تياترو الأزبكية، المسرح الأيقوني الذي رسم ملامح الحداثة الثقافية في قلب وسط البلد المصري، يعد واحدًا من أبرز المنشآت التي أبهرت العالم بإبداعها وتأثيرها على الحياة الثقافية والفنية في مصر خلال العهد الخديوي السابق. يندرج تاريخه الطويل والمليء بالأحداث والعروض المسرحية ضمن سياق “منسيّات وسط البلد”، حيث تجلب هذه السلسلة الجديدة إلى الذاكرة المفقودة معالم هامة شكلت جزءًا لا يتجزأ من تراث القاهرة القديمة.
تأسس تياترو الأزبكية على يد الخديوي إسماعيل باشا في 22 نوفمبر 1867م، وبفضل جهوده الرائدة في تحقيق حلمه الثقافي، فإنه افتتح أبوابه في 4 يناير 1868م ليصبح واحدًا من ثلاثة مسارح كبرى أوصى بإنشاءها. كانت هذه المسرحيات جزءًا من رؤية باشا لجعل مصر “قطعة من أوروبا”، حيث تضمنت إلى جانب تياترو الأزبكية، دار الأوبرا الخديوية والمسرح الفرنسي الكوميدي.
على مر العقود، شهد تياترو الأزبكية تحولات عديدة، حيث تم هدمه خلال ثورة 1919، ثم أُعيد بناؤه وافتتح من جديد في يناير 1927م. استمر بتحمل اسمه الأصلي حتى أصبح المسرح القومي في عام 1958م، وتجدر الإشارة إلى أنه حافظ على هيكله الحالي منذ عام 1983م.
على مسرح تياترو الأزبكية، تراقصت العروض المسرحية وأضاءت شموع الإبداع في أداءات فرق مسرحية من مختلف أنحاء العالم. فمنذ عام 1891م حتى عام 1905م، أبهرت فرقة “اسكندر فرح” ببطولة الشيخ “سلامة حجازي”، فيما قدمت جوقة الشيخ “أبو خليل القباني” رواية “مجنون ليلى” في موسمها الأول على هذا الخشبة العظيمة.
تنوعت العروض على مدى العقود، حيث شهد المسرح الأزبكي عروضًا مميزة مثل “هند بنت النعمان” في يوليو 1878م، ومسرحية “عجائب البخت” في مايو 1887م. ولم يكتف المسرح بتقديم الأعمال المسرحية فقط، بل أصبح منبرًا للفنون الموسيقية، حيث أحيا موسيقار الأجيال “محمد عبد الوهاب” وسيّدة الغناء العربيّ “أم كلثوم” حفلات لا تُنسى.
باختصار، يظل تياترو الأزبكية شاهدًا على تطور المشهد الثقافي والفني في مصر، فهو ليس مجرد مسرح بل هو تاريخ حي يروي قصة الفن والإبداع في قلب القاهرة.
المزيد من المعلومات
تياترو الأزبكية، بوابة الفن والثقافة في وسط البلد، لم يكتفِ بدوره كمسرح فقط، بل كان أيضاً ملتقى للفنون المختلفة والثقافات المتنوعة. كانت فترة الخديوي إسماعيل باشا هي الفترة الذهبية لتياترو الأزبكية، حيث كان يجمع بين الفخامة الأوروبية والطابع المصري الأصيل. تجسد هذه الفترة في العمارة الفريدة للمسرح وفي العروض المسرحية الرائعة التي تقدمت على خشبته.
على مر العقود، ازدهرت الفعاليات الثقافية في تياترو الأزبكية، حيث جذبت العديد من الشخصيات الفنية والثقافية المشهورة. استضاف المسرح عروضاً لفرق مسرحية عالمية، وكان يشهد حضورًا جماهيريًا كبيرًا. كما كان ملتقى للأدباء والمثقفين الذين اجتمعوا للاستمتاع بلحظات الجمال الفني والثقافي.
مع مرور الزمن، تأثر تياترو الأزبكية بالتغيرات الاجتماعية والسياسية. خلال ثورة 1919، شهد المسرح هدماً، لكنه تم إعادة بناؤه ليستمر في تقديم إسهاماته الثقافية. في العقود اللاحقة، شهد تياترو الأزبكية تجديدات وتحديثات، وأصبح مسرحًا قوميًا في عام 1958، مما أكسبه أهمية إضافية كمركز ثقافي رئيسي.
على الرغم من التحديات التي واجهها تياترو الأزبكية، إلا أنه استمر في تقديم العروض المسرحية المتنوعة، وأصبح مكانًا للتعبير الفني وتبادل الأفكار الثقافية. أثر المسرح تجاوز حدوده الجغرافية، وأصبح يحمل تاريخًا حافلاً من الفن والإبداع، يستحق الاحتفاء والتذكير به في ضوء تطور المشهد الثقافي في مصر.