حقائق عن الفصام

يُعتبر الفصام من الاضطرابات النفسية المعقدة والمزمنة التي تؤثر بشكل عميق على تفكير الإنسان، وسلوكه، ومشاعره، وقدرته على التفاعل مع الواقع من حوله. يُصنف الفصام ضمن الطيف الاضطرابي العقلي، ويتميز بتنوع أعراضه وتأثيراته التي تتفاوت من شخص لآخر، مما يجعل فهمه ومعالجته تحديًا كبيرًا على المستوى الطبي والاجتماعي. يستعرض هذا المقال أهم الحقائق العلمية والطبية المرتبطة بمرض الفصام، مع التركيز على الأسباب، الأعراض، التشخيص، العلاجات المتاحة، والتحديات المصاحبة لهذا المرض الذي يؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم.

تعريف الفصام

الفصام (Schizophrenia) هو اضطراب نفسي شديد يتميز بوجود خلل في الإدراك، التفكير، المشاعر، والسلوك. ينتج عن هذا الاضطراب فقدان الاتصال بالواقع أحيانًا، وهو ما يُعرف بــ “الذهان”. تبدأ أعراض الفصام عادةً في أواخر مرحلة المراهقة أو بداية البلوغ، وقد تستمر طوال حياة المريض إذا لم يتلق العلاج المناسب. يُعتبر الفصام اضطرابًا مزمنًا يؤثر على الأداء اليومي، والوظائف الاجتماعية، والقدرة على العمل.

انتشار الفصام

الفصام مرض عالمي يصيب حوالي 1% من سكان العالم، بغض النظر عن الجنس، أو العرق، أو الخلفية الاجتماعية. يظهر الفصام في مختلف الثقافات والمجتمعات بنفس النسبة تقريبًا، مع وجود بعض الاختلافات الطفيفة في نمط ظهور الأعراض والاستجابة للعلاج. يُعد الفصام أحد الأسباب الرئيسية للإعاقة العقلية في العالم، كما يسبب عبئًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا على المرضى وعائلاتهم.

الأسباب والعوامل المسببة

تتعدد عوامل الإصابة بالفصام بين بيولوجية وبيئية، ولا يزال البحث العلمي جاريًا لفهم التداخل المعقد بينها. من أبرز هذه العوامل:

العوامل الوراثية

هناك دليل قوي على أن الفصام يمتلك بعدًا وراثيًا، حيث تزيد احتمالية الإصابة عند وجود أقارب من الدرجة الأولى مصابين به. لا يعني هذا بالضرورة أن الجينات وحدها تسبب الفصام، بل هي جزء من مجموعة عوامل تزيد من القابلية للإصابة.

التغيرات الكيميائية في الدماغ

يُعتقد أن خلل في بعض الناقلات العصبية مثل الدوبامين، والسيروتونين، والغلوتمات يلعب دورًا رئيسيًا في ظهور أعراض الفصام. هذه المواد الكيميائية تساعد في تنظيم الإشارات العصبية، وأي اضطراب فيها قد يؤدي إلى أعراض الذهان.

عوامل بيئية

تساهم عوامل مثل التعرض للإجهاد الشديد، والصدمة النفسية، والتلوث البيئي، ونقص الأوكسجين أثناء الولادة، والتعرض للعدوى الفيروسية أثناء الحمل في زيادة خطر الإصابة بالفصام.

التغيرات الهيكلية في الدماغ

أظهرت الدراسات التصويرية للدماغ لدى مرضى الفصام وجود تغيرات في حجم مناطق معينة مثل الفص الجبهي، والهيبوكامبوس، وجذع الدماغ، مما يشير إلى أن هناك خللاً في بنية الدماغ ووظائفه.

الأعراض وأنواعها

تتعدد أعراض الفصام وتشمل ما يلي:

أعراض إيجابية

تُعرف الأعراض الإيجابية بأنها تلك الأعراض التي تمثل زيادة أو تشويهًا في الوظائف النفسية الطبيعية، مثل:

• الهلاوس السمعية أو البصرية، حيث يسمع المريض أصواتًا غير موجودة أو يرى أشياء غير حقيقية.

• الأوهام، وهي معتقدات خاطئة غير قابلة للتصحيح، كالشعور بأن هناك من يراقبه أو يريد إيذاءه.

• التفكير غير المنظم، وصعوبة في التركيز وتنظيم الأفكار.

• الحركات غير الطبيعية أو التصرفات الغريبة.

أعراض سلبية

تمثل فقدان الوظائف الطبيعية أو انخفاضها، وتشمل:

• انعدام المشاعر أو التفاعل العاطفي.

• العزلة الاجتماعية وفقدان الرغبة في التواصل.

• تراجع القدرة على التفكير والتخطيط.

• فقدان الحافز والنشاط.

أعراض معرفية

تشير إلى مشاكل في الوظائف الذهنية مثل:

• صعوبة في التركيز والانتباه.

• ضعف في الذاكرة قصيرة المدى.

• اضطرابات في التخطيط واتخاذ القرارات.

مراحل تطور المرض

عادةً ما يمر الفصام بعدة مراحل تتغير فيها الأعراض وشدتها، وهذه المراحل هي:

1. المرحلة الأولية (التمهيدية): تظهر فيها علامات مبكرة مثل الانسحاب الاجتماعي، الشعور بالقلق، أو التفكير الغريب.

2. المرحلة الحادة: تتفاقم الأعراض الإيجابية بشكل ملحوظ، ويعاني المريض من الهلاوس والأوهام.

3. المرحلة المزمنة: تقل حدة الأعراض الإيجابية، لكن الأعراض السلبية والمعرفية تبقى مستمرة وتؤثر على الحياة اليومية.

التشخيص

يعتمد تشخيص الفصام على التقييم السريري من قبل طبيب نفسي مختص، ويشمل:

• مقابلات سريرية مفصلة مع المريض وأحيانًا مع أفراد الأسرة.

• تقييم الأعراض وفقًا لمعايير محددة في دليل التشخيص والإحصاء للاضطرابات النفسية (DSM-5).

• استبعاد الأمراض العضوية أو النفسية الأخرى التي قد تسبب أعراضًا مشابهة.

لا توجد تحاليل مخبرية محددة لتشخيص الفصام، لكن يمكن اللجوء لفحوصات الدم، وتصوير الدماغ لاستبعاد أسباب عضوية مثل الأورام أو الالتهابات.

العلاج

رغم أن الفصام مرض مزمن، إلا أن هناك طرق علاجية فعالة تساعد في السيطرة على الأعراض وتحسين جودة حياة المرضى.

العلاج الدوائي

الأدوية المضادة للذهان تمثل الركيزة الأساسية لعلاج الفصام. تنقسم هذه الأدوية إلى:

• الجيل الأول (الأدوية التقليدية): مثل الهالوبيريدول، وهي فعالة في تخفيف الأعراض الإيجابية لكنها قد تسبب آثارًا جانبية حركية.

• الجيل الثاني (الأدوية الحديثة): مثل الريسبيريدون، والكويتيابين، وتتميز بفعالية جيدة وتقليل الآثار الجانبية الحركية.

العلاج النفسي

• العلاج السلوكي المعرفي يساعد المرضى على التعامل مع الأوهام والهلاوس وتحسين مهارات التواصل.

• العلاج الأسري يهدف إلى دعم العائلة وتوعيتهم بأساليب التعامل مع المريض.

• العلاج التأهيلي لتحسين مهارات الحياة اليومية والاندماج الاجتماعي.

الدعم الاجتماعي

تشمل برامج الدعم الاجتماعي توفير بيئة مستقرة، تعليم مهارات العمل، ودعم التوظيف، وهي ضرورية لتقليل الإقصاء الاجتماعي وتعزيز استقلالية المرضى.

التحديات الاجتماعية والنفسية

يواجه مرضى الفصام العديد من التحديات غير الطبية، ومنها:

• وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالمرض النفسي، مما يؤدي إلى العزلة والتمييز.

• صعوبة الحفاظ على وظيفة أو العلاقات الاجتماعية.

• ارتفاع معدلات الإدمان على الكحول أو المخدرات.

• خطر الانتحار أعلى مقارنة بالأفراد العاديين، حيث تشير الدراسات إلى أن حوالي 5-10% من مرضى الفصام ينتهون بحياتهم.

الوقاية

رغم عدم وجود طرق مؤكدة للوقاية من الفصام، إلا أن التدخل المبكر عند ظهور الأعراض يمكن أن يحد من تطور المرض. كما أن تحسين الظروف البيئية، والرعاية النفسية المبكرة، والدعم الاجتماعي يلعبون دورًا مهمًا في التقليل من تأثير المرض.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين أعراض الفصام وأنواعها وتأثيرها:

الخلاصة

الفصام هو مرض نفسي معقد يتطلب فهماً دقيقاً من قبل المختصين والمجتمع على حد سواء. على الرغم من أن المرض يتسم بالمزمنة والتحديات الكبيرة التي يفرضها، إلا أن التطورات الطبية والنفسية الحديثة قد وفرت فرصًا لتحسين حياة المرضى بشكل ملموس. إن تكامل العلاج الدوائي مع الدعم النفسي والاجتماعي يشكل حجر الأساس في إدارة هذا المرض، مع ضرورة استمرار البحث العلمي لفهم أعمق وأفضل للآليات الكامنة في نشوء الفصام وطرق الوقاية منه. المجتمع بحاجة إلى رفع الوعي والتقليل من وصمة العار المصاحبة للفصام من أجل تحسين دمج المرضى في الحياة الاجتماعية والعملية.

المصادر والمراجع

1. عالم النفس د. جوناثان كيرس، مقدمة في الطب النفسي، الطبعة الخامسة، 2019.

2. منظمة الصحة العالمية، تقرير الصحة النفسية العالمي، 2022.