جزيرة لانجرهانز هي مجموعة من الخلايا الصغيرة الموجودة في البنكرياس، وتُعتبر واحدة من أهم الأجزاء في الجسم البشري لدورها الحيوي في تنظيم عملية التمثيل الغذائي وحفظ توازن مستويات السكر في الدم. على الرغم من أن اسم “جزيرة لانجرهانز” قد يثير الانطباع بأنها جزيرة جغرافية، إلا أن هذه التسمية تشير إلى “جزر” صغيرة من الخلايا داخل عضو معين، وليس إلى أرض أو جزيرة في البحر. في هذا المقال، سنتناول التفاصيل الدقيقة حول جزيرة لانجرهانز، موقعها، وظائفها، وتفاعلاتها مع الجسم البشري.
ما هي جزيرة لانجرهانز؟
جزيرة لانجرهانز هي منطقة صغيرة في البنكرياس تتكون من مجموعات من الخلايا المتخصصة، والتي تسمى خلايا “الأنسجة الصماء”. وهي تُعتبر جزءاً من البنكرياس الذي يتولى إنتاج الهرمونات وتنظيم العديد من الوظائف الحيوية في الجسم. يُقدر عدد جزيرات لانجرهانز في البنكرياس البشري بحوالي مليون جزيرة، وهي تمثل فقط حوالي 1-2% من حجم البنكرياس الإجمالي.
تُسمى هذه الجزر بهذا الاسم نسبة إلى العالم الألماني “بول لانجرهانز” الذي اكتشف هذه الخلايا لأول مرة في عام 1869. على الرغم من أن اكتشافه كان مجرد ملاحظة لأجزاء صغيرة من الأنسجة، إلا أن الباحثين بعده أدركوا أن جزيرة لانجرهانز تلعب دوراً محورياً في تنظيم مستويات السكر في الدم من خلال إفراز هرمونات متعددة، أشهرها الأنسولين.
موقع جزيرة لانجرهانز في الجسم
تقع جزيرة لانجرهانز في البنكرياس، وهو عضو طويل يقع في التجويف البطني خلف المعدة، يمتد عبر الجزء العلوي من البطن. البنكرياس يلعب دورين رئيسيين: الأول هو إنتاج الإنزيمات الهضمية التي تساعد في هضم الطعام، والثاني هو إفراز الهرمونات التي تتحكم في التوازن الكيميائي داخل الجسم، وخاصة هرمون الأنسولين الذي ينظم مستويات السكر في الدم.
جزيرة لانجرهانز تتوزع بشكل غير منتظم في البنكرياس، وغالباً ما تُوجد بالقرب من الأوعية الدموية الصغيرة التي تساعد في توزيع الهرمونات المنتجة. تقدر مساحة جزيرة لانجرهانز الصغيرة داخل البنكرياس بمساحة لا تتجاوز عدة ميليمترات مربعة، إلا أن دورها في تنظيم عملية التمثيل الغذائي لا يُقاس بحجمها فقط، بل بفعاليتها الكبيرة.
تركيب جزيرة لانجرهانز
تتكون جزيرة لانجرهانز من مجموعة متنوعة من الخلايا، تتخصص كل منها في إفراز هرمون معين. هناك أربع أنواع رئيسية من الخلايا في جزيرة لانجرهانز، وهي:
-
خلايا ألفا: هذه الخلايا مسؤولة عن إفراز هرمون الجلوكاجون. يعمل هذا الهرمون على رفع مستويات السكر في الدم عند انخفاضها عن المعدلات الطبيعية، وذلك من خلال تحفيز الكبد على تحويل الجليكوجين إلى جلوكوز.
-
خلايا بيتا: تُعتبر خلايا بيتا هي الأكثر أهمية في جزيرة لانجرهانز، حيث تقوم بإفراز هرمون الأنسولين. الأنسولين هو الهرمون المسؤول عن خفض مستويات السكر في الدم بعد تناول الطعام من خلال مساعدة الخلايا على امتصاص الجلوكوز.
-
خلايا دلتا: تقوم خلايا دلتا بإفراز هرمون السوماتوستاتين، الذي يعمل على تنظيم الإفرازات الهرمونية الأخرى في البنكرياس ويقلل من إفراز الأنسولين والجلوكاجون. كما يلعب السوماتوستاتين دوراً في تقليل عملية إفراز الأحماض في المعدة.
-
خلايا فاي: هي خلايا أقل شيوعاً وتفرز هرمون البنكرياس البوليسي (pancreatic polypeptide)، الذي يساهم في تنظيم عمليات الهضم والتمثيل الغذائي.
وظيفة جزيرة لانجرهانز
تلعب جزيرة لانجرهانز دوراً حيوياً في تنظيم مستويات السكر في الدم، وهي بذلك تتحكم في توازن الطاقة في الجسم. يتم ذلك من خلال إفراز الهرمونات التي تساعد في الحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن الحدود الطبيعية. إليك شرحاً مفصلاً لوظائف الهرمونات التي تفرزها خلايا جزيرة لانجرهانز:
-
الأنسولين: هو الهرمون الأساسي الذي تفرزه خلايا بيتا في جزيرة لانجرهانز. عندما يرتفع مستوى الجلوكوز في الدم بعد تناول الطعام، يتم إفراز الأنسولين في الدم ليعزز من امتصاص الجلوكوز بواسطة خلايا الجسم، لاستخدامه كمصدر للطاقة. كما يُحفظ الجلوكوز في الكبد على شكل جليكوجين للرجوع إليه في وقت لاحق.
-
الجلوكاجون: يُفرز الجلوكاجون من خلايا ألفا عندما تنخفض مستويات السكر في الدم. يعمل الجلوكاجون على تحفيز الكبد لإطلاق الجلوكوز المخزن في صورة جليكوجين لرفع مستويات السكر في الدم.
-
السوماتوستاتين: يلعب هذا الهرمون دوراً في تنظيم وتنسيق وظيفة البنكرياس بشكل عام. يقلل السوماتوستاتين من إفراز الأنسولين والجلوكاجون في البنكرياس ويساعد في تقليل إفراز الأحماض في المعدة.
-
البنكرياس البوليسي: رغم أنه غير معروف بشكل واسع، يلعب هرمون البنكرياس البوليسي دوراً في تحسين عملية الهضم وتنظيم وظائف الأمعاء.
اضطرابات تتعلق بجزيرة لانجرهانز
من الممكن أن تحدث بعض الاضطرابات في جزيرة لانجرهانز تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة. هذه الاضطرابات يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على قدرة الجسم في تنظيم مستويات السكر في الدم، ومنها:
-
داء السكري:
-
النوع الأول: يحدث نتيجة لتدمير خلايا بيتا المنتجة للأنسولين في جزيرة لانجرهانز بواسطة الجهاز المناعي. مما يؤدي إلى نقص الأنسولين في الدم ويجعل من الصعب على الجسم تنظيم مستويات السكر.
-
النوع الثاني: يرتبط بمقاومة الأنسولين، حيث تفقد الخلايا استجابتها للأنسولين، ويؤدي ذلك إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم.
-
-
الأورام: يمكن أن تنشأ أورام في جزيرة لانجرهانز، مثل الورم الإنسي (Insulinoma)، الذي يؤدي إلى إفراز غير طبيعي للأنسولين، مما يسبب انخفاض مستويات السكر في الدم بشكل مفرط.
-
فرط إفراز الجلوكاجون: في حالات نادرة، قد تنتج خلايا ألفا في جزيرة لانجرهانز كميات مفرطة من الجلوكاجون، مما يؤدي إلى زيادة مستويات السكر في الدم بشكل غير طبيعي.
خلاصة
جزيرة لانجرهانز ليست جزيرة جغرافية كما قد يوحي اسمها، بل هي مجموعة من الخلايا المتخصصة داخل البنكرياس تلعب دوراً أساسياً في تنظيم توازن السكر في الدم. على الرغم من أن حجم هذه الجزر صغير جداً، إلا أن تأثيرها كبير للغاية على صحة الجسم. من خلال إفراز الأنسولين والجلوكاجون والسوماتوستاتين، تساهم جزيرة لانجرهانز في الحفاظ على مستويات السكر في الدم في حدودها الطبيعية، مما يضمن إمداد الخلايا بالطاقة اللازمة لأداء وظائفها الحيوية. لذلك، فإن أي خلل في وظيفة جزيرة لانجرهانز يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية كبيرة مثل داء السكري وأورام البنكرياس.
