جواز الإفطار في السفر

الصيام ركن من أركان الإسلام الخمسة، فرضه الله على المسلمين في شهر رمضان المبارك، وامتثل المسلمون لأمر الله بالصيام احتسابًا لمرضاته وطلبًا للأجر العظيم. لكن الله سبحانه وتعالى رخص في بعض الحالات التي لا يستطيع فيها المسلم الصيام أو تضر بصحته أو تؤثر سلبًا على حياته، ومنها السفر. يعد جواز الإفطار في السفر من الرخص الشرعية التي جاءت لتيسير العبادة على المسلمين دون مشقة أو ضرر.

مفهوم السفر في الشريعة الإسلامية

يُعرّف السفر في الفقه الإسلامي بأنه الانتقال من بلد إلى آخر بمسافة معتبرة، وتختلف المسافة التي تحدد بداية السفر بين المذاهب الفقهية، لكنها تتراوح عادة بين 80 كيلومترًا إلى 90 كيلومترًا على الأقل. ويشترط أن يكون السفر للسفر لا للتنزه أو الترفيه فقط، أي أن يكون السفر قصداً وقربة أو حاجة أو ضرورة.

الحكم الشرعي لصيام المسافر

قال الله تعالى في كتابه العزيز:

{فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} (البقرة: 185)

وهذا نص صريح يدل على جواز الفطر للمسافر.

كما ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله:

«لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والنفس بالنفس، والسفر جُعِلَ رخصة».

وفي حديث آخر:

«الصوم للمقيم، والقيام للمقيم، والرحم للمقيم، والجهاد للمقيم، أما السفر فالرخصة».

في هذه النصوص تظهر الرخصة للمسافر في الفطر أثناء السفر، ويجوز له تأجيل الصيام إلى أيام أخرى.

شروط جواز الإفطار في السفر

ليكون الفطر في السفر جائزًا، لا بد من توافر شروط محددة بينها الفقهاء:

1. بلوغ حد المسافة المعتبرة للسفر

ينبغي أن يكون السفر طويلاً على قدر يجعل الصيام مشقة، فقد حدّدت المذاهب الفقهية مسافة معينة كحد أدنى لاعتبار السفر، مثلاً المذهب الحنفي والمالكي والشافعي يعتبرون السفر يبدأ من 80 كيلومترًا فما فوق. أما الحنابلة فيبنون ذلك على المشقة والنية.

2. نية السفر وعدم التوقف

شرط أن يكون السفر بنية الانتقال وعدم التوقف لفترة طويلة في نفس المكان، فالوقوف لمدة طويلة في مكان وسط السفر قد يحول الإذن في الفطر إلى وجوب الصيام إذا توقف في بلد إقامة.

3. المشقة

يجب أن يترتب على الصيام مشقة على المسافر، فإن كان الصيام سهلاً لا يسبب مشقة، فإنه من المستحب له الاستمرار في الصيام؛ لأن الأصل في العبادات التثبت وعدم الإخلال.

4. أن يكون السفر غير محرم

لا يجوز الإفطار في السفر إذا كان السفر محرماً شرعاً أو داخلاً في حدود الممنوعات مثل السفر في سبيل المعصية.

5. أن لا يكون الصيام قد بدأ قبل السفر

إذا كان الشخص قد بدأ الصيام ثم خرج في سفر، فإن عليه أن يتم صيامه، أما إن بدأ السفر وهو على أعتاب الصيام أو قبل الفجر، فيجوز له الفطر.

حكم الإفطار في السفر بحسب المذاهب الفقهية

المذهب الحنفي

يجوز للمسافر الفطر إذا قطع مسافة تزيد على 80 كيلومترًا، ويشترط أن يكون السفر فعليًا ومحل الإقامة التي انطلق منها ليست هي نفس محل إقامته الدائم، ويجوز له الإفطار في نهار رمضان ثم يصوم في باقي أيام سفره.

المذهب المالكي

يشترط أن يكون السفر مسافة تقارب 83 كيلومترًا، مع وجود مشقة في الصيام، فإذا وجد المسافر سهولة في الصيام فالأفضل الاستمرار في الصيام.

المذهب الشافعي

يأخذ المذهب الشافعي بنفس حد المسافة مع عدم الإلزام بالفطر إن لم توجد مشقة على المسافر، لكن الأفضل له التمتع برخصة الفطر في السفر.

المذهب الحنبلي

يعتبر السفر رخصة شرعية مطلقة للفطر في نهار رمضان، بشرط أن تتوفر شروط السفر، وتستند الرخصة إلى عدم الإثم في ترك الصيام أثناء السفر.

أنواع السفر وأثرها في جواز الإفطار

يُقسم السفر في الفقه الإسلامي إلى عدة أنواع لها تأثير على جواز الإفطار أو وجوب الصيام:

السفر الطويل

وهو السفر الذي يزيد على حد المسافة المعتبرة، ويصاحبه عادة مشقة كبيرة، ويجوز فيه الإفطار.

السفر القصير

وهو السفر الذي لا يصل إلى المسافة المحددة، ويُفضل فيه الاستمرار في الصيام.

السفر الذي يكون لغرض الترفيه أو السياحة

يختلف الحكم فيه بين العلماء، لكن الغالب أن السفر إذا كان للتنزه فقط وليس فيه مشقة حقيقية، فالأفضل الاستمرار في الصيام وعدم الإفطار.

السفر لضرورة أو حاجة ملحة

يجوز فيه الإفطار مع استدراك الأيام بعد رمضان.

تأثير الحالة الصحية للمسافر على جواز الإفطار

إذا كان المسافر مريضًا أو يتوقع أن يتعرض لمشقة صحية بسبب الصيام أثناء السفر، فإن ذلك يبيح له الإفطار حتى ولو كان السفر قصيرًا. وهذه الرخصة قائمة على النصوص الشرعية التي تبيح الفطر للمريض والمسافر خشية الضرر.

كيفية القضاء بعد الفطر في السفر

المسافر الذي أفطر في نهار رمضان له أن يقضي الأيام التي أفطرها بعد انتهاء رمضان وقبل حلول رمضان القادم. ويجوز له قضاءها في أي وقت يناسبه، مع تفضيل قضاء الأيام بسرعة لما في ذلك من تحصيل الأجر والاحتياط.

الجدول التالي يوضح شروط جواز الإفطار في السفر

الخلاصة

جواز الإفطار في السفر هو من الرخص الشرعية التي منحها الإسلام للمسلم للتيسير عليه، وهو تقدير حكيم يراعي ظروف الإنسان وتفاوت قدراته. ولقد حدد الشرع ضوابط دقيقة لهذا الأمر ترتكز على المسافة، نية السفر، المشقة التي قد يتعرض لها المسلم أثناء الصيام، ونوعية السفر. كما أن المذاهب الإسلامية المختلفة اتفقت على هذه الرخصة مع بعض الفروق في تطبيقها. وقد أكد الإسلام ضرورة قضاء الأيام التي أفطرها المسافر، حفاظًا على فرض الصيام وصونًا لحق الله تعالى في عباده.

ولذا فإن المسلم إذا كان على سفر مع توفر شروط السفر والظروف التي تمنحه رخصة الإفطار، فإن له الإفطار بدون إثم مع التعويض بقضاء الأيام في أوقات مناسبة بعد رمضان.

المراجع:

• تفسير الطبري، تفسير سورة البقرة.

• كتاب “الفقه الإسلامي وأدلته” للدكتور وهبة الزحيلي.