جزاء الحج المبرور وأثره

جزاء الحج المبرور

إنّ الحجّ من أعظم الشعائر التي أوجبها الله تعالى على عباده، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، ويُعدّ من أفضل العبادات التي تجمع بين الطاعة البدنية والمالية، وتستلزم التجرّد لله، وصدق التوجه، وخلوص النيّة، وتحمّل مشقة السفر وفراق الأهل والوطن، رجاءً لما أعدّه الله للحاج من الأجر والثواب. ومن أعظم أنواع الحج، الحج المبرور، الذي ورد فيه من الفضل العظيم والثواب الجزيل ما لم يرد في غيره من الأعمال، حتى عدّه بعض العلماء من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه. وفي هذا المقال نعرض بتوسّع مفهوم الحج المبرور، وخصائصه، وآثاره، وأعظم جزائه في الدنيا والآخرة، كما ورد في نصوص الكتاب والسنة وأقوال العلماء.

تعريف الحج المبرور

الحج المبرور هو الحج الذي يكون خالصًا لوجه الله، موافقًا للشرع في أعماله وأقواله، خاليًا من الرفث والفسوق والجدال، ويقترن بصلاح الظاهر والباطن. قال الإمام النووي رحمه الله: “المبرور هو المقبول، وأصل البرّ الطاعة، ويكون الحج المبرور هو الذي لا يُخالطه شيء من الإثم”.

وقد فسر العلماء معنى “الحج المبرور” بعدة تفسيرات متقاربة، من أبرزها:

• أن يكون خاليًا من الإثم: كما قال الحسن البصري وغيره، فلا يقارف الحاج ذنبًا ولا معصية أثناء حجه، ولا يُخلّ بطاعة.

• أن يَتبعه العمل الصالح: قال ابن عبد البر: الحج المبرور هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولا يخالطه شيء من المعاصي، ويكون بعده استقامة على الطاعة.

• أن يُؤدى على الوجه المشروع: كما قال القرطبي: هو الحج الذي أُدِّي على أكمل الوجوه، بأداء الحقوق، واجتناب الآثام.

إذًا فالمبرور ليس فقط في أداء المناسك، بل يشمل أيضًا النية الخالصة، وحسن السلوك قبل وأثناء وبعد الحج.

الأدلة على فضل الحج المبرور

وردت العديد من النصوص التي تُبرز جزاء الحج المبرور وفضله العظيم:

1. حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:

قال رسول الله ﷺ: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”

رواه البخاري ومسلم

وهذا الحديث أصل في بيان شرف الحج المبرور وعلوّ منزلته، إذ إن الله تعالى لم يذكر له جزاءً محددًا من أعمال الدنيا، وإنما جعل جزاءه الجنة مباشرة، وهذا يدل على كمال الفضل والعطاء.

2. حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:

“تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد”

رواه الترمذي والنسائي

وهذا يدل على أن الحج المبرور سبب لمحو الذنوب، وتطهير النفس، وجلب البركة والخير في الدنيا.

3. حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟

قال: “لكن أفضل الجهاد حج مبرور”

رواه البخاري

وفي هذا تعظيم للحج المبرور، حتى إنه يعدل الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام.

خصائص الحج المبرور

للحج المبرور سمات تميّزه، وعلامات تظهر على صاحبه، منها:

أولاً: الإخلاص التام لله تعالى

فلا يكون قصد الحاج سمعة أو رياء أو شهرة، وإنما أداء الفريضة تلبيةً لأمر الله، وطلبًا لمرضاته. فالحج عبادة لا تُقبل إلا بخلوص النية، وهو أول شروط قبول الأعمال كما هو معلوم.

ثانيًا: متابعة السنة النبوية

فلا يكون الحج مبرورًا إلا إذا وافق فعل النبي ﷺ، وتم أداء المناسك كما جاء بها الشرع من غير ابتداع أو تجاوز.

ثالثًا: حسن الخلق مع الناس

فمن آداب الحج أن يُحسن الحاج خُلقه، ويكفّ أذاه عن الناس، ويُحسن معاملته لزملائه ورفقائه، ويراعي مشاعر الآخرين، لأن النبي ﷺ قال: “من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه”، رواه البخاري.

رابعًا: طيب المال والنفقة

لا يُقبل الحج إلا إذا كانت نفقته من مال حلال طيب، وقد ورد في الحديث: “إذا خرج الحاج حاجًا بمال طيب، ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور”، رواه الطبراني.

خامسًا: الاستمرار على الطاعة بعد الحج

من علامات قبول الحج أن يتغيّر الحاج إلى الأفضل بعد عودته، فيزداد التزامًا واستقامة، ويبتعد عن المعاصي والذنوب، ويحرص على أداء الفرائض.

جزاء الحج المبرور في الدنيا

رغم أن أعظم ما يُرجى من الحج المبرور هو نيل الجنة، إلا أن آثاره لا تقتصر على الآخرة، بل تظهر على الحاج في دنياه أيضًا، من أبرز هذه الآثار:

1. تكفير الذنوب الماضية

كما في الحديث: “من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”، فالحج المبرور سبب في غسل الذنوب ومحوها.

2. سعة الرزق ودفع الفقر

فقد وعد النبي ﷺ بأن متابعة الحج والعمرة من أسباب رفع الفقر، إذ جاء في الحديث: “تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب”.

3. الاستقامة وتحسن السلوك

من أدى الحج بصدق وإخلاص، وأحسن أدبه مع ربه، فإن من آثاره ظهور التحوّل الأخلاقي والسلوكي لدى الحاج، فيصبح أكثر التزامًا بالشرع.

4. محبة الناس وثقة المجتمع

فالحاج المبرور يعود إلى قومه طاهر القلب، نقي النفس، قريبًا من الله، فتنعكس هذه الصفات على تعاملاته مع الناس، فينال محبتهم واحترامهم.

جزاء الحج المبرور في الآخرة

الجزاء الأعظم الذي يناله الحاج المبرور لا يُقارن بجزاء آخر، ويتمثل في:

1. دخول الجنة

ففي الحديث الصحيح: “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة”، والحديث يدل على أن أعظم ما يظفر به الحاج المبرور هو الجنة، برحمة الله وفضله.

2. النجاة من النار

لأن من يدخل الجنة لا تمسه النار، وبالتالي فإن الحج المبرور من الأعمال التي تُثقل ميزان العبد، وتؤهله لدخول الجنة والنجاة من العذاب.

3. رضا الله تعالى

رضا الله هو أعلى مراتب الجزاء، ومن رضي الله عنه لا يسخط عليه أبدًا، والحج المبرور من الأعمال التي يستوجب بها العبد رضا ربه.

مقارنة بين أنواع الحجاج في نيل الثواب

يمكن تلخيص أنواع الحجاج ودرجاتهم في الجدول التالي:

خلاصة المعاني الشرعية في فضل الحج المبرور

يُستفاد من النصوص الواردة أن الحج المبرور هو من أجلّ الأعمال وأعظمها ثوابًا، إذ يجمع بين برّ النفس والطاعة، وبين أداء الفريضة واتباع السنة، ويُثمر صلاحًا في الحال والمآل. وقد حثّ النبي ﷺ على إتقانه وتحقيق شروطه، لما فيه من الخير العظيم. وهو من القربات التي إذا صَحَّت وخلصت، كانت سببًا في مغفرة الذنوب، ودخول الجنة، ورفع الدرجات، ونيل رضا الله.

المراجع

1. صحيح البخاري، كتاب الحج

2. صحيح مسلم، كتاب الحج