تغير لون البول: الأسباب والعلاج

أسباب تغير لون البول: الدلالات الطبية والتفسيرات العلمية

يُعدّ البول من أبرز سوائل الجسم التي تعكس العديد من المؤشرات الحيوية المرتبطة بصحة الإنسان. ويتغير لونه وفقًا لتغيرات في التوازن الكيميائي والفيزيولوجي في الجسم، أو استجابة لتناول مواد غذائية معينة أو أدوية، أو نتيجة وجود أمراض عضوية مزمنة أو حادة. ويُعد لون البول الطبيعي الأصفر الفاتح ناتجًا عن وجود صبغة “اليوروبيلين” (Urobilin)، وهي ناتجة عن تحلل الهيموغلوبين الموجود في خلايا الدم الحمراء. غير أن التغير في لون البول، سواء بالتحول إلى درجات داكنة أو ألوان غير اعتيادية، يمثل في بعض الحالات علامة تحذيرية لا يمكن إغفالها.

هذا المقال يستعرض بشكل علمي ودقيق مختلف أسباب تغير لون البول، موضحًا التفسيرات الكيميائية والطبية وراء كل لون، ومدى ارتباطه بالحالات الصحية، والعوامل المؤثرة فيه، وذلك في إطار بحث موسع يهدف لتقديم محتوى موثوق ودقيق يعزز الفهم الصحي العام.

اللون الأصفر: الدلالة الطبيعية وتدرجاتها

اللون الأصفر الفاتح للبول هو اللون الطبيعي في معظم الحالات الصحية، ويعود أساسًا إلى صبغة اليوروبيلين التي تُفرز من الكبد وتُطرح عن طريق الكليتين. وتزداد شدة اللون الأصفر عندما يكون الجسم في حالة جفاف نتيجة قلة شرب الماء، حيث تقل كمية البول ويزداد تركيز المواد الكيميائية فيه، مما يؤدي إلى ظهور البول بلون أصفر غامق أو كهرماني.

أما اللون الأصفر الفاقع أو النيون، فقد يُشير إلى تناول فيتامينات المجموعة B، وخاصة فيتامين B2 (الريبوفلافين)، الذي يعطي البول لونًا فوسفوريًا مميزًا.

اللون البرتقالي: الأسباب المحتملة

يتحول لون البول إلى البرتقالي في بعض الحالات بسبب:

• الجفاف الشديد: عندما تقل كمية الماء في الجسم إلى حد كبير، يزداد تركيز البول ليصبح برتقاليًا.

• تناول أدوية معينة: مثل دواء الريفامبين (Rifampin) المستخدم لعلاج السل، ودواء فينامينات (Phenazopyridine) المستخدم لعلاج حرقة البول، وبعض الملينات التي تحتوي على مركبات السينا.

• مشكلات الكبد أو القنوات الصفراوية: مثل ارتفاع نسبة البيليروبين (bilirubin) في الجسم نتيجة اضطرابات الكبد، مما يؤدي إلى ظهور البول بلون برتقالي أو أصفر داكن.

اللون الأحمر أو الوردي: الأسباب الخطيرة والبريئة

لون البول الأحمر قد يكون مثيرًا للقلق، لكن ليس دائمًا يشير إلى وجود دم أو حالة مرضية، فقد يعود لأسباب غذائية أو دوائية أو مرضية:

الأسباب الغذائية:

• تناول الشمندر (البنجر)، أو التوت الأحمر، أو الراوند قد يؤدي إلى صبغ البول بلون وردي أو أحمر.

الأسباب الدوائية:

• بعض الأدوية مثل الريفامبين (كما أُشير أعلاه) قد تلون البول بالأحمر.

• الأدوية المضادة للملاريا وبعض العلاجات الكيميائية يمكن أن تسبب نفس التأثير.

الأسباب المرضية:

• وجود دم في البول (البيلة الدموية Hematuria) نتيجة التهابات المسالك البولية، حصى الكلى، تضخم البروستاتا، أو أورام في الكلى أو المثانة.

• أمراض الكلى المزمنة، أو أمراض الدم مثل فقر الدم الانحلالي.

• إصابات شديدة في العضلات قد تؤدي إلى تحرر الميوغلوبين إلى الدم ومنه إلى البول، مما يُعطيه لونًا أحمر داكنًا.

اللون البني أو الشاي الداكن: علامات خلل في الكبد والعضلات

يُعتبر البول البني أو الشبيه بلون الشاي علامة طبية تستدعي الانتباه. الأسباب الشائعة تشمل:

• أمراض الكبد، خاصة التي تؤدي إلى زيادة البيليروبين مثل التهاب الكبد الفيروسي، أو تشمع الكبد.

• التهاب العضلات أو انحلالها (Rhabdomyolysis)، حيث تُطرح بروتينات العضلات (مثل الميوغلوبين) في البول.

• تناول أدوية معينة مثل الميترونيدازول، أو مضادات الملاريا، أو الأدوية المضادة للالتهاب مثل نابروكسين.

اللون الأخضر أو الأزرق: الأسباب النادرة ولكن المعروفة

يُعد البول الأخضر أو الأزرق من التغيرات غير الشائعة، لكن لها تفسيرات علمية محددة:

• تناول أطعمة تحتوي على ملونات صناعية مثل الحلويات أو المشروبات الغازية.

• الأدوية: مثل بروبوفول (Propofol) المستخدم في التخدير، أو أميتريبتيلين (Amitriptyline)، أو بعض الأدوية المضادة للبكتيريا مثل الميثيلين بلو.

• العدوى بالبكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas aeruginosa) التي تُنتج أصباغًا تعطي البول لونًا أزرق أو أخضر.

• اضطرابات وراثية نادرة مثل متلازمة الطفل الأزرق.

اللون الأسود أو البنفسجي: مؤشرات طبية نادرة وخطيرة

تغير لون البول إلى الأسود نادر جدًا، لكنه قد يشير إلى:

• حالة وراثية نادرة تُدعى Alkaptonuria، حيث يتراكم حمض الهوموجنتيسيك في البول ويؤكسد مسببًا اللون الأسود.

• انحلال الدم الحاد، أو تحلل العضلات الشديد كما في الحالات الحرجة.

• تناول بعض المركبات الكيميائية أو الأدوية مثل المترونيدازول أو الكلوروكين.

أما اللون البنفسجي فقد يظهر في حالات “متلازمة كيس البول البنفسجي” التي تحدث لدى مرضى المسنين ممن يستخدمون قسطرة بولية، نتيجة تفاعل البكتيريا مع مكونات البول.

اللون العكر أو الغائم: مؤشرات على العدوى أو الحصى

يُشير البول العكر أو الغائم غالبًا إلى وجود خلايا قيحية أو كريات دم بيضاء، مما يدل على التهابات المسالك البولية، أو وجود حصى في الكلى أو المثانة. كما أن ارتفاع تركيز الأملاح مثل فوسفات الكالسيوم قد يسبب غشاوة أو ترسبات واضحة في البول.

التغيرات في الرائحة المصاحبة لتغير اللون

غالبًا ما يترافق تغير اللون مع تغير في رائحة البول، وهذا قد يُعزز من احتمالية وجود حالة مرضية محددة:

• رائحة حلوة تشبه الفاكهة قد تُشير إلى الحماض الكيتوني السكري.

• رائحة كريهة أو كبريتية قد تُشير إلى عدوى بكتيرية.

• رائحة الأمونيا تكون أوضح في حالات الجفاف أو التهابات المثانة.

الجدول التالي يلخص الألوان المختلفة للبول ودلالاتها المحتملة:

العوامل التي تؤثر في لون البول:

عدة عوامل تلعب دورًا في تغيير لون البول، ومن أبرزها:

• مستوى الترطيب اليومي: قلة شرب الماء تؤدي إلى تركيز البول وظهوره بلون داكن.

• النظام الغذائي: تناول بعض الأطعمة مثل البنجر أو الهليون أو الجزر يؤثر على لون البول.

• الحالة الصحية: أمراض الكبد والكلى والمثانة تؤثر مباشرة على مظهر البول.

• الأدوية والمكملات: بعض الفيتامينات، المضادات الحيوية، وأدوية القلب والكبد قد تؤدي لتغيرات واضحة في لون البول.

• العمر: مع تقدم العمر، يزداد خطر ظهور أمراض تؤثر على الكلى والمثانة، مما ينعكس في لون البول.

الخاتمة

تغير لون البول لا يُعدّ عرضًا بسيطًا يمكن تجاهله دائمًا، إذ يُعتبر علامة واضحة يمكن من خلالها استنتاج العديد من الاضطرابات الداخلية في الجسم، بداية من مستوى ترطيب الجسم إلى حالات عضوية خطيرة مثل القصور الكبدي أو البولي. إن فهم هذه العلامات وتفسيرها في ضوء الظروف الشخصية لكل فرد، إلى جانب مراجعة الطبيب عند الضرورة، هو أساس الوقاية والعلاج المبكر.

المراجع:

1. Mayo Clinic Staff. “Urine color: Symptoms.” Mayo Clinic. https://www.mayoclinic.org/symptoms/urine-color/basics/causes/sym-20050713

2. National Institutes of Health (NIH). “Urinalysis.” MedlinePlus. https://medlineplus.gov/urinalysis.html