إصابة الحامل بجدري الماء وتأثيرها على الجنين: التشوهات الخلقية والمخاطر الصحية

جدري الماء، المعروف طبياً بـ«الحماق النطاقي» (Varicella Zoster Virus)، هو مرض فيروسي شائع يسبب طفحاً جلدياً حاكاً، وغالباً ما يصيب الأطفال، لكنه قد يحدث في أي عمر، بما في ذلك أثناء الحمل. إصابة المرأة الحامل بجدري الماء تمثل حالة طبية حرجة، إذ يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة للجنين، منها التشوهات الخلقية، ومضاعفات أخرى تهدد سلامة الأم والجنين معاً.

في هذا المقال نناقش بشكل موسع تأثير الإصابة بجدري الماء خلال فترة الحمل، الآليات التي تؤدي إلى حدوث التشوهات الخلقية، الأنواع المختلفة للمخاطر الصحية المصاحبة، الوقاية، والتدابير العلاجية التي تساهم في الحد من هذه المضاعفات.

جدري الماء: طبيعة المرض وطرق انتقاله

جدري الماء هو عدوى فيروسية تنتقل بسهولة عبر الرذاذ التنفسي أو الاتصال المباشر مع آفات الجلد المصابة. ينتج عن فيروس الحماق النطاقي الذي ينتمي إلى عائلة الفيروسات الهربسية. بمجرد إصابة الجسم، يبقى الفيروس كامناً في العقد العصبية ويمكن أن ينشط لاحقاً مسبباً ما يعرف بـ«القوباء المنطقية».

تتميز العدوى بظهور طفح جلدي مميز يتطور من بقع حمراء إلى بثور مملوءة بالسوائل، ثم تتقشر. في الأغلب، يكون المرض معتدلاً عند الأطفال، لكنه يمكن أن يكون خطيراً ومهدداً للحياة عند البالغين، وخاصة النساء الحوامل.

تأثير جدري الماء على الحمل

1. نسبة الإصابة والخطورة

إصابة الحامل بجدري الماء نادرة نسبياً في المجتمعات التي تتوفر فيها اللقاحات، لكنها تشكل خطراً كبيراً عند حدوثها، خصوصاً إذا كانت المرأة لم تصب بالمرض سابقاً ولم تتلق اللقاح.

تتراوح نسبة حدوث المضاعفات للجنين بين 1% و 2% من حالات الإصابة في الثلث الأول والثاني من الحمل. الخطر الأكبر يكون في الأسابيع 8-20 من الحمل، حيث تتطور الأعضاء الحيوية للجنين بشكل أساسي.

2. انتقال الفيروس إلى الجنين

ينتقل فيروس الحماق النطاقي عبر المشيمة من الأم إلى الجنين، مما يؤدي إلى إصابة الجنين بالفيروس في مرحلة تكونه. هذا الانتقال قد يتسبب في تعطيل نمو الأعضاء والتسبب بتشوهات خلقية أو إجهاض تلقائي.

التشوهات الخلقية المرتبطة بجدري الماء

تُعرف هذه الحالة باسم متلازمة الحماق الخلقي (Congenital Varicella Syndrome)، وهي مجموعة من التشوهات التي تصيب الجنين بعد الإصابة الفيروسية في الرحم.

أهم التشوهات التي قد تصيب الجنين:

• تقرحات جلدية وتليفات جلدية: تظهر على شكل ندوب عميقة تؤثر على الجلد، وقد تكون مصحوبة بفقدان الشعر أو تغيرات في لون الجلد.

• تشوهات في الأطراف: مثل تقزم الأطراف أو فقدان أصابع أو تشوهات في العظام.

• تشوهات في الجهاز العصبي المركزي: بما في ذلك صغر حجم الرأس (microcephaly)، تشوهات الدماغ، ضعف النمو العقلي، وربما حدوث تلف دماغي دائم.

• مشاكل في العين: تشمل التهابات العين، اضطرابات في الشبكية، أو حتى العمى.

• عيوب في الجهاز التنفسي: في بعض الحالات قد يعاني الجنين من مشاكل في الرئة تؤثر على نموه.

• تأخر نمو الجنين: تأخر في نمو الأعضاء المختلفة ووزن الولادة المنخفض.

مراحل الإصابة وتأثيرها على الجنين

مضاعفات أخرى تصيب الأم والجنين

على الأم:

• زيادة خطر الإصابة بالتهابات الرئة الحادة، والتي قد تكون مهددة للحياة.

• ارتفاع احتمال الإصابة بمضاعفات مناعية بسبب الضغط الفيروسي.

• مضاعفات أخرى قد تؤدي إلى الولادة المبكرة أو نزيف.

على الجنين:

• الإصابة بجدري الماء الوليدي إذا حدثت العدوى في الفترة القريبة من الولادة.

• الوفاة الجنينية في الحالات الشديدة.

• انخفاض المناعة بعد الولادة وزيادة تعرض الطفل للأمراض الفيروسية.

التشخيص والعلاج أثناء الحمل

التشخيص

يعتمد التشخيص على:

• الفحص السريري للحامل عند ظهور أعراض المرض.

• تحاليل الدم للكشف عن وجود أجسام مضادة لفيروس الحماق.

• فحوصات الموجات فوق الصوتية (السونار) لتقييم نمو الجنين واكتشاف التشوهات.

• في بعض الحالات، يمكن أخذ عينة من السائل الأمنيوسي لتحليل وجود الفيروس.

العلاج

• العلاج الوقائي: إعطاء الأم جرعة من مضاد الفيروسات (مثل الأسيكلوفير) في مراحل مبكرة من الإصابة لتقليل شدة المرض.

• المتابعة الطبية الدقيقة: مراقبة حالة الجنين بشكل دوري لفحص أي علامات لتشوهات أو اضطرابات.

• إعطاء الأم مضادات فيروسية أخرى عند الضرورة.

• في حالات العدوى القريبة من الولادة، قد يُعطى الطفل علاج مضاد للفيروسات فور الولادة.

الوقاية من إصابة الحامل بجدري الماء

الوقاية هي الأساس للحد من مخاطر جدري الماء على الحوامل، وتشمل الإجراءات التالية:

• التطعيم ضد جدري الماء: يُنصح بإعطاء لقاح الحماق للنساء قبل الحمل، خاصة اللاتي لم يصبن بالمرض سابقاً.

• تجنب التعرض للمصابين بالمرض: خاصة في الأماكن العامة والعيادات.

• الفحص المبكر للأجسام المضادة للفيروس: قبل الحمل أو في مراحله المبكرة.

• العزل الفوري للحامل المصابة: لتقليل انتشار الفيروس.

الخلاصة

إصابة الحامل بجدري الماء تحمل مخاطر صحية كبيرة قد تؤدي إلى تشوهات خلقية متعددة للجنين، بالإضافة إلى مضاعفات خطيرة للأم. تعتبر الوقاية من خلال التطعيم والتشخيص المبكر من أهم الوسائل للحد من هذه المخاطر. كما أن المتابعة الطبية الدقيقة والعلاج المناسب يلعبان دوراً حيوياً في حماية صحة الأم والجنين وتقليل احتمالية الإصابة بمضاعفات خطيرة.

فهم هذه المخاطر والتعامل معها بحذر طبي دقيق هو السبيل الأمثل لضمان حمل صحي وولادة سليمة، بعيداً عن مضاعفات الحماق النطاقي وتأثيراته السلبية على الأجيال القادمة.

المصادر والمراجع

1. Centers for Disease Control and Prevention (CDC) – Varicella and Pregnancy

2. Royal College of Obstetricians and Gynaecologists (RCOG) – Varicella in Pregnancy: Management Guidelines