كيف تعزز مشاركة الموظفين من خلال العمل التطوعي

مقدمة

تُعَدّ مشاركة الموظفين واحدة من الركائز الأساسية في تحقيق النجاح التنظيمي المستدام، إذ تشير إلى درجة التزام الموظف وارتباطه العاطفي والفكري بأهداف وقيم المؤسسة. وقد تنوّعت الأساليب والاستراتيجيات التي اعتمدتها المؤسسات لتعزيز هذه المشاركة، من الحوافز المادية إلى بيئات العمل الإيجابية. ومع ذلك، يبرز العمل التطوعي كأداة فريدة وقوية لتعزيز ارتباط الموظفين بالمؤسسة، من خلال إتاحة الفرص لهم للمساهمة في المجتمع، وتحقيق الإشباع الشخصي، وإيجاد معنى أعمق للعمل. يتناول هذا المقال الموسع دور العمل التطوعي المؤسسي في تعزيز مشاركة الموظفين، مبرزاً الأبعاد النفسية والاجتماعية والتنظيمية لهذا النهج، ومدعوماً بأحدث الأبحاث والممارسات العالمية.

أولاً: مفهوم العمل التطوعي المؤسسي

العمل التطوعي المؤسسي هو مجموعة من الأنشطة التطوعية التي تُنظّمها وتُشجّعها المؤسسة، سواء داخل بيئة العمل أو في المجتمع الخارجي، بمشاركة الموظفين طواعية. يختلف هذا النوع من التطوع عن المبادرات الفردية بكونه مدمجًا ضمن الثقافة التنظيمية ومصممًا لدعم أهداف المسؤولية المجتمعية للشركة، وتعزيز روح الفريق والانتماء بين الموظفين.

تشمل هذه الأنشطة طيفًا واسعًا من الممارسات، مثل المشاركة في حملات تنظيف المدن، دعم المؤسسات التعليمية أو الصحية، المساهمة في مبادرات الاستدامة، والمشاركة في الحملات الإغاثية، وغيرها من المبادرات الاجتماعية التي تتماشى مع قيم المؤسسة وهويتها.

ثانياً: العلاقة بين العمل التطوعي ومشاركة الموظفين

تُظهر العديد من الدراسات أن الموظفين الذين يشاركون في الأنشطة التطوعية يشعرون بارتباط أكبر بالمؤسسة التي يعملون بها. يعود ذلك إلى عدة عوامل مترابطة:

1. تعزيز الشعور بالانتماء

عندما يُمنَح الموظف الفرصة للمشاركة في أنشطة تعود بالنفع على المجتمع، يشعر بأنه جزء من كيان أكبر يسعى لتحقيق أهداف تتجاوز الربح المادي. هذا الإحساس يرسخ مشاعر الانتماء ويعمق ولاء الموظف للمؤسسة.

2. تحقيق الإشباع الشخصي

العمل التطوعي يساعد الموظفين على تلبية احتياجاتهم النفسية المتعلقة بتحقيق الذات، والإحساس بالرضا الداخلي، وتقدير الذات. وكلما شعر الموظف بقيمته وتأثيره، زاد اندماجه وتحفيزه في العمل.

3. تعزيز العلاقات بين الموظفين

الأنشطة التطوعية غالباً ما تُنظَّم في شكل فرق أو مجموعات، ما يُتيح للموظفين فرصًا لبناء علاقات شخصية قوية تتجاوز العلاقات المهنية المعتادة. هذه الروابط الاجتماعية تساهم في تحسين بيئة العمل وتعزيز روح الفريق.

4. تطوير المهارات الشخصية والمهنية

يتيح العمل التطوعي فرصاً لتعلّم مهارات جديدة أو تطوير مهارات قائمة مثل القيادة، التواصل، حل المشكلات، والتخطيط. هذا التطور يُنعكس إيجاباً على أداء الموظف في عمله الوظيفي.

ثالثاً: الفوائد التنظيمية للعمل التطوعي في بيئة العمل

الاستثمار في برامج العمل التطوعي لا يعود بالنفع على الموظفين فقط، بل يشمل مجموعة من الفوائد التي تعود على المؤسسة ككل:

رابعاً: استراتيجيات فعّالة لتعزيز العمل التطوعي داخل المؤسسات

من أجل تحقيق التأثير الإيجابي المرجو من العمل التطوعي، يجب على المؤسسات اعتماد منهجية واضحة ومنظّمة في تصميم وتنفيذ البرامج التطوعية، تتضمن العناصر التالية:

1. دمج العمل التطوعي في الثقافة التنظيمية

لا ينبغي أن يكون العمل التطوعي مبادرة مؤقتة أو تكميلية، بل يجب أن يُدمج في استراتيجية المؤسسة للموارد البشرية والمسؤولية الاجتماعية. ويمكن ذلك عبر تخصيص وقت محدد للموظفين للمشاركة في الأنشطة التطوعية، وإدراجها ضمن تقييم الأداء.

2. تقديم الدعم والتسهيلات

يحتاج الموظفون إلى الدعم اللوجستي والمعنوي للمشاركة في العمل التطوعي، مثل توفير وسائل النقل، منح إجازات تطوعية مدفوعة، وتأمين الموارد اللازمة لتنفيذ المشاريع.

3. اختيار الشراكات المجتمعية المناسبة

التعاون مع منظمات غير ربحية ذات مصداقية يُعزّز من تأثير العمل التطوعي، ويوفر فرصًا حقيقية للموظفين للمساهمة الفعالة. ويُفضل اختيار شركاء تتماشى أهدافهم مع قيم المؤسسة.

4. تحفيز الموظفين على المشاركة

يمكن للمؤسسة تشجيع المشاركة من خلال تنظيم جوائز رمزية للفرق التطوعية، أو إبراز قصص النجاح والنماذج الملهمة، أو دمج التطوع في رحلات بناء الفريق.

5. توفير فرص متنوعة للتطوع

ينبغي تقديم مجموعة متنوعة من الأنشطة التطوعية لتناسب مختلف اهتمامات ومهارات الموظفين، ما يزيد من معدلات المشاركة ويُراعي الفروق الفردية.

خامساً: أمثلة واقعية وممارسات ناجحة

تُظهر التجارب الدولية أن العمل التطوعي المؤسسي يمكن أن يحقق نتائج استثنائية في تعزيز مشاركة الموظفين:

• شركة Salesforce تقدم لموظفيها 56 ساعة سنوياً مدفوعة الأجر للمشاركة في الأعمال التطوعية، وقد ساعد هذا البرنامج في تعزيز ولاء الموظفين ورفع معدلات الاحتفاظ بهم.

• شركة Deloitte تنفذ برنامج “Impact Day” حيث يشارك جميع الموظفين في مشروع تطوعي واحد على مستوى الشركة، ما يخلق شعوراً جماعياً بالانتماء ويعزز الروح المعنوية.

• شركة Google تُشجّع موظفيها على التطوع بالمهارات، حيث يقدم الموظفون استشارات مجانية للمنظمات غير الربحية في مجالات التقنية، مما يعزز إحساسهم بالإنجاز والفائدة.

سادساً: التحديات والحلول

رغم الفوائد العديدة للعمل التطوعي في تعزيز مشاركة الموظفين، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تواجه المؤسسات، ومنها:

1. قلة المشاركة أو الحماس

قد يُظهر بعض الموظفين عدم اهتمام بالمشاركة في الأنشطة التطوعية. يمكن معالجة ذلك من خلال توضيح أثر هذه المبادرات على المجتمع وعلى تطور الموظف الشخصي والمهني.

2. التكلفة والموارد

تتطلب بعض الأنشطة التطوعية موارد مالية أو بشرية كبيرة. يمكن التغلب على ذلك عبر الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني التي توفر الدعم اللازم.

3. التوازن بين العمل والتطوع

قد يخشى الموظفون من أن المشاركة في العمل التطوعي ستؤثر على إنجازهم لمهامهم الأساسية. من المهم أن تُنظَّم الأنشطة التطوعية بشكل مرن يتناسب مع أوقات العمل الرسمية ويُراعي جدول الأعمال.

سابعاً: مؤشرات قياس تأثير العمل التطوعي على مشاركة الموظفين

لضمان استمرارية وفعالية البرامج التطوعية، يجب على المؤسسات قياس أثر هذه المبادرات على مشاركة الموظفين باستخدام مؤشرات واضحة، منها:

• معدل المشاركة في الأنشطة التطوعية

• مستوى رضا الموظفين عن البرنامج التطوعي

• معدلات الاحتفاظ بالموظفين

• تغيّر درجات المشاركة الوظيفية في استطلاعات الرأي الدورية

• عدد المهارات المكتسبة أو المُطوّرة من خلال العمل التطوعي

ثامناً: التكامل بين العمل التطوعي والمسؤولية الاجتماعية

من خلال تنسيق الجهود بين قسم الموارد البشرية وقسم المسؤولية المجتمعية، يمكن للمؤسسة تحقيق التكامل بين الأهداف الاجتماعية والداخلية. حيث يسهم العمل التطوعي في ربط الموظف بالمجتمع بطريقة تخدم استراتيجية المؤسسة على المدى البعيد، وتعزز من استدامتها.

خاتمة

يمثّل العمل التطوعي المؤسسي أداة استراتيجية فعالة لتعزيز مشاركة الموظفين، ليس فقط على المستوى العاطفي، بل أيضاً من حيث الأداء، والولاء، والانتماء المهني. وعندما يُدار هذا العمل التطوعي بطريقة منهجية ومتكاملة، يمكنه أن يخلق بيئة عمل نابضة بالحياة، ويوفر للمؤسسة رأس مال بشري أكثر ارتباطاً، وأكثر استعداداً للمساهمة في تحقيق الأهداف الكبرى. إن الاستثمار في العمل التطوعي ليس خياراً هامشياً، بل ضرورة في سبيل بناء ثقافة مؤسسية قوية وإنسانية ومستدامة.

المراجع:

1. Deloitte Volunteerism Impact Survey, 2021

2. Points of Light Foundation, Corporate Volunteerism Research, 2022