جمال الفن وفلسفته: بين بومجارتن وشوبنهاور

مفهوم الجمال والفن:

تأتي كلمة “الجمال” من أصل يوناني، حيث يرتبط بفلسفة الأستطيقا وفلسفة الفن. يعرف الجمال بأنه العلم الذي يرتبط بالإحساس والتعرف على الأشياء من خلال الحواس. وفي سياق الفن، قام هربرت ريد بتعريف الجمال بأنه وحدة العلاقات الشكلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا.

تتنوع تعاريف الجمال، فمنها ما ورد عن هيجل الذي وصف الجمال بأنه “الجني الأنيس الذي نصادفه في كل مكان”. وفي العصور القديمة، كان الجمال جزءًا من فروع الفلسفة حتى جاء بومجارتن الذي قام بتفريق علم الجمال عن باقي المعارف.

أما الفن، فقد كان يعرف في اليونان على أنه كل نشاط صناعي نافع بصفة عامة، ولم يقتصر على الشعر والنحت والموسيقى بل شمل الصناعات المهنية كالنجارة والبناء والحدادة. في اللغة الإنجليزية، يتم تعريف الفن على أنه تعبير الفرد عن مهارته الإبداعية في صورة مرئية، كالنحت والرسم.

خصائص الجمال:

1. الغاية الأخلاقية: يتحقق الجمال عندما يكون له نفع أو فائدة أو يتوافق مع الغاية الأخلاقية العليا.

2. القيمة الإيجابية: يتسم الجمال بقيمة مرتبطة بالغريزة والعاطفة والشعور الإيجابي، مما يمنح المعاني للأشياء الحيوية.

3. تباين الرؤى: ليس للجمال وحدة قياس، حيث يراه الأفراد بطرق مختلفة وفقًا لتجاربهم ورؤاهم.

4. المعاني السامية: يحمل الجمال معاني سامية مثل الأخلاق والقيم والصدق.

الرؤية الفنية والجمالية للفلاسفة:

في القرن الثامن عشر، أسهم بومجارتن في تحديد مفهوم الجمال من خلال إقرانه بين الفلسفة والأستطيقا. عرّف بومجارتن الأستطيقا كعلم يختص بالتمظهر الحسي، وركز في دراسته على المعاني الشعورية والجمال.

أكد بومجارتن أن هناك فرقًا بين القوى العقلية والحسية، وقسم بين علم المنطق وعلم الأستطيقا. رأى أن القوى العليا تتعلق بالحقيقة والخير، بينما القوى الحسية تحتاج إلى علم مستقل يسمى الأستطيقا، وهو علم يركز على الشعور والجمال.

جمال الفن عند شوبنهاور:

شوبنهاور يرى أن الفن والفلسفة توأمان في فهمهما للوجود، حيث تمارس الفلسفة عبر الوعي بالحياة والتصورات، بينما يُعبّر الفن عن الوعي بالحياة عبر المثل والرموز. يرى شوبنهاور أن إرادة الحياة تعتبر عمياء، ولكن يتيح الفن للفنان التحرر من عبثيتها.

يعتبر شوبنهاور أن جمال الفن هو جمال عارض للجزء، حيث لا ينتصر المتأمل للفن تمامًا على طبيعته، ولكن المُثل يُعيد اكتشافها بحرية من الألم. يجمع شوبنهاور بين العبقري والمجنون في فهمهما المشترك للحياة، حيث يُعيد المتأمل اكتشاف الوجود خالٍ من الألم ومن إرادة الحياة، ويتجلى الفن كوسيلة لتحقيق هذا التحرر.

معاودًا الاستعراض، يتعامل بومجارتن مع الجمال كجزء أساسي من الفلسفة الفنية. يعتبر أن علم الجمال يختص بالقوى الحسية والشعور، حيث يسعى لفهم التجارب الجمالية وكيفية تأثيرها على الإنسان. يقسم بومجارتن بين القوى العليا للمعرفة، التي تركز على العقل والحقيقة، والقوى الدنيا، التي تشمل الإدراك الحسي والتذوق الجمالي.

فيما يخص الرؤية الفنية والجمالية لشوبنهاور، ينظر إلى الفن كوسيلة للتحرر من عبثية الحياة وإرادتها العمياء. يؤكد على أن المتأمل للفن لا ينتصر تمامًا على طبيعة الوجود، ولكنه يُعيد اكتشافها بحرية من خلال المثل والرموز. يعتبر جمال الفن عارضًا للجزء، يسمح للفنان بالتعبير عن الوعي بالحياة بطريقة تتجاوز الألم.

من جهة أخرى، يمكن رؤية تأثير الفلسفة الفنية والجمالية على الفلاسفة اللاحقين. فقد أثرت أفكار بومجارتن وشوبنهاور في تشكيل التفكير الفلسفي حول مفهوم الجمال والفن، حيث أصبحت تلك الأفكار مصدر إلهام للفلاسفة والنقاد الذين يدرسون هذه القضايا في العقود التي تلت هذه الفترة.

لدينا هنا تكامل بين مفهومي الجمال والفن، ورؤى لبومجارتن وشوبنهاور تجاه هذين المفهومين. يظهر الفن والجمال كوسيلتين للتفكير والتعبير عن الحياة، وتشكل الفلسفة الفنية لهما أساسًا للفهم العميق للإنسان وتفاعله مع العالم.