كيف تولى عثمان بن عفّان الخلافة؟
إنَّ فترة تولي عثمان بن عفّان للخلافة تعتبر واحدة من الفترات البارزة في تاريخ الدولة الإسلامية، وذلك لعدة أسباب تتعلق بشخصية الخليفة وأحداث العهد الذي عاش فيه. عثمان بن عفّان، ثالث الخلفاء الراشدين، تولى الخلافة في وقتٍ دقيق وحاسم من تاريخ الأمة الإسلامية، حيث كانت التحديات السياسية والاقتصادية في ذروتها. لعلَّ تاريخ خلافته يجسد التحولات الكبيرة في بنية الدولة، مثل التوسع الكبير في أراضيها، وإنشاء الأسطول البحري، وكذلك الاختلافات الداخلية التي بدأت تلوح في الأفق بين المسلمين حول إدارة شؤون الدولة. في هذا المقال، سنعرض الطريقة التي تولى بها عثمان الخلافة، والظروف التي أدت إلى اختياره، إضافة إلى أبرز الأحداث التي جرت في فترة حكمه.
الخلفية التاريخية لانتخاب عثمان بن عفّان
منذ بداية عصر الخلافة بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كانت الدولة الإسلامية تشهد تحولات متسارعة. تولى أبو بكر الصديق الخلافة في بداية الأمر، ثم جاء عمر بن الخطاب، الذي كان له دور حاسم في بناء الدولة الإسلامية وتوسعها بشكلٍ غير مسبوق. بعد وفاة عمر، بدأت الأمة الإسلامية تواجه تحديات جديدة، فكان اختيار الخليفة الجديد مهمة صعبة ومعقدة.
كان عمر بن الخطاب، في آخر أيامه، قد ترك أمر الخلافة لمجموعة من ستة أفراد من كبار الصحابة، هم: علي بن أبي طالب، عثمان بن عفّان، عبد الرحمن بن عوف، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد. وكان عمر قد أوصى بأن يقوم هؤلاء الستة باختيار الخليفة الذي سيخلفه، واعتبر أن الاختيار يجب أن يتم بناءً على مشاورةٍ شاملة، بعيدًا عن الفتنة والتوترات السياسية.
المرحلة التي تلت وفاة عمر بن الخطاب
بعد وفاة عمر بن الخطاب في السنة 23 هـ، بدأ الخلاف يظهر بشكلٍ جليّ حول من يجب أن يتولى الخلافة بعده. كان عبد الرحمن بن عوف هو الذي تولى دور الوسيط في هذه المرحلة الحساسة. اجتمع هؤلاء الستة في دار عثمان بن عفّان، حيث بدأوا مشاوراتهم. وكانت هناك بعض المواقف المتباينة بين الصحابة فيما يخص من يجب أن يكون الخليفة، إلا أن عبد الرحمن بن عوف قرر إبعاد الخيارين اللذين كانا يعتبران الأكثر تناقضًا، وهما علي بن أبي طالب وعثمان بن عفّان.
قرر عبد الرحمن بن عوف أن يعرض على الصحابة أمر الاختيار بين علي وعثمان، وبعد مشاورات طويلة، نجح عبد الرحمن في أن يقنع الصحابة بأن عثمان هو الخيار الأنسب في تلك المرحلة. ولاقى هذا الخيار قبولًا واسعًا من الصحابة، لا سيما في ظل التوجهات الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
انتخاب عثمان بن عفّان خليفة للمسلمين
في سنة 24 هـ، تم انتخاب عثمان بن عفّان خليفة بعد وفاة عمر بن الخطاب. كان عثمان بن عفّان من كبار الصحابة وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ويمتلك مكانة رفيعة في قلوب المسلمين. كان معروفًا بكرمه وفضله، كما كان له دور بارز في مجال التجارة قبل أن يعتنق الإسلام، وهو ما جعله من أغنياء مكة. بالإضافة إلى ذلك، كان عثمان من أصول قريشية نبيلة، ويعدّ من أهل الشرف والمقام الرفيع.
عند انتخابه، استقبله الناس بمشاعر مختلطة من الأمل في الاستقرار، والقلق بشأن التحديات القادمة. كان الوضع السياسي في تلك الفترة يتطلب من الخليفة الجديد أن يكون قويًا بما فيه الكفاية لمواجهة الفتن والاضطرابات المحتملة، فضلًا عن التوسع الهائل الذي كانت تشهده الدولة الإسلامية. ومع ذلك، فإن عثمان بن عفّان كان يمتاز بحنكته وحكمته التي اكتسبها من تجربته الطويلة في الشؤون السياسية والاجتماعية.
أبرز أحداث فترة خلافة عثمان بن عفّان
1. التوسع الكبير للدولة الإسلامية
في عهد عثمان بن عفّان، شهدت الدولة الإسلامية توسعًا غير مسبوق. فقد تم فتح العديد من البلدان، وكانت جيوش المسلمين في ظل القيادة العثمانية تتمكن من اجتياز حدود الإمبراطوريات السابقة، مثل الفرس والروم. في عام 27 هـ، استطاع المسلمون بقيادة جيش عثمان أن يفتحوا مدينة أفريقية الكبرى، وفي عام 30 هـ، كانت حملات الفتح قد وصلت إلى أطراف الدولة البيزنطية في بلاد الشام.
2. الأسطول البحري
أحد الإنجازات التي تحسب لعثمان بن عفّان هو بناء الأسطول البحري الإسلامي. وقد بدأ في بناء الأسطول الذي استطاع أن يحقق انتصارات كبيرة في البحر الأبيض المتوسط، مما ساعد في تأمين سواحل الدولة الإسلامية. أسهم هذا الأسطول في فتح جزيرة قبرص، ومن ثم غزو أجزاء كبيرة من السواحل الرومانية والبيزنطية.
3. جمع القرآن الكريم
من أهم الأحداث التي جرت في عهد عثمان بن عفّان هو جمع القرآن الكريم في مصحف واحد. كانت نسخ القرآن متفرقة في عدة أماكن في العالم الإسلامي، وكان هناك اختلاف بسيط في القراءة بين بعض المناطق. لذلك، أمر عثمان بجمع القرآن في مصحف واحد ونسخه، ووزع هذه النسخ على الأمصار الإسلامية الكبرى مثل مكة والمدينة والكوفة والبصرة والشام.
4. الاختلافات الداخلية وظهور المعارضة
رغم الإنجازات التي حققها عثمان، فإن فترة حكمه لم تخلُ من الصراعات الداخلية. فقد بدأ يتزايد الاستياء من طريقة إدارته، وتوجهاته السياسية التي استهدفت تقوية السلطة المركزية في الدولة الإسلامية. كما أن هناك فئات من الصحابة الذين لم يتفقوا مع بعض قراراته، وخاصة تعيينه لأقربائه في المناصب العليا، وهو ما اعتبره البعض نوعًا من المحاباة والفساد الإداري. هذه المعارضات بدأت تظهر بشكل متزايد في السنوات الأخيرة من خلافته، وكانت لها دور كبير في إثارة الفتن التي انتهت بمقتل عثمان.
5. مقتل عثمان بن عفّان
في سنة 35 هـ، تصاعدت الأحداث بشكل دراماتيكي في المدينة المنورة. بدأت المظاهرات المعارضة لعثمان بالتصاعد، واحتشد الناس أمام قصره مطالبين بإقالته. وكان هؤلاء المعارضون يطالبون بتغيير بعض السياسات الإدارية، لا سيما تعيينات أقاربه. تصاعدت الأزمة بشكل كبير حتى انتهت بمقتل عثمان بن عفّان على يد مجموعة من الثوار الذين اقتحموا قصره وقتلوه في يوم 18 من شهر ذي الحجة.
الخاتمة
تولى عثمان بن عفّان الخلافة في ظروف صعبة للغاية، واستطاع أن يحقق العديد من الإنجازات المهمة التي ساهمت في تطور الدولة الإسلامية. ومع ذلك، فإن حكمه لم يكن خاليًا من الانتقادات والصراعات الداخلية التي أدت في النهاية إلى اغتياله. قد يكون دور عثمان في تاريخ الإسلام محوريًا، لكن المراجعة النقدية لفترة حكمه تظل قضية تثير الكثير من الجدل بين المؤرخين والباحثين.
