حضور الزوج أثناء الولادة.. بين الرفض والقبول

يُعد موضوع حضور الزوج أثناء الولادة من المواضيع التي أثارت جدلاً واسعاً بين مؤيدين ومعارضين، وهو موضوعٌ يعكس تبايناً ثقافياً واجتماعياً وصحياً كبيراً في المجتمعات العربية والعالمية على حد سواء. ففي حين يرى البعض أن وجود الزوج إلى جانب زوجته أثناء المخاض والولادة يمثل دعماً نفسياً مهماً ويُسهم في تحسين تجربة الولادة، يرى آخرون أن هذا الأمر غير مناسب أو حتى مرفوض لأسباب عدة تتعلق بالخصوصية، والتقاليد، والجانب الطبي.

خلفية تاريخية واجتماعية عن موضوع حضور الزوج أثناء الولادة

في معظم الثقافات التقليدية، كان الولادة حدثاً خاصاً ومغلقاً على النساء فقط، حيث يقتصر الحضور على الطبيبات والقابلات وبعض الأقارب من النساء، ولا يسمح للرجال، وخاصة الأزواج، بالتواجد في غرفة الولادة. ويعود هذا الأمر إلى عادات اجتماعية متوارثة واعتبارات دينية وثقافية تعطي للولادة طابعاً خاصاً وحميمياً بعيداً عن حضور الرجال.

غير أن التطور الاجتماعي وزيادة الوعي بأهمية دور الدعم النفسي خلال الولادة، بالإضافة إلى تغير النظرة الحديثة تجاه العلاقة الزوجية، دفعا العديد من الدول والمجتمعات إلى إعادة النظر في هذا الموضوع، فأصبح حضور الزوج في غرفة الولادة أمراً شائعاً في العديد من الدول الغربية، وتزداد نسبته تدريجياً في بعض الدول العربية مع اختلاف درجة القبول.

أسباب رفض حضور الزوج أثناء الولادة

1. الاعتبارات الثقافية والدينية

تعد الاعتبارات الثقافية والدينية من أبرز الأسباب التي تدفع إلى رفض حضور الزوج أثناء الولادة في بعض المجتمعات العربية. فهناك تقاليد تحتم أن تكون لحظة الولادة خاصة بالنساء فقط، ويُعتبر وجود الرجل أمراً غير لائق أو قد ينتهك خصوصية المرأة ويُسبب إحراجاً للزوجة ولعائلة الزوجة على حد سواء.

بعض التفسيرات الدينية ترى أن الولادة من الأمور الخاصة التي لا يجوز للزوج أن يشاهدها أو يشارك فيها، وهذا يستند إلى مفاهيم الحياء والخصوصية التي تسود المجتمعات المحافظة.

2. الخوف من التأثير النفسي على الزوج

يخشى بعض الأطباء والمختصين من أن المشهد الطبي الذي يصاحب الولادة، والذي قد يتضمن الألم الشديد، والنزيف، والتدخلات الطبية المختلفة، قد يسبب صدمة نفسية للزوج. كما أن الضغط النفسي الناتج عن مشاهدة آلام زوجته قد يؤثر على استقرار الزوج أثناء الولادة، مما قد ينعكس سلباً على دعم الزوجة.

3. الاعتبارات الطبية والتنظيمية

في بعض المستشفيات وخاصة ذات الكثافة العالية أو في حالات الطوارئ، يتم رفض حضور الزوج لأسباب تنظيمية تتعلق بعدم وجود مساحة كافية أو تجهيزات مناسبة لاستيعاب أشخاص إضافيين في غرفة الولادة. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هناك مخاوف من انتقال العدوى أو عدم التزام بعض الأزواج بالإرشادات الطبية.

4. رغبة المرأة نفسها

لا يُمكن إغفال أن بعض النساء لا يرغبن في حضور أزواجهن أثناء الولادة، وقد يشعرن بأن وجود الزوج قد يُضيف ضغطاً نفسياً أو يُقلل من خصوصية التجربة، خصوصاً في المراحل الصعبة من المخاض.

أسباب قبول حضور الزوج أثناء الولادة

1. الدعم النفسي والعاطفي

أثبتت الدراسات أن وجود الزوج أثناء الولادة يمكن أن يكون دعماً نفسياً مهماً للمرأة، مما يقلل من مستويات التوتر والقلق لديها، ويزيد من شعورها بالأمان والراحة. الدعم النفسي هذا ينعكس إيجاباً على سير الولادة ويُساعد في تقليل الألم والتوتر.

2. تعزيز العلاقة الزوجية

لحظة الولادة تعتبر من أبرز اللحظات المؤثرة في حياة الزوجين، ووجود الزوج يعزز من تلاحم العلاقة الزوجية ويقوي أواصر المحبة والتفاهم بين الطرفين. كما أن مشاركة الزوج في هذه اللحظة الخاصة تعزز من دوره كشريك حقيقي في حياة الأسرة.

3. زيادة رضا الزوجة عن تجربة الولادة

تشير الدراسات إلى أن حضور الزوج أثناء الولادة يرتبط بزيادة رضا المرأة عن تجربتها، ويُشعرها بأنها ليست وحدها في مواجهة صعوبات الولادة، مما يسهم في تحسين تجربتها بشكل عام.

4. تأثير إيجابي على صحة المولود

دعم الزوج النفسي قد ينعكس بشكل إيجابي على الولادة نفسها وصحة المولود، حيث يقلل من احتمالية المضاعفات الناتجة عن توتر الأم، ويساعد على انتظام عملية الولادة.

تجارب دولية ومقاربات مختلفة

في العديد من الدول الغربية، أصبح حضور الزوج أثناء الولادة أمراً شائعاً وموصى به من قبل المنظمات الصحية، مثل منظمة الصحة العالمية وجمعية التوليد الأمريكية. وتقوم المستشفيات بتوفير بيئة ملائمة تسمح للزوج بالمشاركة في مراحل المخاض والولادة، مع توفير دورات تدريبية له لكيفية تقديم الدعم الفعّال لزوجته.

على النقيض، لا تزال بعض الدول العربية تشهد رفضاً واسعاً لهذا الموضوع، رغم وجود تحولات تدريجية في بعض المجتمعات. كما أن بعض الدول قامت بتقديم خيارات مرنة مثل السماح بحضور الزوج في الولادة الطبيعية، مع استثناء الولادات القيصرية أو الطارئة.

الآثار النفسية للزوجة في وجود الزوج أثناء الولادة

يشعر العديد من النساء بالدعم العاطفي والثقة في قدرتهن على تجاوز الولادة عندما يكون الزوج بجانبهن، وهذا يقلل من احتمالية الاكتئاب التالي للولادة واضطرابات المزاج المرتبطة بها. إذ أن الدعم القوي يقلل من شعور الوحدة والضغط النفسي.

في المقابل، غياب الزوج قد يزيد من الشعور بالعزلة والقلق، خصوصاً في حالة الولادات الطويلة أو المعقدة، وهو ما يؤكد أهمية تواجد الدعم المناسب.

الأدوار التي يمكن أن يقوم بها الزوج أثناء الولادة

وجود الزوج لا يقتصر فقط على الحضور الجسدي، بل يمكن أن يمتد إلى عدة أدوار فاعلة تشمل:

• تقديم الدعم المعنوي من خلال الكلمات التشجيعية والطمأنة المستمرة.

• المشاركة في اتخاذ القرارات مع الطبيبة أو القابلة، بناءً على رغبات الزوجة.

• المساعدة في التمارين التنفسية والاسترخاء.

• التواصل مع الطاقم الطبي لنقل رغبات الزوجة وحاجاتها.

• المساهمة في ترتيب بيئة الولادة لتكون مريحة.

• تقديم الرعاية للزوجة بعد الولادة، مما يعزز الترابط العائلي.

معوقات تطبيق حضور الزوج أثناء الولادة في المستشفيات العربية

1. نقص التوعية والتثقيف

عدم وجود برامج توعوية كافية تشرح للزوجين أهمية دور الزوج في الولادة، وكيفية التعامل مع المواقف المختلفة أثناء الولادة، مما يقلل من رغبة الأزواج في الحضور.

2. البنية التحتية للمستشفيات

الكثير من المستشفيات لا تملك غرف ولادة مجهزة بشكل يسمح بحضور أشخاص إضافيين، خصوصاً في المناطق الريفية أو المستشفيات الحكومية.

3. القيود الإدارية والسياسات الصحية

تعتمد بعض المستشفيات على سياسات صارمة تمنع دخول أي شخص غير الفريق الطبي للحفاظ على النظام والسلامة.

4. التقاليد الاجتماعية السائدة

الضغط الاجتماعي والعائلي على الزوجين قد يمنع الزوج من الحضور، خاصة في المجتمعات التي ما زالت تعتبر أن الحضور مسألة محرجة.

توصيات لتحسين تجربة الولادة بحضور الزوج

• التثقيف المستمر للأزواج: من خلال برامج وورش عمل قبل الولادة لتعريف الزوج بدوره وأهمية دعمه.

• تعديل البنية التحتية: تحسين تجهيزات غرف الولادة لتوفير بيئة ملائمة للزوج.

• تدريب الطاقم الطبي: على التعامل مع وجود الزوج وتوفير الدعم النفسي له وللزوجة.

• توعية المجتمع: نشر حملات توعوية لتغيير النظرة الاجتماعية إلى حضور الزوج أثناء الولادة.

• الاحترام الكامل لرغبة الزوجة: بحيث تكون المشاركة اختيارية ومبنية على رغبة المرأة نفسها.

جدول مقارنة بين فوائد حضور الزوج أثناء الولادة ومعوقاته

خلاصة

يشكل حضور الزوج أثناء الولادة نقطة تحول في طريقة تعامل المجتمعات مع تجربة الولادة، حيث يتداخل فيها الجانب الطبي والنفسي والاجتماعي. رغم وجود معوقات ثقافية وإدارية، إلا أن الفوائد النفسية والعاطفية التي يقدمها الزوج للزوجة أثناء هذه اللحظة الحاسمة تؤكد أهمية النظر بجدية في هذه المسألة.

التوازن بين الحفاظ على خصوصية المرأة واحترام التقاليد، وبين إدراك دور الزوج كشريك داعم وفعال، يتطلب جهوداً مستمرة في التوعية والتدريب وتوفير بيئة مناسبة. التوجه العالمي الحديث يدعو إلى إشراك الزوج كجزء أساسي من تجربة الولادة، ما يسهم في تعزيز الصحة النفسية والجسدية للأم والمولود، وتقوية روابط الأسرة بأكملها.

المصادر

• منظمة الصحة العالمية (WHO)، دليل العناية أثناء الولادة، 2020.

• الجمعية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء (ACOG)، توصيات دعم الولادة، 2019.