جاسم الخرافي: رجل الأعمال الكويتي ومسيرته الاقتصادية والسياسية

يُعد جاسم محمد عبد المحسن الخرافي واحدًا من أبرز الأسماء في المشهد السياسي والاقتصادي الكويتي الحديث، وشخصية محورية في تاريخ البلاد خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. جمع بين الريادة في عالم الأعمال والحضور المؤثر في الساحة السياسية، ليصبح رمزًا للتوازن بين القطاعين العام والخاص في الكويت، وشاهدًا على مراحل مهمة من تطور الاقتصاد الكويتي وتفاعلات الحياة البرلمانية والدستورية.

ينتمي جاسم الخرافي إلى أسرة كويتية عريقة عُرفت بثرائها ومكانتها الاقتصادية منذ أوائل القرن العشرين. واستطاع عبر تجربته الطويلة أن يدمج بين التقاليد العائلية الراسخة في عالم المال والأعمال، وبين الانخراط في خدمة الدولة من خلال العمل البرلماني، فشكلت تجربته نموذجًا يُحتذى به في الدمج بين القيادة الاقتصادية والسياسية.

النشأة والخلفية العائلية

ولد جاسم الخرافي عام 1940 في الكويت لعائلة ذات ثقل اقتصادي كبير. والده، محمد عبد المحسن الخرافي، كان من كبار التجار الكويتيين الذين أسهموا في دعم الاقتصاد الوطني في مراحل ما قبل النفط وبعده. أسس والده “مجموعة الخرافي”، إحدى أكبر المجموعات الاقتصادية في الكويت والعالم العربي، والتي تنشط في قطاعات المقاولات، والهندسة، والصناعة، والتجارة، والسياحة، والاستثمار.

نشأ جاسم الخرافي في بيئة تجارية بحتة، واكتسب منذ صغره خبرة ميدانية في شؤون الاقتصاد، وهو ما أسس لاحقًا لنظرته الشمولية في إدارة الأعمال وفهمه العميق لبنية الاقتصاد الكويتي وتحولاته.

التعليم والتكوين المهني

أكمل جاسم الخرافي دراسته الثانوية في الكويت، ثم انتقل إلى القاهرة في مصر للدراسة الجامعية. حصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال، ما أتاح له الإلمام بمفاهيم الإدارة الحديثة في وقت كان فيه العالم العربي يشهد تحولات اقتصادية كبرى.

ساهم هذا التعليم في صقل شخصيته القيادية وإعداده للعب دور محوري في تطوير أعمال العائلة وتوسيع استثماراتها داخل الكويت وخارجها. كما مكّنه من فهم التحديات التي تواجه الاقتصادات النامية وتكييف سياسات شركاته معها بما يعزز الاستدامة والنمو.

مجموعة الخرافي: نموذج اقتصادي إقليمي

تُعد مجموعة الخرافي من أبرز العلامات الاقتصادية في الشرق الأوسط، وقد تأسست في بدايات القرن العشرين على يد محمد عبد المحسن الخرافي، ثم توسعت بشكل ملحوظ خلال النصف الثاني من القرن العشرين تحت إدارة جاسم الخرافي وأشقائه.

شملت أنشطة المجموعة قطاعات حيوية واستراتيجية أبرزها:

• الإنشاءات والبنية التحتية: نفذت مشاريع ضخمة في الكويت والدول العربية، مثل المطارات، والموانئ، ومرافق الطاقة، والمباني الحكومية، ما جعلها لاعبًا أساسيًا في النهضة العمرانية في الخليج.

• الصناعة: دخلت المجموعة مجالات التصنيع الغذائي والمعدني والميكانيكي، من خلال شركات تابعة في مصر والسودان والسعودية.

• السياحة والفنادق: استثمرت في إنشاء وإدارة الفنادق والمنتجعات السياحية في وجهات متنوعة كشرم الشيخ، والبحر الميت، والدوحة.

• الزراعة والاستثمار الغذائي: نفذت مشروعات استصلاح زراعي كبرى، لاسيما في السودان ومصر، ضمن رؤية مستقبلية للأمن الغذائي العربي.

• الاستثمار المالي: تمتلك المجموعة استثمارات في بورصات عربية وأجنبية، إلى جانب شركات استثمار مالي.

أدار جاسم الخرافي المجموعة بأسلوب إداري حديث، ركّز فيه على التخطيط الاستراتيجي وتنويع المحفظة الاستثمارية، ما أسهم في تقوية مكانة المجموعة إقليميًا وعالميًا.

المسيرة السياسية: من التكنوقراط إلى رئاسة مجلس الأمة

رغم انشغاله بالأعمال التجارية، لم يغفل جاسم الخرافي عن واجبه تجاه الوطن، حيث دخل المجال السياسي في وقت مبكر، وشغل مناصب بارزة في الدولة، وكانت أبرز محطاته:

وزير المالية والاقتصاد (1985)

في عام 1985، عُين جاسم الخرافي وزيرًا للمالية والاقتصاد في الكويت، في فترة حرجة كانت البلاد تمر فيها بتحديات اقتصادية كبرى نتيجة تذبذب أسعار النفط، واحتدام التوترات الإقليمية. وقد تمكّن خلال تلك الفترة من تقديم مجموعة من السياسات المالية والإصلاحات التي عززت استقرار الاقتصاد الكويتي ومتانة مؤسساته المالية.

عضو مجلس الأمة

انتُخب عضوًا في مجلس الأمة الكويتي في عدة دورات، وامتاز بحضور برلماني هادئ لكنه فاعل، قائم على الحوار والتفاهم لا التصادم، وهو ما أكسبه احترامًا من جميع الأطياف السياسية.

رئاسة مجلس الأمة (1999–2011)

تُعد رئاسة جاسم الخرافي لمجلس الأمة من أبرز فصول حياته السياسية، حيث شغل المنصب لمدة اثني عشر عامًا متواصلة، وهو رقم قياسي في تاريخ المجلس. خلال هذه الفترة، واجه تحديات كبيرة، مثل التوترات السياسية المتكررة، وأزمات حلّ المجلس، والشدّ والجذب بين الحكومة والبرلمان.

تميّزت رئاسته بالحنكة والاتزان، إذ حرص على تطبيق اللوائح وتفعيل الدور الرقابي والتشريعي دون أن يتحوّل المجلس إلى ساحة صراع. كما كان صوتًا عقلانيًا في وجه التطرف السياسي، وسعى إلى تقريب وجهات النظر بين السلطتين.

مواقفه السياسية وتوجهاته

لم يكن جاسم الخرافي من السياسيين الذين يلهثون خلف الشعبوية أو يستسلمون للاستقطاب. بل عرف عنه الاعتدال والبحث عن التوافق. ومن أبرز مواقفه:

• دعم التنمية المستدامة: دافع دومًا عن ضرورة تطوير البنية التحتية، وتحفيز القطاع الخاص، وتنويع مصادر الدخل القومي.

• الإصلاح السياسي التدريجي: كان يرى أن الإصلاح يجب أن يتم وفق رؤية واقعية تحفظ استقرار الدولة ومؤسساتها.

• الاعتدال في الطرح: لم ينجر وراء الخطابات النارية أو المواجهات الحادة، بل كان يسعى للتهدئة والحلول الوسطى.

الدور الاجتماعي والعمل الخيري

إلى جانب دوره في الاقتصاد والسياسة، شارك جاسم الخرافي بفاعلية في عدد من المبادرات الاجتماعية والخيرية، انطلاقًا من قناعة شخصية بضرورة رد الجميل للوطن والمجتمع. وقد شمل نشاطه:

• دعم التعليم: ساهم في تمويل عدد من المدارس والمراكز التعليمية، وتقديم منح دراسية للطلاب.

• الرعاية الصحية: دعم إنشاء المستشفيات والمراكز الطبية، لا سيما تلك التي تخدم المناطق الريفية.

• الأنشطة الشبابية والرياضية: دعم الأندية الرياضية والبرامج التي تستهدف تأهيل الشباب لسوق العمل.

جاسم الخرافي على الساحة الخليجية والعربية

تجاوز تأثير جاسم الخرافي حدود الكويت، حيث كان شخصية مرموقة في الخليج العربي والعالم العربي بأسره. وعرف عنه دوره في الوساطات السياسية غير الرسمية بين بعض الدول، وسعيه إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الخليجي. كما شارك في عدد من المؤتمرات الاقتصادية والسياسية، ممثلًا لرؤية القطاع الخاص في النهوض بالأوطان.

وفاته وإرثه

توفي جاسم الخرافي في مايو 2015، عن عمر ناهز 75 عامًا، بعد مسيرة حافلة بالعطاء في ميادين الاقتصاد والسياسة والمجتمع. شكل رحيله خسارة كبيرة للكويت والمنطقة، لكن إرثه لا يزال حيًا في المؤسسات التي ساهم في تطويرها، وفي الرؤى التي طرحها في الميدانين الاقتصادي والسياسي.

تولى بعد وفاته شقيقه ناصر الخرافي، ومن بعده أبناء العائلة، استكمال إدارة المجموعة الاقتصادية، التي واصلت توسعها مستندة إلى الإرث المؤسسي والنهج الإداري المتين الذي أسّسه جاسم الخرافي.

جدول: أبرز محطات حياة جاسم الخرافي

الخلاصة

شكلت حياة جاسم الخرافي نموذجًا للدمج بين البراعة الاقتصادية والحكمة السياسية. لم يكن رجل أعمال فقط، ولا مجرد سياسي، بل شخصية وطنية مؤثرة ساهمت في بناء ملامح الدولة الحديثة في الكويت. حافظ على إرث العائلة التجاري، وأضاف إليه رؤية قيادية مستقبلية، كما وضع بصمته في الساحة السياسية بأسلوب متزن ومعتدل.

ترك وراءه إرثًا غنيًا من المؤسسات والأفكار والمواقف، ويظل اسمه حاضرًا في الذاكرة الكويتية والخليجية كنموذج للرجل الذي خدم بلاده بذكاء واقتصاد، وشارك في صناعة تاريخها من موقع القوة الاقتصادية والحكمة السياسية.

المصادر:

1. الموسوعة الكويتية الرسمية – الهيئة العامة للمعلومات المدنية

2. أرشيف مجلس الأمة الكويتي – الجلسات والمداولات الرسمية (1999–2011)