تغذية الطفل في الشهر الخامس

تغذية الطفل في الشهر الخامس: الأسس، القواعد والممارسات المثلى

يُعد الشهر الخامس من عمر الطفل مرحلة مفصلية في تطوره الجسدي والعصبي والغذائي، حيث تبدأ المؤشرات الأولى لاستعداد الجهاز الهضمي لاستقبال الأطعمة التكميلية بالظهور، رغم أن الاعتماد الأساسي لا يزال على الرضاعة سواء الطبيعية أو الصناعية. تتطلب هذه المرحلة وعياً دقيقاً من الوالدين لتقديم تغذية صحية وآمنة تدعم نمو الطفل وتُجنب أي مخاطر صحية محتملة. هذا المقال الموسع يقدم دليلاً علمياً شاملاً حول تغذية الطفل في الشهر الخامس، مدعوماً بالممارسات المثلى والتوصيات الطبية الحديثة.

أولاً: الخصائص الفسيولوجية والغذائية للطفل في الشهر الخامس

1. تطور الجهاز الهضمي

يبدأ الجهاز الهضمي للطفل في الشهر الخامس بالاكتمال التدريجي، مما يُمكّنه من التعامل مع بعض الأطعمة شبه الصلبة بكميات صغيرة. ورغم أن التوصيات العالمية تشير إلى تأخير إدخال الطعام الصلب حتى الشهر السادس، إلا أن بعض الحالات الخاصة قد تتطلب البدء في الشهر الخامس بإشراف طبي دقيق، خاصة إذا أظهر الطفل علامات الاستعداد لذلك، مثل التحكم الجيد بالرأس، والاهتمام بالطعام، وتقليل رد فعل الدفع باللسان (Tongue-thrust reflex).

2. النمو الجسدي والاحتياجات الحرارية

يزداد وزن الطفل في هذا العمر ليصل عادة إلى ضعف وزنه عند الولادة، كما يزداد طوله بمعدل سنتيمترين تقريباً شهرياً. تزداد الحاجة اليومية للطاقة والعناصر الغذائية، ويبدأ حليب الأم أو الحليب الصناعي بالوصول إلى حدوده القصوى في توفير كافة الاحتياجات، مما يجعل التغذية التكميلية ضرورة قادمة.

ثانياً: هل يمكن البدء بإدخال الأطعمة في الشهر الخامس؟

وفقًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية (WHO) والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP)، يُفضل الاعتماد الكلي على الرضاعة الطبيعية أو الحليب الصناعي حتى عمر 6 أشهر. ومع ذلك، في حال كان الطفل يتمتع بصحة جيدة ويُظهر مؤشرات استعداد قوية، يمكن بدء تقديم الأطعمة التكميلية من الشهر الخامس، شريطة أن تكون هذه الأطعمة مناسبة ومهروسة جيداً وخالية من أي مواد تسبب الحساسية.

المؤشرات التي تدل على استعداد الطفل للأطعمة:

• قدرة الطفل على الجلوس مدعوماً بإسناد جيد.

• فقدان منعكس الدفع باللسان.

• الاهتمام الواضح بطعام الكبار ومحاولة الإمساك به.

• القدرة على إبقاء الطعام في الفم وبلعه.

ثالثاً: جدول تغذية مقترح للطفل في الشهر الخامس

رابعاً: أفضل الأطعمة التكميلية للطفل في الشهر الخامس

عند اختيار الأطعمة للرضيع في هذا السن، يجب أن تكون ناعمة، سهلة الهضم، وخالية من أي مضافات أو ملح أو سكر. إليك أبرز الخيارات:

1. الأرز المطحون (السيريلاك الطبيعي)

• يُعد الأرز من أقل الأطعمة المسببة للحساسية.

• يُحضّر بخلطه مع ماء دافئ أو حليب الأم ليصبح قوامه سائلاً.

• يُقدَّم ببطء وملعقة صغيرة في اليوم الأول، ثم تُرفع الكمية تدريجياً.

2. الخضروات المهروسة:

• البطاطا المسلوقة والمطحونة.

• الكوسا أو الجزر المطهو جيدًا.

• القرع العسلي (اليقطين) له قوام مثالي وغني بالفيتامينات.

3. الفواكه الطازجة:

• التفاح: يُسلق ثم يُهرس ويُصفى.

• الموز: يُهرس دون طهي لكن يجب التأكد من نضجه الكامل.

• الكمثرى المطهوة: مفيدة لسهولة الهضم.

4. حبوب الشوفان:

• مصدر غني بالألياف والحديد.

• يجب طهيها جيدًا وخلطها بالحليب حتى تصبح سائلة القوام.

خامساً: الكميات المناسبة وكيفية التقديم

لا ينبغي في هذه المرحلة تحميل الجهاز الهضمي للطفل بأطعمة كثيرة. التدرج هو الأساس:

• اليوم الأول: نوع واحد من الطعام (ملعقة صغيرة).

• الأيام التالية: زيادة تدريجية حسب قبول الطفل، بمعدل ملعقة إضافية كل يومين.

• يُنصح بعدم تقديم أكثر من صنف جديد كل 3 أيام لتحديد أي رد فعل تحسسي.

نصائح مهمة:

• استخدام الملعقة البلاستيكية الصغيرة الطرية.

• تجنب استخدام زجاجة الرضاعة في تقديم الطعام.

• تقديم الطعام في جلسة هادئة وبوضعية جلوس مستقرة.

• عدم الضغط على الطفل إذا رفض الطعام في البداية.

سادساً: الأطعمة الممنوعة تماماً في هذا العمر

بعض الأطعمة ممنوعة في عمر الخمسة أشهر، سواء بسبب خطر التسمم أو صعوبة الهضم أو ارتفاع احتمالية التسبب بالحساسية:

• العسل: خطر التسمم السجقي (البوتيوليزم).

• بياض البيض: يُعد من مسببات الحساسية.

• الحليب البقري الكامل: لا يُعطى قبل السنة الأولى.

• الملح والسكر: لا يحتاجهما الطفل في هذه المرحلة.

• المكسرات الكاملة أو المهروسة: خطر الاختناق والتحسس.

• الأطعمة المعلبة أو المحلاة صناعياً.

سابعاً: العلاقة بين التغذية والنمو العصبي والمعرفي

تُسهم التغذية السليمة في هذا العمر بتعزيز نمو الدماغ والوظائف العصبية للطفل، وذلك عبر توفير العناصر الأساسية التالية:

• الحديد: أساسي لتكوين الهيموغلوبين وتطور القدرات الإدراكية.

• الدهون الصحية: تلعب دوراً مهماً في تطور الدماغ، وتوجد بكثرة في حليب الأم.

• الزنك وفيتامين D: مهمان لتطور الجهاز العصبي وتقوية المناعة.

الطفل الذي يتلقى تغذية سليمة في هذه المرحلة يكون أكثر تفاعلاً، أكثر نشاطاً، وأسرع تطوراً في المهارات الحركية الدقيقة مثل الإمساك والالتفات والجلوس.

ثامناً: الرضاعة في الشهر الخامس

الرضاعة الطبيعية:

• تظل المصدر الأساسي لتغذية الطفل في هذا السن.

• تحتوي على أجسام مضادة تحمي من العدوى، بالإضافة إلى عناصر غذائية مثالية.

الرضاعة الصناعية:

• تُعد بديلاً مناسبًا في حال عدم توافر الحليب الطبيعي.

• يجب الالتزام بالمقادير الموصى بها من الشركة المصنعة وتطهير الأدوات جيداً.

تاسعاً: علامات التحسس الغذائي عند الرضع

عند إدخال أطعمة جديدة، من الضروري مراقبة الطفل بعناية. تظهر أعراض التحسس عادة خلال ساعات أو أيام من تناول الطعام:

• الطفح الجلدي أو الإكزيما.

• القيء أو الإسهال.

• التورم حول الفم أو العينين.

• صعوبة في التنفس (نادرة لكنها طارئة).

عند ظهور أي من هذه الأعراض يجب التوقف عن تقديم الغذاء فوراً واستشارة طبيب الأطفال المختص.

عاشراً: دور التغذية في تشكيل عادات الطفل الغذائية

خلال مرحلة التذوق الأولي، تتشكل الميول الغذائية للطفل. لذا يجب:

• تنويع المذاقات الطبيعية (مر، حلو خفيف، قوام مختلف).

• تجنب استخدام المُحليات والملح.

• عدم ربط الطعام بالمكافآت أو التهديدات لتفادي مشكلات سلوكية مستقبلية.

المراجع العلمية

1. WHO: Complementary Feeding Guidelines – World Health Organization, 2021

2. AAP: Feeding and Nutrition Guidelines for Infants and Young Children – American Academy of Pediatrics, 2020

هذا الدليل الموسع يُعد مرجعاً متكاملاً لتغذية الطفل في الشهر الخامس، ويُسهم في توجيه الأمهات والآباء إلى اتخاذ قرارات صحيحة ومدروسة تضمن للطفل نمواً صحياً ومتوازناً في هذه المرحلة الدقيقة من حياته.