تقبيل يد الأم وبر الوالدين

تقبيل يد الأم وارتباطه ببر الوالدين في الإسلام

يُعتبر بر الوالدين من أعظم القربات التي أمر الله بها عباده في كتابه الكريم، وجاءت السنّة النبوية مؤكدة على أهمية احترام الوالدين والإحسان إليهما بكل صور الإحسان، سواء بالكلام الطيب، أو بالأفعال التي تدل على الحب والتقدير والتواضع. ومن هذه الصور التي انتشرت بين الناس في العديد من الثقافات، خاصة في المجتمعات الإسلامية والعربية، عادة تقبيل يد الأم، وهو فعل يحمل في طياته دلالة قوية على الحب والاحترام والتقدير، ويُعدّ من صور البر التي تعبّر عن التواضع والعرفان بالجميل تجاه الوالدين.

مفهوم بر الوالدين وأهميته في الإسلام

البر بالوالدين هو إعطاؤهما حقّهما في البر والاحترام، والقيام بكل ما يرضيهما من الأقوال والأفعال، ويشمل ذلك رعايتهما في حياتهما، والاعتناء بهما في شيخوختهما، والتحدث إليهما بلين، والابتعاد عن الإيذاء اللفظي والجسدي، والعمل على رضاهم في حدود الشرع. الإسلام جعل بر الوالدين من أعظم القربات التي تقرب العبد إلى ربه، ومن أهم الواجبات التي يجب على المسلم أن يلتزم بها، حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز:

﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23].

كما قال تعالى:

﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24].

وقد وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تحث على بر الوالدين، وتبيّن منزلته وفضله، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد».

دلالة تقبيل يد الأم في بر الوالدين

تقبيل يد الأم هو تعبير جسديّ عن الاحترام، والتواضع، والتقدير، وهو عادة متوارثة بين شعوب العالم الإسلامي والعربي، لها جذور عميقة في الثقافة الدينية والاجتماعية. هذه العادة لم تكن مجرد فعل تقليدي بل لها أبعاد روحية وأخلاقية كبيرة:

• تعبير عن التواضع والعرفان: فالمسلم الذي يقبل يد أمه يعبّر بذلك عن تواضعه أمام فضلها، وعن اعترافه بتضحياتها الكبيرة في تربيته ورعايته.

• رمز لبر الوالدين وحسن الخلق: هو من مظاهر الأخلاق الفاضلة التي تدل على احترام الوالدين وتقدير مكانتهما، وهذا ما حضّ عليه الإسلام وحث عليه.

• صلة بين القلب واليد: فاليد التي حملتنا وربّتنا وتعبت من أجلنا، تستحق منّا الحب والتقدير والامتنان بأكثر من مجرد الكلام.

أحكام شرعية حول تقبيل يد الوالدين

لم يرد نص صريح في القرآن الكريم أو السنة النبوية يذكر تحديدًا حكم تقبيل يد الوالدين، إلا أن العلماء اتفقوا على أن ما يدل على البرّ بالوالدين ويُعبر عن الاحترام لهما محبب ومستحب، وأن تقبيل اليد من هذا القبيل. وذهب بعض العلماء إلى أن تقبيل يد الوالدين أو إحدى وسائله المادية والعملية التي تحقق البر، ومن ذلك:

• قول الإمام النووي في شرح مسلم: إن البر بالوالدين يشمل كل ما يرضيهما من الأقوال والأفعال، وتقبيل اليد من ذلك.

• وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن تقبيل يد الوالدين من مظاهر البر بهما، وهو سنة حسنة إن لم يترتب عليه ضرر أو حرج.

أما إذا كان تقبيل اليد قد يؤدي إلى ضرر صحي أو حالة من الحرج، فإن الإسلام يرفع الحرج ويجعل المصلحة أولى من العادات، فلا يُلزم الإنسان فعل ذلك في حال الموانع.

تقبيل يد الأم في ضوء العادات الاجتماعية وتأثيرها النفسي

يمثل تقبيل يد الأم عادة اجتماعية راقية تترك أثرًا نفسيًا عميقًا على كل من الطرفين، فالمولود حين يكبر ويبدأ بممارسة هذه العادة يرسخ في قلبه مشاعر الاحترام والامتنان، كما يشعر الأم بحنان خاص يعزز العلاقة بينهما، ويجعلها تزداد حرصًا وعطاءً.

هذه العادة تسهم في بناء روابط أسرية قوية قائمة على المودة والرحمة، وتساعد على تصحيح علاقات قد تكون ضعيفة أو متوترة بين الأبناء وآبائهم. كما تُعزز القيم الأخلاقية والاجتماعية التي يحث عليها الإسلام، مما يجعل الأسرة نواة صالحة في المجتمع.

مقارنة بين بر الوالدين وتقبيل اليد في المجتمعات الإسلامية والعالمية

تختلف طريقة التعبير عن بر الوالدين من ثقافة إلى أخرى، لكن القاسم المشترك هو ضرورة الاحترام والتقدير:

تقبيل يد الأم هو جزء من هذه الممارسات التي تحمل دلالة دينية وأخلاقية عميقة، وهو محبب ومستحب في الشرع ما لم يصاحب ذلك ضرر.

تأثير بر الوالدين على الفرد والمجتمع

يؤدي البر بالوالدين إلى بناء مجتمع متماسك تقوم أركانه على الرحمة، والاحترام، والتعاون بين أفراده. فالوالدين يمثلان الجذر الذي ينبثق منه الفرد، وكلما كان البرّ بهما حاضرًا، كانت العلاقة بين أفراد الأسرة أقوى، مما ينعكس إيجابًا على سلامة المجتمع وازدهاره.

في المقابل، إهمال بر الوالدين أو التقليل من شأنه يؤدي إلى ضعف القيم الأسرية والاجتماعية، وازدياد حالات التوتر والاضطراب النفسي بين أفراد الأسرة، وتأثير سلبي على النسيج الاجتماعي.

الخلاصة

تقبيل يد الأم هو من أبرز صور البر التي يمكن للمسلم أن يعبر بها عن حبه وامتنانه لها، وهو فعل يحمل معانٍ روحية وأخلاقية عميقة تؤكد مكانة الأم وفضلها الكبير في حياة الأبناء. بر الوالدين يعد من أعظم القربات في الإسلام، وحثّ الله ورسوله على الإحسان إليهما بكل الطرق والوسائل التي تعبر عن الاحترام والتقدير.

إن تقبيل يد الأم، باعتباره من مظاهر البرّ، إنما يعزز الروابط الأسرية ويقوي أواصر المحبة والرحمة بين أفراد الأسرة، ويساهم في بناء مجتمع متماسك يسوده التعاون والاحترام. ومع اختلاف العادات والتقاليد، يبقى احترام الوالدين وتقديرهما ركيزة أساسية من ركائز الإسلام التي تحافظ على استقرار الأسرة والمجتمع.

المصادر والمراجع:

1. القرآن الكريم، تفسير الطبري.

2. شرح النووي على صحيح مسلم، جلال الدين السيوطي وابن حجر العسقلاني.

3. فتاوى ابن عثيمين، دار الإفتاء السعودية.