جمال قطب: أيقونة الفن التشكيلي المصري

في قلب الحياة الثقافية في القاهرة، يتوجب على زائر شارع الفجالة الشهير الوقوف أمام بوابة التراث الأدبي والفني المصري، وهي مكتبة مصر، التي أسسها الرائد سعيد جودة السحار، شقيق الأديب الكبير عبدالحميد جودة السحار. يتميز هذا الفضاء الثقافي بتاريخه العريق وإسهاماته الكبيرة في نشر الأعمال الأدبية لأبرز الأدباء المصريين.

من بين هؤلاء الأدباء العظام الذين صاغت أقلامهم الكلمة الأدبية على صفحات المكتبة، نجد توفيق الحكيم وطه حسين، ولا يمكن تجاهل إسهامات نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس والسحار، إلى جانب يوسف القعيد وجمال الغيطاني. يُعتبرون مجموعةً لامعة من العقول الأدبية التي سطع نجمها على الساحة الأدبية المصرية والعربية.

عندما تستعرض الفتنة الفنية المعروضة في فاترينة المكتبة، يكاد الزائر يعيش رحلة إبداعية تمتد عبر لوحات جمال قطب، الفنان التشكيلي البارع الذي أخذ على عاتقه تزيين أغلفة الكتب بأسلوبه الفني الفريد. يتميز قطب بأسلوب تعبيري يجمع بين الواقعية والتعبيرية، حيث يستخدم ألوانه وخطوطه لنقل الفكرة الأساسية للكتاب.

جمال قطب، الذي يُعد من رواد الفن التشكيلي المصري، ولد في طنطا عام 1931م، وبدأ مسيرته الفنية كطالب في كلية الهندسة، قبل أن يجد طريقه إلى كلية الفنون الجميلة. هناك، كان يتلقى التوجيه الفني من الفنانين الكبار حسين بيكار وجمال السجيني، مما ساعد في تطوير موهبته الفنية.

قطب لم يقتصر على رسم أغلفة الكتب فقط، بل كان له دور بارز في تأسيس المرسم الحر في دولة قطر، وساهم في ترسيخ التراث الخليجي من خلال لوحات بانورامية ضخمة في متحف دارة الملك عبدالعزيز بالسعودية. وفي رحلته إلى الولايات المتحدة، التقى بنجوم الرسم كنورمان روكويل والإيطالي والتر مولينو، مما أثرى تجربته الفنية وأفقه الإبداعي.

أحد أعماله البارزة خارج مصر كانت لوحة “انتصار بورسعيد”، التي أصدرتها مصلحة الاستعلامات المصرية في أواخر الستينيات بعد حرب أكتوبر. كما قام بتسجيل التراث الخليجي من خلال لوحات جدارية ضخمة.

رحيل جمال قطب في أكتوبر 2016 كان خسارة للمشهد الفني المصري والعربي. يحمل إرثه الفني في طياته تجليات عديدة من خلال اللوحات والمجسمات التي تزين المكتبات والمتاحف حول العالم، إذ باتت أعماله الفنية تعكس مسيرة حافلة بالإبداع والتأثير الفني.

جمال قطب ليس فقط فنانًا تشكيليًا بل كان أيضًا شخصية تربطها علاقات قوية بالمؤسسات الثقافية والفنية في مصر. بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة، أصبح المستشار الفني لمؤسسة دار الهلال، إحدى أبرز دور النشر في مصر، ووقع توقيعه الفني على العديد من أغلفة الكتب والمجلات التي أصدرتها المؤسسة.

كما أسهم قطب في تأسيس المرسم الحر في دولة قطر، مما يبرز تأثيره الفني الواسع على المشهد الثقافي في المنطقة. كان له دور بارز في تعليم الفن في مصر، حيث أخرج عددًا كبيرًا من الفنانين الواعدين في قطاع الفنون التشكيلية.

من الأعمال البارزة التي قام بها جمال قطب خارج حدود مصر، يمكن ذكر لوحاته الجدارية الضخمة التي سجلت تراث الخليج في متحف دارة الملك عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية. كما أسهم في تأسيس المرسم الحر في دولة قطر، مساهمة أخرى تعكس التأثير العميق الذي كان له في نشر الفن وتعزيز الوعي الثقافي في المنطقة.

تعد لوحته للملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، فريدة من نوعها وتعكس الاحترام الدولي الذي كان يحظى به جمال قطب. وتحفظ هذه اللوحة في مجموعتها الخاصة في قصر برمنجهام الملكي، مما يشير إلى التقدير العالمي للموهبة الفنية والتأثير الثقافي الذي كان لجمال قطب في مجال الفنون التشكيلية.

باختصار، جمال قطب ليس فقط رسامًا بل شخصية فنية وثقافية بارزة، وإرثه الفني يظل حاضرًا في مكتباتنا ومتاحفنا، مشيرًا إلى رحلة طويلة من التفاني والإبداع في عالم الفن.