ثواب الأضحية وأجرها

ثواب الأضحية في الإسلام

تُعد الأضحية من الشعائر العظيمة التي شرعها الإسلام، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بعيد الأضحى المبارك، الذي يُمثل محطة سنوية لتعظيم الله، والتقرب إليه بالطاعات والنسك، وإحياءً لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام في الامتثال لأمر الله جل جلاله. ومن المعلوم أن كل شعيرة يتقرب بها العبد إلى ربه تحمل في طياتها ثواباً عظيماً، وثمرةً إيمانية وروحية تمتد آثارها في الدنيا والآخرة، والأضحية واحدة من هذه الشعائر التي وردت في فضلها نصوص صريحة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وبينت عظيم أجرها وثوابها.

تعريف الأضحية وحكمها

الأضحية شرعاً هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام (الإبل، والبقر، والغنم) في أيام النحر تقرباً إلى الله تعالى. وهي سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، وواجبة عند الحنفية على القادر، بدليل قوله تعالى:

﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]، وقوله ﷺ:

“من وجد سعة فلم يُضح فلا يقربن مصلانا” [رواه أحمد وابن ماجه].

وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الأضحية طيلة حياته، وكان يضحي بكبشين أملحين كل عام، أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عمن لم يُضح من أمته.

الأضحية شعيرة تقرب

الأضحية ليست مجرد عمل موسمي يُؤدى شكلياً، بل هي شعيرة عظيمة تعبّر عن الطاعة والانقياد لله، والتجرد من الأنانية، وتعزيز روح البذل والتضحية. قال تعالى:

﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 37].

فالغاية من الأضحية ليست في اللحم أو سفك الدم، وإنما في النية والتقوى، وما يترتب على هذا القربان من تعظيم لله وتعبد صادق، وهذا ما يجعل لها مكانة متميزة وثواباً عظيماً.

فضل وثواب الأضحية في السنة النبوية

جاء في السنة النبوية أحاديث عديدة تبين الأجر العظيم للأضحية، منها:

1. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال:
   
   “ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً” [رواه الترمذي وابن ماجه].

2. وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال:
   
   “قلنا يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم. قلنا: فما لنا فيها؟ قال: بكل شعرة حسنة. قلنا: فالصوف؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة” [رواه ابن ماجه وأحمد].

هاتان الروايتان تدلان على أن الأضحية عمل عظيم من حيث الأجر والثواب، وأن جزاءها يشمل حتى أجزاءها الدقيقة كالشعرة والظفر، مما يُظهر مدى فضل هذه الشعيرة.

الثواب يشمل صاحب الأضحية وأهل بيته

من فضائل الأضحية أن ثوابها لا يقتصر على الشخص الذي يُضحي فقط، بل يشمل أهل بيته جميعاً. وقد ثبت أن النبي ﷺ ضحى بكبش عن نفسه وآله، فقال:

“اللهم هذا عن محمد وآل محمد”.

بل إن بعض الصحابة كانوا يضحون عن أنفسهم وأهل بيتهم، ويعدّون ذلك كافياً في نيل الأجر للجميع. وهذا ما يدل على أن الأضحية باب من أبواب الخير المتعدي، يُصيب نفعه المضحّي ومن يعولهم.

ثواب الأضحية يمتد إلى يوم القيامة

من أعظم دلائل فضل الأضحية أن أجرها ممتد إلى الآخرة، ويظهر ذلك في حديث النبي ﷺ:

“وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض”، أي أن الله تعالى يتقبله سريعاً من عبده ويجازيه عليه، مما يدل على عظمة القرب والزلفى الذي يناله العبد من خلال هذه الشعيرة.

وهذا المعنى يزرع في قلب المؤمن الطمأنينة والرضا، ويدفعه لبذل المال طيبة نفس، لأنه يعلم أن الله جل وعلا يقبل العمل ويتولاه، ويثيبه عليه في الدنيا والآخرة.

الحكمة من تعدد أجزاء الثواب

إن تفصيل الثواب في الحديث ليشمل كل شعرة وكل ظفر هو من باب التحفيز، ويعكس عظمة الشعيرة ورفعة قدرها. وهذا النوع من الأجر يشير إلى أن الثواب لا يقف عند حدود الإحسان إلى الفقراء، بل يمتد إلى كونها عبادة مقبولة ترفع الدرجات وتحط السيئات، وتُضاعف بها الحسنات، ويُؤجر المسلم على نيته، وسعيه، وطاعته، وتوكله على الله، وإيثاره غيره بلحم الأضحية، وسروره بإدخال الفرحة على الفقراء والمساكين.

أثر الأضحية في تطهير النفس

إن مما لا شك فيه أن الطاعات والعبادات تعود على النفس البشرية بالتزكية والتنقية من شوائب الشح والأنانية، وفي الأضحية معنى قوي من معاني التزكية، حيث يُخرج الإنسان من ماله ما قد يحبه، ويقدمه لله تقرباً، ويرى بعينيه دم الأضحية يُراق طاعة لله، فيتطهر قلبه من القسوة، وتلين جوارحه لعبادة ربها.

ومن هذا الوجه، فالأضحية تعالج مرض التعلق بالدنيا، وتكسر شوكة النفس الأمّارة، وتفتح باباً واسعاً للتقرب إلى الله بإخلاص وصدق.

مقارنة بين ثواب الأضحية وأعمال البر الأخرى

لقد قورنت الأضحية في بعض الروايات بأعمال عظيمة مثل الصدقة، ولكن ما يميزها هو أن لها وقتاً محدداً، ومناسبة شرعية معينة، مما يجعل ثوابها مضاعفاً في ميزان الله عز وجل.

ولو تصدق المرء بثمن الأضحية، لم يكن ذلك معادلاً لثواب الأضحية نفسها عند كثير من العلماء، لأن المقصود في الأضحية ليس القيمة المادية، بل شعيرة الذبح، والتقرب بها لله.

الأضحية فرصة لتجديد العهد مع الله

الأضحية تُعد محطة سنوية للتذكير بمفهوم الفداء والتضحية، والولاء لله وحده، وتجديد النية بالتوكل على الله وطاعته، وهي ترجمة عملية لمعنى العبودية، حيث يُقدّم العبد ماله وقلبه ونفسه لله تعالى.

فكل من يُضحي، فإنما يُعلن بهذا العمل أنه يذبح هواه، ويقدّم حبه لله فوق حبه للمال والنفس، وأنه مستعد للبذل والعطاء في سبيل طاعة الله ورضاه.

الأضحية والبركة في المال والعمر

كثير من العلماء والعارفين بالله تحدثوا عن أثر الأضحية في جلب البركة، فالأضحية وإن كانت في ظاهرها بذلاً للمال، إلا أن الله يعوّض صاحبها أضعافاً مضاعفة، ويبارك له في رزقه وأهله وماله وعمره، وهذا من البركات غير المحسوسة التي لا تُقاس بالأرقام، بل تُرى آثارها في الواقع المعيشي والنفسي لصاحب الأضحية.

الأضحية والشفاعة يوم القيامة

جاء في بعض آثار السلف أن الأضاحي تُعد من الأعمال التي يشفع بها العبد لنفسه يوم القيامة، فهي من القربات العظيمة التي يُرجى أن تكون في ميزان الحسنات الثقيلة. وقد أشار بعض العلماء إلى أن ما يُقدّمه العبد في الدنيا من الطاعات والقرابين يكون شاهداً له عند الله، ومن بينها الأضاحي التي تأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها شاهدة على تقوى صاحبها.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين الأضحية والصدقة بثمنها:

الخاتمة

الأضحية ليست مجرد عادة اجتماعية أو طقس موسمي، بل هي عبادة عظيمة وشعيرة جليلة، لها أجر عظيم وثواب جزيل في الدنيا والآخرة. هي باب من أبواب الطاعة والقرب، ووسيلة لتزكية النفس، وإظهار الانقياد لأوامر الله. من ضحّى تقرباً لله، مُخلصاً نيته، طابت نفسه، ونال من ربه رضاً لا يُعدله شيء، وحاز من الثواب ما تتعجب له القلوب، وتطمئن به الأرواح.

المراجع:

1. صحيح الترمذي، كتاب الأضاحي.

2. تفسير ابن كثير، تفسير سورة الكوثر والحج.