تعد الإنترنت واحدة من أهم التطورات التكنولوجية في العصر الحديث، حيث انتقلت من كونها مشروعاً تحت رعاية وزارة الدفاع الأمريكية إلى كيان يتسم باللامركزية وغياب الهيكلية التقليدية. يعتبر الكتاب “تنسيق الإنترنت” الذي حرره كل من براين كاهين وجيمس كيلر مرجعاً أساسياً لفهم هذه التحولات والطبيعة التنظيمية للإنترنت.
تاريخياً، كانت الإنترنت مدعومة من قبل المؤسسات الحكومية مثل مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية، التي لعبت دوراً كبيراً في تطويرها ودعمها. ومع ذلك، فإن البنية التحتية للإنترنت قد نمت وتوسعت بشكل ملحوظ مما جعل من الصعب الاعتماد على الإشراف الحكومي وحده. يُناقش الكتاب التحديات المختلفة التي تواجه الإنترنت مع توسعها وزيادة وظائفها وعرض النطاق الترددي الخاص بها، مشيراً إلى أن هذه النمو السريع يتطلب تنسيقاً أكبر ولكنه ليس واضحاً بعد ما هي الآليات التي ستتطور لهذا الغرض.
من أبرز المواضيع التي يتناولها الكتاب هي مسألة الأسماء النطاقية، والتي تُعتبر من أكثر القضايا تعقيداً وتأثيراً على مصالح الشركات التجارية حول العالم. يتم تسليط الضوء على الجوانب التقنية والسياسية التي لا يمكن فصلها عند مناقشة الإنترنت، حيث أن القرارات التقنية غالباً ما تكون لها تبعات سياسية والعكس صحيح.
يساهم في هذا الكتاب مجموعة من الخبراء والمتخصصين في مجالات متعددة، مما يضيف تنوعاً وغنى في الرؤى والتحليلات المقدمة. من بين هؤلاء المساهمين نجد أسماء بارزة مثل جاي ألميس، ستيفن إم بيلوفين، سكوت برادينر، ريتشارد كولي، ميتشيل كابور، وغيرهم. يساهم هؤلاء الخبراء بمقالات تسلط الضوء على مختلف القضايا مثل تسوية النزاعات، جمع الإحصاءات، إدارة الأسماء النطاقية، والتنسيق بين الجهات المختلفة.
يعتبر هذا الكتاب نتاج مشروع “مشروع هارفارد للبنية التحتية للمعلومات”، ويصدر عن دار النشر المرموقة “دار النشر لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” (MIT Press). صدر الكتاب في شهر يوليو من عام 1997، ويصنف تحت فئة الكتب العامة المتعلقة بالحواسيب والشبكات.
يقدم الكتاب مقترحات ونماذج محتملة لحوكمة الإنترنت في المستقبل. من بين النماذج المقترحة نجد إنشاء هيئات تنظيمية جديدة، تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص، واستخدام تقنيات جديدة لتحسين الإدارة والتنسيق. يعرض الكتاب أيضاً تجارب واقعية ونماذج من دول ومؤسسات مختلفة، مما يساهم في تقديم رؤية شاملة وعملية حول كيفية التعامل مع التحديات الراهنة والمستقبلية للإنترنت.
من الجوانب الأخرى التي يناقشها الكتاب هو التحدي المتعلق بجمع الإحصاءات وتحليل البيانات المتعلقة باستخدام الإنترنت. تعد هذه العملية ضرورية لفهم الاتجاهات والتطورات في استخدام الإنترنت، مما يمكن من اتخاذ قرارات مدروسة ومبنية على بيانات دقيقة. يوضح الكتاب كيف يمكن للتقنيات الحديثة أن تساهم في تحسين هذه العملية وجعلها أكثر دقة وكفاءة.
يبرز الكتاب أيضاً دور التعاون الدولي في إدارة الإنترنت. مع توسع استخدام الإنترنت على مستوى العالم، يصبح من الضروري تعزيز التعاون بين الدول لضمان إدارة فعالة ومنصفة. يتناول الكتاب أمثلة على التعاون الدولي وكيفية تطوير آليات جديدة لتعزيز هذا التعاون في المستقبل.
في الختام، يعد كتاب “تنسيق الإنترنت” مرجعاً مهماً لأي شخص مهتم بفهم التحديات والفرص المرتبطة بإدارة الإنترنت. من خلال مساهمات خبراء في مختلف المجالات، يقدم الكتاب رؤية شاملة ومعمقة حول كيفية التعامل مع القضايا التقنية والسياسية المتعلقة بالإنترنت، مما يساهم في تعزيز الفهم والتعاون بين مختلف الأطراف المعنية.