تنزيه الله: ليس كمثله شيء

تفسير آية “ليس كمثله شيء”

تعتبر آية “ليس كمثله شيء” من أبلغ وأعظم آيات القرآن الكريم، فهي تلخص صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، وتكشف جانبًا من عظمة الذات الإلهية التي لا يشبهها شيء ولا يماثلها كائن. تقع هذه العبارة في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، وأبرزها في سورة الشورى: “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير” (الشورى: 11). تحمل هذه الآية مدلولات عميقة تتناول عقيدة التوحيد من خلال إثبات التنزيه لله سبحانه وتعالى، ورفض التشبيه والتجسيم.

السياق اللغوي والبلاغي للآية

كلمة “ليس” في اللغة العربية تفيد النفي المطلق، وتعبر عن انعدام الشيء وعدم وجود مثيل له. أما كلمة “كمثله” فهي مركبة من “كـ” التي تفيد التشبيه، و”مثله” أي ما يماثله أو يشابهه. وعليه، فإن “ليس كمثله شيء” تعني: لا يوجد أي شيء يشبهه أو يماثله.

هذه العبارة تشتمل على نفى التشبيه والتناظر، وهو أمر جوهري في العقيدة الإسلامية، حيث ينفي الإسلام أن يكون الله سبحانه مثل أي من مخلوقاته، فكل الموجودات والمخلوقات لها صفات محدودة، وأما الله فذاته وصفاته متفردة ومتفردة لا تقاس ولا تحيط بها العقول البشرية.

المعنى العقيدي واللاهوتي للآية

إن الآية تركز على مبدأ التوحيد في الذات والصفات. فالله سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد الذي لا شريك له في ذاته ولا في أسمائه وصفاته. مفهوم التوحيد هو جوهر العقيدة الإسلامية وأساس الإيمان، ويقضي بنفي الشريك عن الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

في هذه الآية، يتم التأكيد على أن الله غير مشبه بالمخلوقات، لا يشبهه شيء من حيث الذات أو الصفات. فالله تعالى ليس كمثله شيء في قدرته، في علمه، في رحمته، وفي كل صفاته التي جعلها لنفسه. وهذا النفى يشمل كل أنواع التشبيه والتجسيم، وهو رد على أي محاولة لتشبيه الله بالمخلوق أو تمثيله بصورة مادية.

دلالات آية “ليس كمثله شيء” في العقيدة الإسلامية

1. تنزيه الله عن التشبيه:
   
   هذه الآية من أهم الأدلة التي يستند إليها العلماء في تنزيه الله عن كل صفات المخلوقين، سواء كانت مادية أو معنوية. فالله لا يُشبه بشيء من مخلوقاته، وهذا يبعد عنه كل ما يشوب عظمته من نقص أو تماثل مع الخلق.

2. رفض التجسيم:
   
   تؤكد الآية أن الله لا يمكن إدراكه بالحواس ولا يمكن تصويره بأي شكل من الأشكال، لأنه لا يماثل شيء من الموجودات التي نحن معتادون عليها أو نفهمها.

3. الإيمان بالصفات الإلهية بلا تمثيل:
   
   يؤمن المسلمون بأن لله صفات ثابتة كالسمع والبصر والعلم والقدرة، لكنها صفات لله تختلف في ذاتها عن صفات المخلوقات. فالسمع الإلهي ليس كمثل السمع البشري، والبصر الإلهي ليس كمثل البصر العادي.

أهمية فهم هذه الآية في الحياة الإسلامية

الإيمان بأن الله ليس كمثله شيء هو حجر الأساس الذي تبنى عليه علاقة الإنسان بربه، فهو لا يدع مجالًا للشك في وحدانية الله وتميزه عن كل ما خلقه. هذه المعرفة تجلب للإنسان الطمأنينة والسكينة، لأنها تؤكد أن الله هو الأعلى والأعظم، الذي لا يحده زمان ولا مكان، ولا يمكن قياسه بحدود مخلوقة.

كما أن هذا الفهم يحث على توجيه العبادة لله وحده، دون تشبيه أو مشابهة، وهو أساس الإخلاص في الدين.

التفاسير المختلفة للآية في كتب التفسير

• تفسير ابن كثير:
  
  يرى ابن كثير أن الآية دليل على أن الله سبحانه وتعالى لا يشبه شيءًا من مخلوقاته، وهو الذي لا يدركه البصر، ولا يحاط به العقل. يقول ابن كثير إن هذه الآية تؤكد على تنزيه الله عن التشبيه والتجسيم، وأن الله منزّه عن كل وصف يخص المخلوقين.

• تفسير الطبري:
  
  في تفسير الطبري، تبرز هذه الآية كدليل على أن الله فريد في صفاته، وأنه لا يمكن لأي مخلوق أن يقارن به أو يشبهه، لأن صفاته ذاتية وفريدة لا تدركها العقول البشرية. ويشير الطبري إلى أن هذا التنزيه يعني أن الله لا يحاط به شيء في العالم.

• تفسير الجلالين:
  
  يركز تفسير الجلالين على معنى التنزيه في الآية، ويقول إن الله ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته، فهو السميع الذي لا يغيب عنه شيء، والبصير الذي لا تخفى عليه حركة أو سكون.

مقارنات بين صفات الله وصفات المخلوقين

للفهم الأعمق، يمكن تصنيف الفرق بين صفات الله وصفات المخلوقات على النحو التالي:

أثر آية “ليس كمثله شيء” في الفكر الإسلامي

كان لهذه الآية أثر كبير في صياغة العقيدة الإسلامية وحماية التوحيد من التحريف. فهي صمام الأمان الذي يحفظ عقيدة المسلم من أن يقع في الشرك أو في التشبيه الذي قد يقود إلى الشرك.

كما شكلت هذه الآية أساسًا لكثير من النقاشات الكلامية بين العلماء المسلمين والمذاهب الأخرى، وأيضًا بين الإسلام والديانات الأخرى، لتأكيد وحدة الله وتميزه عن المخلوقات.

الخلاصة

إن آية “ليس كمثله شيء” تؤكد واحدة من أعظم حقائق العقيدة الإسلامية وهي تنزيه الله عن كل ما يشبهه أو يماثله في الذات أو الصفات. هذه الآية هي تعبير صريح عن تفرد الله وتعاليه عن مخلوقاته، وتدل على كماله وتميزه. فهم هذه الآية يثبت إيمان المسلم بوحدانية الله المطلقة ويبعده عن كل شكل من أشكال التشبيه أو التجسيم، مما يرسخ مكانة التوحيد في قلب كل مؤمن، ويجعله يدرك عظمة ربه وتميزه عن كل شيء خلقه.

المصادر والمراجع

• تفسير ابن كثير، دار إحياء التراث العربي

• تفسير الطبري، دار الفكر

• تفسير الجلالين، دار المعرفة