تغذية الحامل السليمة والمتوازنة

تغذية الحامل: الأساس الصحي لنمو الجنين وسلامة الأم

تشكل تغذية المرأة الحامل حجر الأساس لصحتها وصحة جنينها على حدٍ سواء، حيث تؤثر بشكل مباشر على نمو الجنين وتطوره، كما تُسهم في تقليل احتمالات حدوث مضاعفات صحية خلال فترة الحمل وبعد الولادة. إنّ الحمل يُعدّ مرحلة بيولوجية معقدة تتطلب توازناً دقيقاً في النظام الغذائي لتلبية احتياجات الأم المتزايدة، بالإضافة إلى تأمين المتطلبات الأساسية لتكوين أنسجة وأعضاء الجنين بشكل سليم.

التغيرات الفسيولوجية والغذائية خلال الحمل

يمر جسم المرأة الحامل بسلسلة من التحولات الهرمونية والفسيولوجية منذ بداية الحمل، مثل زيادة حجم الدم، وتطور المشيمة، ونمو الرحم، وارتفاع معدل التمثيل الغذائي. جميع هذه التغيرات تتطلب استهلاكاً أكبر من الطاقة والمغذيات الدقيقة والكبيرة، ما يجعل التغذية المتوازنة ضرورة قصوى لا مجرد خيار صحي.

يحتاج الجسم خلال الحمل إلى كميات أكبر من البروتين، الحديد، الكالسيوم، الفولات، الزنك، اليود، الأحماض الدهنية الأساسية، والفيتامينات المتعددة مثل فيتامين D وB12 وA، بالإضافة إلى الطاقة الحرارية. كما تختلف احتياجات الجسم بين الثلث الأول والثالث من الحمل، حيث ترتفع المتطلبات الغذائية تدريجياً لتتناسب مع سرعة نمو الجنين وتطور أعضائه.

المغذيات الأساسية للحامل

1. البروتينات

تُعد البروتينات مكوناً رئيسياً لبناء أنسجة الجنين والمشيمة، وتساهم في تكوين الأجسام المضادة والهرمونات. ينصح بتناول 75 إلى 100 غرام يومياً من البروتين، ويمكن الحصول عليها من مصادر متنوعة مثل اللحوم الخالية من الدهون، الدواجن، البيض، البقوليات، ومنتجات الألبان.

2. الحديد

يلعب الحديد دوراً أساسياً في تكوين الهيموغلوبين المسؤول عن نقل الأكسجين، وتزداد الحاجة له بسبب ارتفاع حجم الدم لدى الحامل. نقص الحديد يؤدي إلى فقر دم حملي قد يتسبب في الولادة المبكرة أو انخفاض وزن الجنين عند الولادة. تُفضل مصادر الحديد الحيوانية مثل الكبد واللحوم الحمراء، كما يُنصح بتناول مصادر فيتامين C معها لزيادة الامتصاص.

3. حمض الفوليك (الفولات)

يُعد الفولات من العناصر الضرورية لتكوين الأنبوب العصبي للجنين خلال الأسابيع الأولى من الحمل، ونقصه يؤدي إلى تشوهات خَلقية خطيرة مثل السنسنة المشقوقة. يُوصى بتناول 400 إلى 800 ميكروغرام يومياً من الفولات من خلال المكملات الغذائية والخضروات الورقية والبقوليات.

4. الكالسيوم

الكالسيوم ضروري لتكوين عظام وأسنان الجنين، وتنظيم وظيفة القلب والأعصاب. تحتاج الحامل إلى نحو 1000 ملغ يومياً، ويمكن الحصول عليه من منتجات الألبان، السردين، الخضروات الورقية، والمكملات الغذائية إذا لزم الأمر.

5. الأحماض الدهنية أوميغا-3

تسهم الأوميغا-3، ولا سيما حمض الدوكوساهيكسانويك (DHA)، في نمو دماغ وعينَي الجنين. تتوفر في الأسماك الدهنية مثل السلمون والسردين، وبذور الكتان، والمكسرات. يُفضل الابتعاد عن الأسماك المحتوية على نسبة عالية من الزئبق.

6. فيتامين D

يرتبط نقص فيتامين D بزيادة خطر الإصابة بمضاعفات الحمل مثل تسمم الحمل وسكري الحمل. يحتاج الجسم إليه لضمان امتصاص الكالسيوم. التعرض لأشعة الشمس وتناول المكملات الغذائية مصادر فعالة.

نظام غذائي متوازن خلال الحمل

ينبغي على الحامل أن تتبع نظاماً غذائياً يوازن بين الكميات والنوعيات لتفادي الإفراط أو القصور، ويُفضل تقسيم الوجبات إلى ثلاث رئيسية ووجبتين خفيفتين. يجب أن يشمل النظام:

الأطعمة التي يجب تجنبها

هناك قائمة من الأطعمة التي يُوصى بتجنبها خلال الحمل بسبب احتمالية تسبّبها في تسمم غذائي أو مضاعفات صحية:

• الأسماك المحتوية على الزئبق: مثل سمك القرش، أبو سيف، والماكريل.

• الأجبان غير المبسترة: مثل الجبن الأزرق والفيتا المصنوعة من الحليب غير المبستر.

• اللحوم النيئة أو غير المطهية جيداً: كاللانشون والسوشي.

• البيض النيئ أو المنتجات التي تحتوي عليه: مثل عجينة الكوكيز النيئة.

• الكافيين المفرط: يُوصى بعدم تجاوز 200 ملغ يومياً من الكافيين.

• الكحول: يجب الامتناع عنه تماماً لأنه يسبب أضراراً خطيرة لنمو الجنين العصبي.

زيادة الوزن أثناء الحمل

الزيادة الطبيعية في الوزن تختلف بحسب مؤشر كتلة الجسم قبل الحمل. عموماً، تُقدَّر الزيادة المثالية للحامل بمتوسط يتراوح بين 11 إلى 16 كيلوغراماً. يجب أن تكون هذه الزيادة تدريجية ومدروسة لتجنب السمنة الحمليّة أو نقص الوزن، وكلاهما يؤثران على صحة الأم والجنين.

المضاعفات المرتبطة بسوء التغذية

سوء تغذية الأم قد يؤدي إلى:

• الولادة المبكرة

• نقص وزن المولود

• خلل في نمو الدماغ

• تشوهات خَلقية

• ضعف المناعة عند الأم والجنين

• الإصابة بفقر الدم الحاد

كما أن الإفراط في تناول السكريات والدهون المشبعة قد يؤدي إلى سكر الحمل وارتفاع ضغط الدم الحملي وتسمم الحمل، وهي حالات تتطلب متابعة طبية دقيقة.

المكملات الغذائية خلال الحمل

رغم أهمية التغذية الطبيعية، إلا أن المكملات الغذائية تظل ضرورية في كثير من الحالات لتعويض النقص في بعض العناصر مثل الحديد، الفولات، فيتامين D والكالسيوم. يجب أن تتم الاستعانة بها تحت إشراف طبي، لتفادي الجرعات الزائدة التي قد تؤدي إلى مضاعفات صحية.

التغذية في حالات الحمل الخاصة

الحمل بتوأم

في حالات الحمل المتعدد، تزداد الحاجة إلى السعرات الحرارية والبروتين والحديد والفولات والكالسيوم، ويجب المتابعة الدقيقة مع الطبيب المختص لتحديد الاحتياجات المناسبة.

سكري الحمل

يستدعي اتباع نظام غذائي منخفض السكريات والكربوهيدرات المكررة، والاعتماد على الوجبات الصغيرة المتكررة للحفاظ على استقرار مستويات السكر في الدم، مع ممارسة النشاط البدني اليومي المناسب.

الغثيان والقيء الحملي

لتخفيف الغثيان يُنصح بتناول وجبات خفيفة متعددة على مدار اليوم، وتفادي المعدة الفارغة، بالإضافة إلى تناول الزنجبيل تحت إشراف طبي.

النشاط البدني المكمل للنظام الغذائي

يمثل النشاط البدني المعتدل عاملاً مهماً في تحسين التمثيل الغذائي وتحفيز الدورة الدموية ومنع الإمساك وتحسين الحالة النفسية. يُوصى بالمشي اليومي والتمارين البسيطة مثل اليوغا المخصصة للحامل، مع ضرورة تجنب المجهود الزائد أو الرياضات التي تعرض الجسم للاهتزازات أو السقوط.

دور التغذية بعد الولادة

لا تنتهي أهمية الغذاء بعد الولادة، بل تستمر خاصة في حالات الرضاعة الطبيعية، حيث تحتاج الأم إلى سعرات حرارية ومغذيات إضافية لتعويض ما فقدته خلال الولادة، ولدعم إنتاج الحليب. يُنصح بزيادة السعرات اليومية بمقدار 500 سعرة تقريباً، والحفاظ على تناول البروتينات والسوائل والمعادن الأساسية.

خاتمة

إن التغذية السليمة للحامل هي استثمار مباشر في صحة الجنين والأم على حد سواء، وتتطلب وعياً مستمراً ومتابعة طبية دقيقة. باتباع نظام غذائي متوازن، وتجنب المحظورات الغذائية، وتلبية الاحتياجات المتزايدة من العناصر الدقيقة والكبيرة، يمكن للحامل أن تضمن نمواً سليماً لجنينها، وتقلل من احتمالات المضاعفات أثناء الحمل والولادة.

المراجع:

1. World Health Organization. Healthy diet in pregnancy. 2021.

2. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). Nutrition During Pregnancy. ACOG Practice Bulletin. 2020.