حامد: رحلة السكون والحياة الرمادية

فيلم “افعل شيئًا يا حامد” يفتح أمام المشاهد نوافذ فنية ترسم له صورة فريدة من نوعها لحالة السكون المميت التي يعيشها البطل (حامد). تمتد تلك اللحظات الأربع الأولى من الفيلم كقطعة فنية تجسد بشكل رائع الحياة اليومية المعتمة والمحدودة لهذا الشخصية الملتزمة بالأبيض والأسود، ليس كتأثير بصري فقط، وإنما كفلسفة حياة تفتقر إلى اللمسات الملونة التي تمنح الواقع نغمة الحياة والإيقاع.

تتجلى قوة الفيلم في استخدامه اللغة السينمائية بشكل فعّال، حيث يستغل الأبيض والأسود كرمزين يعكسان لون حياة حامد الرمادية والخالية من الحماسة. يُظهر الفيلم تغييب الألوان في حياة الشخصية الرئيسية، حيث يتأتى ذلك في تفاصيل صغيرة من حياته كالثلاجة، الأطباق، الميكروويف، الستائر، الكمبيوتر، وحتى الطعام الأبيض الذي يُعتبر مجرد بقايا غير فاتحة للشهية وخالية من الحياة. حتى اللقطة التي يسأل فيها حامد عن سبب عدم فتحه الباب لزوجة جاره تُظهر الاختلاف الكبير بين عزلته الملونة وحياتها النارية.

تمثل زوجة جاره كنقطة تحول في القصة، حيث تُجسد الحياة الملونة التي يغيبها حامد. يظهر الفيلم ببراعة كيف يتفاعل الشخص مع العالم الخارجي، حيث يبقى حامد غير مهتم وغير متفاعل، مما يعكس عزلته الذاتية وتغييب الحماسة في حياته.

على الجانب الفني، يبرز الفيلم بتصويره الفني الرائع والاختيار الدقيق للزوايا والإضاءة، مما يعزز تأثير الأبيض والأسود في نقل الرسالة الفنية. يتجلى ذلك في تفاصيل حياة حامد وتناقضاتها الصارمة التي تشكل لوحة إنسانية معبرة وفنية.

فيلم “افعل شيئًا يا حامد” يقدم فكرة فنية ملهمة حول تأثير العزلة والحياة المحدودة على الإنسان. يُظهر كيف يمكن للسينما أن تنقل بشكل فعّال الحالات الإنسانية الصامتة وتجسيدها بأسلوب يتيح للمشاهد التفاعل مع أعماق الشخصيات والتأمل في المعاني الخفية للحياة اليومية.

الفيلم القصير “افعل شيئًا يا حامد”، الذي أُنتِج في عام 2020 وهو من تأليف وإخراج سيد عمر، يعد قطعة فنية رائعة استطاعت تحقيق العديد من الإنجازات والتأثير الفني. يتميز الفيلم بقوة التعبير البصري والتميز في التصوير والتركيب السينمائي، مما جعله يلفت انتباه الجمهور ويحقق نجاحاً ملحوظاً في المهرجانات السينمائية.

تأتي قصة الفيلم كرسالة فنية تستكشف أعماق الوحدة والحياة الرتيبة للشخصية الرئيسية (حامد). يظهر الفيلم كيف يعيش حامد حياة تختلف تمامًا عن العالم الملون الذي يعيش فيه جارته، وكيف يختفي الحماس والحيوية من حياته، مما يجعلها حياة مجهولة تملؤها السكون والرتابة.

في النصف الأول من الفيلم، يتم التركيز على استسلام حامد للروتين اليومي وعدم اكتراثه للعالم من حوله، وتظهر لنا تلك اللحظات الصامتة التي تعكس حياته الخالية من الحدث. الاستعانة بالإشارات البصرية بدلًا من الحوار تُظهر ببراعة العزلة والتجمد الذي يعيشه حامد.

في النصف الثاني من الفيلم، يتحول تركيز القصة إلى لقاء حامد مع جارته، والتي تُجسد بشكل ممتاز الحياة الملونة والديناميات الاجتماعية التي يفتقدها حامد. يظهر التصوير الدقيق للتفاصيل، مثل لون الملابس وتناقضاته مع البيئة البيضاء والسوداء المحيطة به، كيف يتم تعزيز تأثير القصة.

من الناحية الجوائز، فقد حصد الفيلم جائزة شادي عبد السلام للعمل الأول كأفضل فيلم روائي قصير في المهرجان القومي للسينما. كما شارك في عدة مهرجانات دولية ومحلية، منها مهرجان دكا الدولي للأفلام القصيرة والمستقلة في بنجلاديش، ومهرجان “مصر دوت بكرة” للأفلام القصيرة في القاهرة.

بهذا الفيلم، يُظهر “افعل شيئًا يا حامد” تميز السينما القصيرة في التعبير عن قضايا إنسانية بشكل عميق وفني، مما يجعله إضافة قيمة للمشهد السينمائي.