الحساسية عند الأطفال: الأفكار الشائعة ما بين الصح والخطأ
تعد الحساسية من الحالات الشائعة التي يعاني منها العديد من الأطفال، حيث تؤثر بشكل كبير على نوعية حياتهم وصحتهم العامة. وعلى الرغم من تقدم العلوم الطبية وزيادة الوعي حول هذه الحالة، لا يزال هناك العديد من المفاهيم الخاطئة حول الحساسية لدى الأطفال. في هذا المقال، سنتناول بعض هذه الأفكار الشائعة ونوضح ما إذا كانت صحيحة أم لا.
ما هي الحساسية عند الأطفال؟
تعد الحساسية استجابة غير طبيعية من جهاز المناعة لمواد أو عوامل بيئية يُفترض أن تكون غير ضارة. يمكن أن تتفاوت أعراض الحساسية بين الأطفال، وتتراوح ما بين أعراض خفيفة مثل الحكة أو الطفح الجلدي إلى أعراض شديدة تهدد الحياة مثل صعوبة التنفس أو صدمة تحسسية. تتنوع المواد التي تسبب الحساسية، فمنها ما هو شائع مثل الغبار، وحبوب اللقاح، والأطعمة، والحيوانات، والعقاقير.
فكرة شائعة 1: الحساسية تتطور في مرحلة الطفولة فقط
من الأفكار الشائعة أن الحساسية تظهر فقط في مرحلة الطفولة، لكن هذا ليس صحيحًا. على الرغم من أن العديد من الأطفال يُظهرون أولى أعراض الحساسية في سن مبكرة، إلا أن بعض الأشخاص يمكن أن يصابوا بالحساسية في مرحلة البلوغ أو حتى في مراحل متقدمة من حياتهم. هذا يحدث خاصة إذا كان الشخص قد تعرض لمادة معينة لأول مرة أو إذا تغيرت استجابته المناعية مع مرور الوقت.
العديد من الأشخاص الذين كانوا يعانون من أعراض غير شديدة أو حتى غير واضحة خلال طفولتهم قد يكتشفون أن لديهم حساسية عند البلوغ أو بعده، سواء كانت حساسية تجاه الأطعمة أو البيئة.
فكرة شائعة 2: الحساسية للأطعمة هي السبب الرئيسي لردود الفعل التحسسية
على الرغم من أن الحساسية الغذائية تعد من الأسباب الشائعة للعديد من ردود الفعل التحسسية عند الأطفال، إلا أن هناك عوامل أخرى قد تساهم في ظهور الحساسية. الحساسية تجاه حبوب اللقاح، الغبار، والحيوانات الأليفة مثل القطط والكلاب تعتبر أيضًا من الأسباب الرئيسية التي تثير استجابة مناعية غير طبيعية لدى العديد من الأطفال.
في الحقيقة، الحساسية للأطعمة قد لا تكون شائعة مثل الحساسية تجاه العوامل البيئية، رغم أنها قد تكون أكثر وضوحًا وأحيانًا أكثر خطورة في بعض الحالات، مثل الحساسية تجاه الفول السوداني أو البيض أو الحليب. ومن المهم أن يكون الأهل على دراية بأن الحساسية الغذائية ليست السبب الوحيد الذي يجب مراقبته.
فكرة شائعة 3: الحساسية عند الأطفال قد تختفي مع مرور الوقت
يعتقد بعض الآباء أن حساسية أطفالهم قد تختفي مع تقدمهم في العمر. بينما قد يلاحظ البعض تحسنًا أو اختفاءًا لبعض أعراض الحساسية مع مرور الزمن، فإن هذا ليس الحال في جميع الحالات. بعض الأطفال قد يتغلبون على حساسية معينة، في حين أن آخرين قد يستمرون في معاناتهم منها طوال حياتهم.
فمثلاً، الحساسية تجاه حليب البقر قد تختفي عند بعض الأطفال مع بلوغهم سن الثانية أو الثالثة، لكن في حالات أخرى، قد تستمر حتى مرحلة البلوغ. على الجانب الآخر، قد تستمر الحساسية البيئية (مثل الحساسية من حبوب اللقاح أو الغبار) طوال حياة الطفل.
فكرة شائعة 4: يمكن التنبؤ بالحساسية المستقبلية من خلال تاريخ العائلة
من الحقائق المعروفة أن العامل الوراثي يلعب دورًا كبيرًا في حدوث الحساسية، ولكن لا يعني وجود تاريخ عائلي من الحساسية بالضرورة أن الطفل سيعاني منها أيضًا. فبعض الأطفال الذين ليس لديهم أي تاريخ عائلي مع الحساسية قد يصابون بها، بينما قد ينجو آخرون من الإصابة بها رغم وجود تاريخ عائلي قوي.
ومن جهة أخرى، يمكن أن يصاب الطفل بالحساسية حتى إذا لم يكن هناك تاريخ عائلي من الحساسية. العوامل البيئية، مثل تعرض الطفل لمواد مهيجة أو ملوثة في مرحلة مبكرة من حياته، قد تؤدي إلى تطور الحساسية. لذا، فإن التركيز على التاريخ العائلي فقط لا يعني بالضرورة أن الطفل سيعاني من نفس المشكلة.
فكرة شائعة 5: تناول الأطعمة المسببة للحساسية في مراحل الطفولة المبكرة يمكن أن يساعد في الوقاية
تعتقد بعض الدراسات القديمة أن إدخال الأطعمة المسببة للحساسية مثل الفول السوداني أو البيض في وقت مبكر من حياة الطفل يمكن أن يساعد في تقليل خطر الإصابة بالحساسية. ومع ذلك، فإن بعض الدراسات الحديثة تشير إلى أن إدخال هذه الأطعمة في وقت متأخر قد يكون أكثر أمانًا للطفل، خاصة إذا كان لديه تاريخ عائلي من الحساسية.
وفي هذا السياق، يوصي الأطباء الآن بتقديم الأطعمة المسببة للحساسية، مثل الفول السوداني، في وقت مبكر من الحياة (من 4 إلى 6 أشهر) تحت إشراف الطبيب، إذا كان الطفل لا يعاني من مشاكل صحية تمنع ذلك.
فكرة شائعة 6: يمكن تشخيص الحساسية بسهولة من خلال الاختبارات السطحية
على الرغم من أن اختبارات الحساسية قد تكون أداة مهمة في تشخيص العديد من الحالات التحسسية، إلا أن التشخيص النهائي للحساسية لا يعتمد فقط على نتائج هذه الاختبارات. قد تظهر بعض نتائج الاختبارات إيجابية للحساسية دون أن يكون لها تأثير سريري حقيقي على الطفل. بالإضافة إلى ذلك، قد لا تظهر بعض أنواع الحساسية في الاختبارات التقليدية.
تتضمن طرق التشخيص الأخرى الفحص السريري لأعراض الطفل ومراجعة تاريخه الطبي. في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر اختبارًا إضافيًا، مثل اختبار التحمل أو مراقبة الأعراض في بيئة معينة، لتحديد ما إذا كانت الحساسية هي السبب الفعلي للأعراض.
فكرة شائعة 7: الأطفال الذين يعانون من الحساسية لا يمكنهم الحصول على لقاحات
من الأفكار الخاطئة المنتشرة بين بعض الأهل أن الأطفال الذين يعانون من الحساسية يجب أن يتجنبوا تلقي اللقاحات. هذا غير صحيح. يمكن للأطفال الذين يعانون من الحساسية تلقي معظم اللقاحات دون مشاكل. في الواقع، العديد من اللقاحات تشمل مواد لا تسبب ردود فعل تحسسية، ومن المهم أن يحصل الأطفال على التطعيمات وفقًا للجدول الزمني المعتمد.
ومع ذلك، في بعض الحالات الاستثنائية، قد يتطلب الأمر استشارة الطبيب قبل تلقي بعض اللقاحات إذا كان الطفل يعاني من حساسية شديدة تجاه أحد مكونات اللقاح، مثل الجيلاتين أو البيض.
فكرة شائعة 8: يجب على الأطفال المصابين بالحساسية تجنب الأنشطة الخارجية
قد يعتقد البعض أن الأطفال المصابين بالحساسية يجب أن يتجنبوا الأنشطة الخارجية، خاصة في فصل الربيع أو الخريف عندما تكون مستويات حبوب اللقاح مرتفعة. في الحقيقة، يمكن للأطفال الذين يعانون من الحساسية التمتع بالأنشطة الخارجية مع بعض الاحتياطات البسيطة.
إذا كانت الحساسية من حبوب اللقاح هي المشكلة، يمكن اتخاذ تدابير مثل مراقبة مستوى حبوب اللقاح في الأجواء، تجنب الأنشطة في ساعات الذروة (مثل الصباح الباكر أو المساء)، ارتداء نظارات شمسية لتقليل التعرض للغبار، أو استخدام الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب.
الخلاصة
تعتبر الحساسية عند الأطفال حالة معقدة قد تكون محاطة بالكثير من المفاهيم الخاطئة. من المهم أن يكون الأهل على دراية بالحقيقة حول هذه المسائل للحصول على العلاج المناسب واتخاذ الاحتياطات اللازمة. لا يوجد نموذج واحد يناسب الجميع، حيث تختلف أعراض الحساسية وعواملها المسببة من طفل لآخر. استشارة الأطباء والمتخصصين في الحساسية تعد الطريقة الأفضل للحصول على توجيه علمي دقيق ومناسب لحالة الطفل.
