تعتبر مشكلة الفساد المالي من بين التحديات الرئيسية التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية، وتأتي دراسة “تفعيل آليات مكافحة الفساد المالي في الجزائر من منظور نظام الحسبة”، التي ألَّفها الباحثان أميرة نصيب وعلي بودليو، لتسليط الضوء على كيفية معالجة هذا الظرف الحساس في الساحة الجزائرية.
تنطلق الدراسة من التفحص العميق للنظام المالي والاقتصادي في الجزائر، محللة العديد من الجوانب التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية الأخرى، والتي تظهر بوضوح في تداول الرشوة، وظاهرة التهرب الضريبي، وعمليات غسيل الأموال، واختلاس المال العام، فضلاً عن الصفقات العمومية المشبوهة والعديد من أشكال الفساد المالي الأخرى التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الوطني.
يقدم الكتاب منهجية فريدة في التعامل مع هذه الظاهرة، حيث يركز على تفعيل آليات مكافحة الفساد من خلال الاستفادة من نظام الحسبة. يتناول الباحثون بدقة مبادئ وأهداف نظام الحسبة، ويقومون بتحليلها وتفصيلها بطريقة تعكس التطبيق العملي والتنفيذي في سياق الجزائر الحالي.
تبرز الدراسة أهمية إحداث تغيير جذري في البنية الإدارية والرقابية المتعلقة بمجال مكافحة الفساد المالي. يتعاظم دور مؤسسة الحسبة الرقابية التوجيهية الحديثة التي تقوم بإرساء أسس الرقابة بما يتناغم مع مبادئ الشريعة الإسلامية. هذا يعكس التزام الدراسة بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال تحسين المناخ الاقتصادي والحد من ظاهرة الفساد المالي.
تقدم الدراسة مقترحات هيكلية جديدة لمؤسسة الحسبة الرقابية الحديثة، مصممة لتتناسب مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الجزائر. يعزز هذا الاقتراح من قدرة المؤسسة على التكيف مع التحديات المتغيرة وتلبية احتياجات المجتمع بشكل فعّال.
يمتد كتاب “تفعيل آليات مكافحة الفساد المالي في الجزائر من منظور نظام الحسبة” على 288 صفحة، حيث يتميز بتحليل شامل وموثوق، ويعد إسهاما قيما لفهم عميق لمشكلة الفساد المالي وكيفية مواجهتها بفعالية في سياق الجزائر. يتمثل النشر على يد اتحاد المصارف العربية، والغلاف الفني يعكس حرص الناشر على تقديم عمل يليق بالمضمون الهام الذي يقدمه الكتاب.
في النهاية، يترك هذا الكتاب أثراً عميقاً في فهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الجزائر، ويفتح أفقاً جديداً للتفكير في تفعيل آليات مكافحة الفساد المالي باستخدام نظام الحسبة.