلات موزعة بنمط محدد داخل البيت الشعري. عددها عشرون بحراً رئيسياً، ولكل منها إيقاعه الخاص وطابعه الفني. فهم هذه البحور يسمح بالتمتع الكامل بجمال الشعر العربي، ويمنح قدرة على تحليل القصائد، وتقدير عبقرية الشعراء الذين استثمروا هذه البحور لصياغة أروع النصوص الأدبية.

تقدم البحور إطاراً منظماً يمكن الشعراء من التعبير عن عواطفهم وأفكارهم عبر أزمنة متعاقبة، محافظين بذلك على التراث الشعري العربي الغني والواسع.

المصادر والمراجع

1. الخليل بن أحمد الفراهيدي، “كتاب العروض والقوافي”، تحقيق: محمد مصطفى الحلبي.

2. طه عبد الرحمن، “البلاغة والإيقاع في الشعر العربي”، دار الكتاب العربي، 2010.