قصة قصيرة واقعية
في حي شعبي صغير على أطراف المدينة، حيث الأزقة ضيقة والشوارع مغبرة، كان يعيش “حسن” شاب في مقتبل العمر. لم يكن حسن ينتمي إلى أسرة غنية، بل كان ينحدر من عائلة متواضعة تعمل في مهن بسيطة لتلبية احتياجات الحياة اليومية. كان والده يعمل كعامل بناء، أما والدته فكانت ربة منزل تعتني بالبيت وتزرع في أبنائها حب العلم والعمل الجاد.
منذ صغره، كان حسن يميز نفسه عن باقي الأطفال في الحي بحبه الكبير للقراءة. في حين كان أقرانه يفضلون اللعب في الشوارع والتجول في الأحياء المجاورة، كان هو يختبئ في ركن من أركان المنزل يقرأ الكتب التي يحصل عليها من المكتبة العامة القريبة. لم يكن لديه العديد من الكتب، لكنها كانت كافية لإشباع فضوله وإثارة اهتمامه.
مرت السنوات وحسن يكبر، ومعها كان حلمه يكبر أيضاً. كان يحلم بأن يصبح مهندساً، ورغم قلة الإمكانيات التي كانت تحيط به، كان يضع نصب عينيه هدفاً واحداً: أن يحقق حلمه مهما كلف الأمر.
في مرحلة ما من حياته، أدرك حسن أن التعليم هو المفتاح لتحقيق هذا الحلم. لم يكن بإمكانه الالتحاق بالمدارس الخاصة أو حتى المدارس المتقدمة التي توفر فرصاً أفضل، ولكنه كان يعلم أن هناك طرقاً أخرى قد تقوده إلى ما يريد. بدأ بمواصلة دراسته بمفرده في أوقات الفراغ، وخصص ساعات من يومه لدراسة الرياضيات والفيزياء، اللتين كانتا تشكلان حجر الزاوية في تخصص الهندسة.
تأثر حسن كثيراً بتجربة حياته اليومية. فقد كان يشاهد والده يعمل بلا كلل طوال اليوم في مواقع البناء، وكان يرى كيف أن العمل الشاق يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة، ولكنه كان في الوقت نفسه يعلم أن العمل في هذا المجال ليس كافياً لتحقيق أحلامه. كان يرى في الهندسة فرصة لتغيير مجرى حياته وحياة أسرته.
كانت تلك اللحظات من حياته مليئة بالتحديات والصعاب. لم يكن لديه أي دعم مالي، ولم يكن هناك من يوجهه أو يساعده في اتخاذ خطواته الأولى نحو هدفه. لكن مع ذلك، لم يتوقف. كان يشارك في دروس مسائية مجانية، يحضر محاضرات علمية على الإنترنت، ويقرأ كل ما يقع تحت يديه من كتب تتعلق بالهندسة.
بعد سنوات من الكفاح والمثابرة، حصل حسن على شهادة الثانوية العامة. لم يكن هذا هو النجاح الوحيد الذي حققه، بل كان ذلك بمثابة التمهيد لخطوة أكبر: الالتحاق بالجامعة. لم يكن لديه المال لدفع الرسوم الجامعية، ولكنه قرر أن يسعى للحصول على منحة دراسية. قدم طلباته في العديد من الجامعات، وفي النهاية تلقى ردًا إيجابيًا من جامعة حكومية قدمت له منحة دراسية كاملة.
كانت أول أيامه في الجامعة مليئة بالتحديات. كان يعيش بعيداً عن أسرته، وكان من الصعب عليه التكيف مع الحياة الجامعية في البداية. لكن الإرادة القوية كانت تحركه، وكان يرى كل تحدي على أنه فرصة لتعلم شيء جديد. مرَّت السنوات، وواصل حسن الدراسة، وفي كل عام كان يقترب أكثر من هدفه الكبير.
عندما تخرج حسن من الجامعة بتفوق، شعر وكأن العالم بأسره قد فتح له أبوابه. كان يعلم أنه قد قطع شوطاً طويلاً من حياة صعبة، لكنه أيضًا كان يدرك أن الطريق أمامه لا يزال طويلاً. ومع ذلك، كانت تلك اللحظات التي اختبر فيها مرارة الفشل وطعم النجاح هي ما شكلت شخصيته.
بدأ حسن يعمل في إحدى الشركات الهندسية الكبرى. لم يكن منصبه في البداية كبيراً، لكنه بذل كل ما في وسعه لإثبات نفسه. ومع مرور الوقت، ارتقى في سلم الوظائف وأصبح أحد المهندسين المرموقين في مجاله. بدأ بتطوير مشاريع هندسية كبيرة وشارك في العديد من الأبحاث التي كانت لها تأثيرات إيجابية على المجتمع.
ومع كل خطوة كان يخطوها نحو النجاح، كان حسن يتذكر دائماً بداياته المتواضعة. لم ينسَ قط الأيام التي قضى فيها أوقاتاً طويلة يدرس وحده في زوايا منزله الصغيرة، ولا تلك الليالي التي كان ينام فيها وهو يحلم بمستقبل أفضل له ولأسرته. لكنه كان يثق تماماً أن العمل الجاد والإيمان بالحلم يمكن أن يحول أي صعوبة إلى فرصة.
مرت سنوات عديدة، وحسن أصبح الآن من بين أبرز المهندسين في مجال عمله. ومع ذلك، لم ينسَ قط جذوره. فقد أسس مؤسسة خيرية لدعم الطلاب الموهوبين من الأسر الفقيرة، محاولاً أن يكون هو المساعد الذي لم يجده في بداياته. كان يحاول أن يقدم الفرصة للآخرين لكي يحققوا أحلامهم كما فعل هو.
قصته لم تكن فقط قصة نجاح فردي، بل كانت تمثل نموذجاً للأمل والإصرار في مواجهة الصعاب. وكانت تذكيراً لكل من يرى نفسه عالقاً في مكان ما أن العمل الجاد والصبر يمكن أن يقلبان موازين الحياة.
كانت حياة حسن مليئة بالعثرات والتحديات، ولكنها كانت أيضاً مليئة بالإنجازات والتضحيات. فقد أدرك أن النجاح ليس مجرد الوصول إلى هدف، بل هو رحلة مليئة بالدروس والخبرات التي تبني الشخصية وتغني الحياة.
