كم حجة حجها الرسول؟
يُعد الحج أحد أركان الإسلام الخمسة التي يجب على المسلم أداؤها مرة واحدة في العمر، في حال توفرت الشروط لذلك. يكتسب الحج طابعًا روحانيًا عميقًا، ويُعتبر من أعظم العبادات التي يؤديها المسلمون في مختلف أنحاء العالم. أما بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان الحج جزءًا من سنته العطرة، وتُعد حجة الوداع آخر حجة قام بها، وتعد إحدى أبرز اللحظات في السيرة النبوية الشريفة.
حجية الرسول صلى الله عليه وسلم
لقد حجَّ الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته مرة واحدة فقط، وتُعرف هذه الحجة بحجة الوداع. ويعد هذا الحدث مفصلاً كبيراً في تاريخ الإسلام، حيث شهدت هذه الحجة على عدد من المواقف المهمة والتوجيهات الكبرى التي قدمها النبي للأمة الإسلامية، بالإضافة إلى أنها كانت بمثابة ختام للرسالة النبوية في كثير من جوانبها.
تفاصيل حجة الوداع
حجة الوداع كانت في السنة العاشرة من الهجرة (629 ميلادي)، وقد خُطب الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة في “عرفة” في خطبته المشهورة التي عُرفت “بخطبته في حجة الوداع”. قبل أن يسافر الرسول إلى مكة لأداء مناسك الحج، وجه الصحابة بالاستعداد الكامل لهذه الرحلة المباركة، فكان الجميع ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر لما كان يعرفه المسلمون من أهمية هذا الحج.
كان عدد الحجاج في تلك السنة يقدر بحوالي 124,000 صحابي ورفيق، وقد شاركوا في مناسك الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم.
أهمية حجة الوداع
حجة الوداع تحمل العديد من الدلالات والمواقف التي ما زالت تُعد مراجع شرعية في حياة المسلمين اليوم. أولاً، كانت هذه الحجة بمثابة توجيه للمسلمين حول العديد من القضايا الدينية والاجتماعية، حيث خاطب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في أكثر من موقفٍ قائلًا: “خذوا عني مناسككم”، مؤكداً بذلك أهمية تعلّم المسلمين كيفية أداء شعائر الحج.
في خطبته، أكد النبي صلى الله عليه وسلم على حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق النساء بشكل خاص، حيث قال: “أيها الناس، إنكم تُحاسبون عن أعمالكم، لا تظلموا أحدًا، ولا تظلموا النساء.” كما نادى بالصلاة في الجماعة، وبالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله، وبين الحلال من الحرام.
ما قبل حجة الوداع: رحلة إلى مكة
قبل أن يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم في أداء مناسك الحج، بدأ استعدادات الرحلة منذ شهر ذو القعدة من السنة العاشرة للهجرة. كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد جمع الصحابة وأعدّوا أنفسهم لهذه الرحلة المباركة، حيث كان المؤمنون متحمسين لأداء هذه الفريضة مع النبي الكريم. جُهّزت القوافل، وأعدت المحامل، وبدأت رحلة الحج تحت قيادة النبي صلى الله عليه وسلم.
أيام الحج في حجة الوداع
بدأت رحلة الحج مع دخول الرسول صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة في اليوم الرابع من شهر ذي الحجة، حيث قام بأداء طواف القدوم قبل أن يتوجه إلى منى في اليوم الثامن من ذي الحجة. في منى، قرأ النبي صلى الله عليه وسلم خطبته الأولى في موسم الحج، حيث أعلن فيها عن تأكيد حرمة الدماء والأموال، وأن المؤمنين متساوون في الحقوق والواجبات.
في اليوم التاسع من ذي الحجة، توجه النبي إلى عرفة، وهو اليوم الذي يُعد أعظم أيام الحج. في هذا اليوم، وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على جبل عرفة، وألقى خطبته الشهيرة، والتي كان من أبرز ما قال فيها: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا”، في تأكيد على حرمة الدماء والأموال.
بعد انتهاء اليوم في عرفة، توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المزدلفة حيث قضى ليلته هناك قبل أن يواصل مسيرة الحج.
خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في عرفة
من أبرز الأحداث التي شهدتها حجة الوداع هي خطبته في يوم عرفة. في هذه الخطبة، قدم النبي صلى الله عليه وسلم رسائل حاسمة لأمته بشأن العلاقة مع الله، وحقوق البشر، وكذلك عن السنة النبوية التي يجب على الأمة اتباعها. من أهم الرسائل التي تضمنتها هذه الخطبة:
-
التأكيد على مبدأ المساواة: حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب”، مؤكداً بذلك على أن الإسلام لا يفرق بين الناس بناءً على العرق أو اللون.
-
التحذير من البدع: حيث دعا إلى الابتعاد عن البدع والمخالفات التي قد تضر بالديانة.
-
تمسك الأمة بكتاب الله وسنة الرسول: “إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي”.
-
حقوق النساء: دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى احترام حقوق النساء، وقال: “استوصوا بالنساء خيرًا”.
أيام التشريق
بعد يوم عرفة، أتى يوم النحر، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذبح الهدي ثم بدأ بالقيام ببقية مناسك الحج، مثل رمي الجمار وطواف الإفاضة.
أثر حجة الوداع في الأمة الإسلامية
بعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع إلى المدينة المنورة، بدأ الصحابة في نقل ما تعلموه من مناسك الحج عن النبي صلى الله عليه وسلم. كان لهذه الحجة أثر كبير في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث تم توثيق العديد من سنن الحج التي لم تُذكر في السابق بشكل مفصل. كما شكلت حجة الوداع أيضًا نقطة تحول في الدعوة الإسلامية، حيث نزل فيها قوله تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا” (المائدة: 3)، وهي الآية التي نزلت في يوم عرفة، لتؤكد اكتمال الرسالة.
الرسالة الأخيرة للرسول صلى الله عليه وسلم
في حجة الوداع، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصل الرسالة الأخيرة لأمته، حيث لم يحج بعدها مرة أخرى، وظل المؤمنون يعملون بتوجيهاته التي وضحها في هذه الحجة. من بين هذه التوجيهات كان التأكيد على الأخوة، والمساواة، والعدالة، وعدم التفريق بين البشر، بالإضافة إلى أهمية حفظ الحقوق وتقدير الواجبات.
خاتمة
من خلال هذه الحجة المباركة، نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أكمل رسالته وأتمّ أمور الدين للمسلمين. كانت حجة الوداع مليئة بالعبر والدروس التي يتمسك بها المسلمون حتى اليوم. على الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم حج مرة واحدة فقط، إلا أن حجته كانت أكثر الحجج تأثيرًا في تاريخ الأمة الإسلامية، كونها كانت آخر فرصة للمسلمين للعيش والتعلم مباشرة تحت قيادة النبي الكريم.
