حالات تجنب التطعيم

تجنبي التطعيم في هذه الحالات

يشكل التطعيم أحد أعمدة الصحة العامة في العصر الحديث، حيث ساهم في الحد من تفشي العديد من الأمراض المعدية التي كانت تُعدّ سابقاً من الأسباب الرئيسة للوفاة والعجز في شتى أنحاء العالم. إلا أن هناك حالات خاصة تستدعي التوقف المؤقت أو الامتناع عن أخذ اللقاحات لأسباب طبية موثقة. لا يتعلق الأمر هنا برفض التطعيمات بشكل غير علمي، بل يستند إلى أسس سريرية واضحة ترتبط بحالة الفرد الصحية، أو تاريخه الطبي، أو ردود أفعال سابقة تجاه اللقاحات. هذا المقال يقدم نظرة موسعة وعلمية حول الحالات التي يجب فيها تجنب التطعيم مؤقتاً أو دائماً، اعتماداً على نوع اللقاح، والحالة الطبية، والسياق السريري.

أولاً: ردود الفعل التحسسية الشديدة (Anaphylaxis)

التحسس المفرط تجاه مكونات اللقاح يُعد من أبرز وأهم موانع التطعيم. الحساسية المفرطة هي تفاعل مناعي شديد يمكن أن يهدد الحياة، وتظهر عادة بعد دقائق من التعرض للمادة المثيرة.

أبرز موانع التطعيم المرتبطة بالتحسس:

يجب في مثل هذه الحالات تقييم الشخص سريرياً من قبل طبيب مختص بالحساسية قبل اتخاذ القرار بالتطعيم أو اللجوء إلى بدائل آمنة.

ثانياً: الحالات الحادة أو الأمراض المزمنة غير المستقرة

ينصح عادة بتأجيل التطعيم في حال كان الشخص يعاني من مرض حاد متوسط أو شديد، مع أو بدون حمى. الهدف من ذلك هو تجنب الخلط بين أعراض المرض الحالي والأعراض الجانبية المحتملة للقاح.

أمثلة:

• الحمى الشديدة (أعلى من 38.5 مئوية).

• الإسهال الشديد أو القيء.

• نوبات الربو غير المسيطر عليها.

• تفاقم مفاجئ في حالات أمراض القلب أو الفشل الكلوي أو الكبد.

بمجرد استقرار الحالة الصحية، يمكن إعطاء اللقاح دون خطورة تُذكر.

ثالثاً: ضعف الجهاز المناعي

التطعيمات الحية (مثل لقاح الحصبة، النكاف، الحصبة الألمانية، الجدري المائي) قد تكون خطرة لدى الأشخاص الذين يعانون من تثبيط مناعي شديد، إذ يمكن أن يؤدي اللقاح إلى إصابة فعلية بالمرض المستهدف بسبب عدم قدرة الجهاز المناعي على مواجهته.

الفئات الممنوعة من اللقاحات الحية:

• مرضى السرطان الخاضعون للعلاج الكيميائي أو الإشعاعي.

• مرضى زراعة الأعضاء الذين يتلقون أدوية مثبطة للمناعة.

• المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) في مرحلة متقدمة.

• الأطفال المصابون باضطرابات وراثية في الجهاز المناعي.

في هذه الحالات، تُعطى لقاحات معطلة أو مؤجلة حسب تقييم الطبيب، ويتم التنسيق مع أخصائي المناعة أو الأمراض المعدية.

رابعاً: الحمل وبعض أنواع اللقاحات

الحمل يُعتبر مرحلة فسيولوجية خاصة تتطلب عناية دقيقة فيما يخص تناول الأدوية أو تلقي اللقاحات. رغم أن العديد من اللقاحات آمنة أثناء الحمل (مثل لقاح الإنفلونزا ولقاح التيتانوس-الدفتيريا-السعال الديكي)، إلا أن بعض اللقاحات ممنوعة.

اللقاحات المحظورة أثناء الحمل:

• اللقاحات الحية المضعفة مثل:

  • لقاح الحصبة، النكاف، والحصبة الألمانية (MMR).

  • لقاح الجدري المائي (Varicella).

  • لقاح شلل الأطفال الفموي (OPV).

• لقاح الحمى الصفراء (إلا في الحالات الوبائية القصوى وتحت إشراف طبي صارم).

من الضروري التخطيط للحمل بعد تلقي هذه اللقاحات بفترة لا تقل عن 28 يومًا لتجنب المخاطر الجنينية المحتملة.

خامساً: الأطفال حديثو الولادة والمبتسرون

رغم أهمية التطعيم المبكر للرضع، إلا أن هناك حالات يتم فيها تأجيل بعض الجرعات أو تعديل جدول التطعيم:

• الأطفال المبتسرون (الولادة قبل الأسبوع 37) قد يحتاجون لجدولة مختلفة أو مراقبة دقيقة خاصة عند تلقي لقاحات تحتوي على مكون السعال الديكي.

• المواليد ذوو الوزن المنخفض جدًا (أقل من 2 كغ) يتم تقييمهم قبل تلقي بعض الجرعات مثل لقاح التهاب الكبد B.

• حديثو الولادة المصابون بأمراض استقلابية نادرة أو تشوهات خلقية شديدة قد يُعاد جدولة تطعيمهم بعد استقرار حالتهم.

سادساً: التفاعلات السابقة الخطيرة مع جرعة أولى من نفس اللقاح

تُعد الآثار الجانبية الخطيرة المسجلة سابقًا بعد تلقي جرعة أولى من لقاح معين من الموانع الأساسية للاستمرار في تلقي نفس اللقاح.

أمثلة على هذه الحالات:

• التشنجات الحرارية الشديدة بعد لقاح DTaP.

• متلازمة غيلان باريه بعد تلقي لقاح الإنفلونزا الموسمية (نادرة جدًا).

• النزيف أو نقص الصفائح الدموية بعد لقاح الحصبة.

في هذه الحالات، يُتخذ قرار الامتناع عن الجرعة التالية بعد تقييم شامل وفردي للحالة.

سابعاً: اضطرابات الجهاز العصبي النشطة

تُوصى بعض الإرشادات الدولية بعدم إعطاء بعض اللقاحات في حال كان الشخص يعاني من مرض عصبي نشط غير مشخص بعد، خاصة عند الأطفال، وذلك لتجنب الخلط بين تطور المرض والأعراض الجانبية المحتملة.

تشمل هذه الاضطرابات:

• التشنجات غير المفسرة.

• تراجع حركي أو إدراكي حاد.

• فقدان وعي غير مفسر متكرر.

بمجرد تشخيص الحالة العصبية واستقرارها، يمكن إعطاء اللقاح بشكل آمن.

ثامناً: أمراض الدم واضطرابات النزف

الأشخاص المصابون بأمراض مثل الهيموفيليا أو اضطرابات التخثر الوراثية قد يكونون عرضة لنزيف داخلي بعد تلقي لقاح عضلي.

التوصيات تشمل:

• إعطاء اللقاح عبر الجلد أو تحت الجلد إن أمكن.

• التنسيق مع طبيب أمراض الدم لإعطاء عوامل تخثر قبل التطعيم.

• استخدام إبر دقيقة وتقنية حقن خاصة لتقليل مخاطر النزيف.

تاسعاً: الأشخاص الذين خضعوا مؤخرًا لزراعة نخاع العظم أو الأعضاء

بعد زراعة نخاع العظم أو الأعضاء، يتم عادة إيقاف جميع اللقاحات لفترة قد تصل إلى 6 أشهر أو أكثر، حسب استجابة الجسم للعلاج المثبط للمناعة، وتُعاد جدولة جميع اللقاحات وفقاً لحالة المريض الجديدة.

عاشراً: التحسس تجاه مكونات محددة في بعض اللقاحات

تحتوي بعض اللقاحات على مواد مساعدة أو حافظة قد تثير رد فعل تحسسي مثل:

• الفورمالديهايد.

• الثيميروسال (في بعض اللقاحات القديمة).

• المونوسوديوم غلوتاميت.

يجب أن يكون لدى الطاقم الطبي معلومات دقيقة حول مكونات اللقاح وأن يراجعوا تاريخ التحسس الدوائي للمريض قبل إعطائه أي لقاح.

الحادي عشر: الاستجابة المناعية الزائدة (فرط المناعة)

في حالات نادرة، قد يعاني بعض الأشخاص من أمراض تتسم بفرط في نشاط الجهاز المناعي، مثل:

• الذئبة الحمراء الجهازية (SLE).

• متلازمة بهجت.

• بعض حالات التصلب المتعدد.

قد تتطلب هذه الحالات تأجيل أو اختيار أنواع محددة من اللقاحات، بعد دراسة الفوائد والمخاطر المحتملة.

الثاني عشر: التداخلات الدوائية الحادة

تناول أدوية مثل الكورتيزون بجرعات عالية، أو الأدوية البيولوجية مثل Anti-TNF، قد يضعف مناعة الشخص أو يؤثر على فعالية اللقاح، لذلك يُنصح غالباً بتأجيل التطعيم أو اختيار توقيت مناسب.

جدول ملخص لأهم موانع التطعيم:

الخلاصة العلمية

التطعيم وسيلة فعالة ومجربة للوقاية من الأمراض المعدية، ولكن لا بد من تطبيق معايير السلامة عبر تحديد الحالات التي يُمنع فيها إعطاء اللقاح بشكل مؤقت أو دائم. الطبيب المؤهل هو المرجع الأساسي لاتخاذ القرار في كل حالة، بناءً على التاريخ الطبي الدقيق والفحوصات السريرية والمخبرية. الالتزام بهذه المعايير لا يقلل من أهمية اللقاح، بل يعزز من سلامته وفعاليته على المستوى الفردي والمجتمعي.

المراجع:

1. Centers for Disease Control and Prevention (CDC). Guidelines for Vaccination Contraindications and Precautions.

2. World Health Organization (WHO). Vaccine Safety Basics: e-learning course.