كيف تعزز مقاومة موظفيك للإجهاد؟

في بيئة العمل المعاصرة، باتت الضغوط النفسية والإجهاد الوظيفي من أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات، بغض النظر عن حجمها أو قطاعها. هذه الضغوط، إذا لم تتم إدارتها بالشكل الصحيح، يمكن أن تؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية، وزيادة في معدلات الغياب، وارتفاع في نسب الدوران الوظيفي، وتراجع ملحوظ في الصحة النفسية والجسدية للموظفين. من هنا تنبع أهمية بناء وتعزيز “مقاومة الموظفين للإجهاد” باعتبارها استراتيجية ضرورية لبقاء المؤسسة فعّالة ومنافسة ومستدامة.

فهم الإجهاد المهني: المفهوم والأسباب

الإجهاد المهني هو استجابة نفسية وجسدية تحدث نتيجة ضغوط مستمرة أو مفرطة في العمل. وقد يتجلى على هيئة إرهاق، توتر، قلق، تهيج، أو حتى أعراض جسدية مزمنة مثل الصداع واضطرابات النوم والمعدة. من أبرز مسبباته:

• ضغط المهام وكثافتها.

• ضيق المهل الزمنية لإنجاز العمل.

• غياب الدعم الاجتماعي والمهني.

• بيئة العمل غير الآمنة أو غير الصحية.

• عدم وضوح الدور الوظيفي.

• ضعف التواصل الداخلي.

• غياب التقدير والتحفيز.

هذه العوامل تتراكم وتؤدي إلى حالة من الإنهاك العاطفي، وفقدان الدافعية، بل وقد تصل إلى الاحتراق الوظيفي (Burnout)، وهو أخطر أشكال الإجهاد النفسي.

مقاومة الموظفين للإجهاد: المفهوم وأبعاده

تعني مقاومة الموظف للإجهاد (Resilience to Stress) قدرة الموظف على التعامل مع الضغوط بشكل فعّال دون أن تؤثر سلباً على أدائه أو صحته. تشمل هذه القدرة مجموعة من السمات والمهارات مثل:

• التحكم في الذات والانفعالات.

• المرونة النفسية.

• التفكير الإيجابي.

• إدارة الوقت والمهام بذكاء.

• التواصل الفعّال.

• طلب الدعم عند الحاجة.

• وجود معنى وقيمة للعمل.

هذه السمات لا تولد مع الإنسان بالضرورة، بل يمكن تعزيزها وتنميتها من خلال استراتيجيات ممنهجة تقوم بها المؤسسات الذكية.

دور القيادة في تعزيز مقاومة الموظفين للإجهاد

القيادة الواعية هي حجر الأساس في بناء بيئة عمل تعزز مقاومة الموظف للضغوط. ومن أبرز الأدوار التي يجب أن يضطلع بها القادة والمديرون التنفيذيون:

1. توفير الدعم النفسي والمهني

الدعم لا يعني فقط تقديم حلول تقنية أو لوجستية، بل يشمل الإصغاء الفعّال للموظفين، التعاطف معهم، التحقق من مشاعرهم، وطمأنتهم عند الأزمات. تشير الدراسات إلى أن الموظفين الذين يشعرون بالدعم من مديريهم يتمتعون بمستويات إجهاد أقل بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بزملائهم في بيئات عمل تفتقر لهذا النوع من القيادة.

2. التحكم في عبء العمل

تحديد المهام بوضوح، توزيع الأعباء بعدالة، ومراعاة قدرات الأفراد، من العوامل الأساسية لتقليل الضغط النفسي. يمكن للمدير الناجح أن يراقب مؤشرات الحمل الزائد ويعيد توزيع المهام قبل أن تصل إلى نقطة الانهيار.

3. التقدير والتحفيز المعنوي

التحفيز لا يقتصر على المكافآت المالية. كلمة شكر، ملاحظة تقدير، أو فرصة للترقية تمثل عناصر بالغة الأثر في رفع معنويات الموظفين. التقدير يعزز الشعور بالإنجاز، ويمنح العمل معنى أعمق، وهو ما يرفع من مقاومة الشخص للإجهاد.

4. تشجيع ثقافة التوازن بين العمل والحياة

من المهم أن يتبنى القادة سياسات مرنة فيما يخص ساعات العمل، والعمل عن بعد، والإجازات. كما يجب عليهم أن يكونوا قدوة في احترام حدود الحياة الشخصية، وألا يخلقوا ثقافة التوفر الدائم.

بيئة العمل كعامل مساعد لمقاومة الإجهاد

البيئة الفيزيائية والنفسية التي يعمل فيها الموظف تلعب دوراً حاسماً في تخفيف أو تضخيم التوتر. ويمكن تصميم بيئة العمل الداعمة من خلال ما يلي:

– تصميم المساحات المكتبية بطريقة صحية

الإضاءة الطبيعية، التهوية الجيدة، الأثاث المريح، وتقليل الضوضاء، كلها عوامل تحسن المزاج وتخفف من التوتر.

– توفر أماكن للراحة

تخصيص مساحات للراحة والاستجمام داخل المكتب، مثل غرفة صامتة أو زاوية قراءة، يمكن أن يتيح للموظف استعادة نشاطه خلال اليوم.

– الاهتمام بالصحة النفسية

يجب أن تتضمن السياسات المؤسسية برامج دعم نفسي مثل جلسات إرشاد، ورشات عمل حول الذكاء العاطفي، أو حتى إتاحة خدمات مستشارين نفسيين عند الحاجة.

تنمية المهارات الذاتية للموظفين في مواجهة الضغوط

تدريب الموظفين على كيفية التعامل مع الضغوط يمثل أحد أنجع الوسائل لتقوية مناعتهم النفسية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:

1. ورشات تدريب على إدارة الضغوط

برامج تدريبية تهدف إلى تعليم تقنيات الاسترخاء، وتمارين التنفس، وتمارين التأمل واليقظة الذهنية (Mindfulness)، أثبتت فعاليتها في تقليل نسب الإجهاد في بيئات العمل.

2. تدريب على التفكير الإيجابي والتحكم في المشاعر

يساعد الموظف على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة أقل انفعالية، مما يخفف من الضغط الناتج عنها.

3. تعليم مهارات تنظيم الوقت وتحديد الأولويات

القدرة على ترتيب المهام وفقاً لأهميتها وموعد تسليمها يقلل من الشعور بالضغط والتراكم.

4. تعزيز ثقافة طلب المساعدة

يجب كسر ثقافة “الاعتماد الكامل على الذات” وتشجيع الموظفين على طلب الدعم عند الحاجة، سواء من الزملاء أو من الإدارة.

أهمية العلاقات الاجتماعية بين الزملاء

العلاقات المهنية الإيجابية تلعب دوراً مركزياً في بناء بيئة عمل مرنة ضد الضغوط. من خلال تعزيز التعاون والدعم المتبادل بين الزملاء، تنشأ بيئة يشعر فيها الجميع بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة التحديات. ولتعزيز هذه العلاقات يمكن للمؤسسة أن:

• تنظم فعاليات جماعية وأنشطة خارج إطار العمل.

• تشجع على العمل ضمن فرق وليس بشكل فردي.

• تكرّس قيم الاحترام والتنوع والانفتاح.

تبني السياسات المؤسسية المرنة

مرونة السياسات تساعد في تقليل مصادر الضغط. بعض النماذج الفعالة تشمل:

• إمكانية العمل من المنزل.

• نظام الساعات المرنة.

• خيارات الإجازة المفتوحة أو غير المحددة.

• برامج العناية بالموظف مثل الاشتراكات في النوادي الصحية، أو توفير جلسات يوجا أسبوعية.

الجدول التالي يوضح أبرز الاستراتيجيات لتعزيز مقاومة الموظفين للإجهاد:

النتائج المتوقعة من بناء مقاومة الموظف للإجهاد

عندما يتم تطبيق هذه الاستراتيجيات بشكل تكاملي ومستدام، تظهر نتائج واضحة على مستوى المؤسسة، من أبرزها:

• ارتفاع مستويات الرضا الوظيفي.

• انخفاض معدلات التغيب والإجازات المرضية.

• زيادة الإنتاجية وجودة العمل.

• تحسين الصورة المؤسسية.

• تعزيز الولاء والانتماء لدى الموظفين.

الخلاصة

إن تعزيز مقاومة الموظفين للإجهاد هو استثمار طويل الأمد في رأس المال البشري. ويتطلب هذا التوجه تفكيراً استراتيجياً من القادة، وبيئة تنظيمية حاضنة، وبرامج تنمية بشرية مستدامة. فالموظف الذي يتمتع بالقدرة على التعامل مع الضغوط لا يحقق فقط توازناً داخلياً، بل يصبح عنصراً فعالاً في دفع المؤسسة نحو النجاح والتميز في عالم يتسم بالتقلب والتحديات.

المراجع:

• American Psychological Association (APA): www.apa.org

• Harvard Business Review: “Building Resilience in the Workplace”