جزيرة الفنتين: غنى تاريخي وأسرار قديمة في قلب مصر

في قلب نهر النيل جنوب مصر، تتجلى جزيرة الفنتين كواحدة من أروع الجزر الصخرية في تلك المنطقة الرائعة. تعكس هذه الجزيرة تاريخًا طويلًا من الحضارات التي تعاقبت على هذا الساحر الذي يلقب بـ “سفينة الأسرار”. يطلق البعض عليها هذا الاسم نظرًا للكم الهائل من الآثار والأسرار التي تحتفظ بها، فهناك العديد من الاكتشافات التي لم يتم الكشف عنها حتى الآن.

تشتهر الفنتين أيضًا بلقب “جوهرة الجنوب”، حيث تتميز بجمالها الطبيعي والتاريخي الذي ينسجم بشكل فريد. يبلغ ارتفاع الجزيرة حوالي 12 مترًا، وتتسم بصخورها الجرانيتية المرتفعة التي كانت تبرز خلال فترة الفيضان، وكأنما تتحدى الزمن بقوة.

تعود أقدم التجمعات السكانية والآثار السكنية التي تم العثور عليها في الفنتين إلى عصور ما قبل التاريخ، تحديدًا في عصر “نقادة الثانية” حوالي عام 3500 قبل الميلاد. وفيما يتعلق بالمنشآت الدينية، يعود أقدمها إلى عصر “نقادة الثالثة” حوالي عام 2300 قبل الميلاد. كانت تلك المنشآت الدينية في تلك الفترة عبارة عن كوخ بسيط من اللبن بين الصخور الجرانيتية.

مع توحيد القطرين على يد الملك “نعرمر” وتأسيس الدولة الموحدة تقريبًا في عام 3000 قبل الميلاد، أضيفت إلى أهمية الفنتين الاقتصادية أهمية أخرى، إذ استخدمت كمحجر لاستخراج حجر الجرانيت الذي كان يُرسل إلى جميع أنحاء مصر.

تحتضن جزيرة الفنتين العديد من المعابد الهامة، وعلى رأسها معبد فيلة. يُعتبر هذا المعبد إحدى الآثار المهمة التي تعود إلى عصور مبكرة، وهو شاهد على تطور العبادة في تلك المنطقة.

وفيما يتعلق ببناء هرم الفنتين، فقد شيد الملك سنفرو، في عصور الأسرة الثالثة، سبعة أهرامات صغيرة غامضة على جزيرة الفنتين. يُعتقد أن هذا الهرم الأول كان له استخدام فلكي مرتبط بنجوم السماء، أو قد رمز إلى الآلهة السماوية، أو حتى يُعتبر مقياسًا لمتابعة حالة نهر النيل.

الهرم الفنتين، بشكله الحالي وأبعاده الأصلية المفترضة، يظهر كشاهد تاريخي على العظمة الفنية والهندسية لتلك الفترة. بناءً على إعادة تكوين محتمل لطبقاته الثلاثة، يتضح أن الهرم كان له أبعاد هائلة وهيكلية.

هل كان هرم الفنتين هرمًا للعبادة؟ يُطلق البعض على هيكل الهرم الغامض في جزيرة الفنتين لقب “هرم العبادة”، مشيرين إلى أنه ربما كان هرمًا طقسيًا أو شعائريًا بناءً على حجمه. فقد كانت الأهرامات الطقسية نادرة، وتشابهت مع الأهرامات المدرجة الصغرى، والتي كانت تُستخدم في الجنائز. يُعتبر هرم العبادة مكانًا رمزيًا للروح الملكية المتوفاة، ولم يكن هدفها الرئيسي دفن الجثث.

بهذا يظهر أن جزيرة الفنتين ليست مجرد مكان تاريخي، بل هي مرآة للحضارات القديمة التي عاشت وتطورت على ضفاف نهر النيل، مما يجعلها موقعًا فريدًا وثمينًا يحمل في طياته أسرارًا لم تكشف بعد.