رؤساء جزر القمر عبر التاريخ

رؤساء جزر القمر عبر التاريخ

تُعدّ جزر القمر واحدة من الدول الفريدة في محيطها الجغرافي والسياسي، فهي أرخبيل صغير يقع في المحيط الهندي، قبالة الساحل الشرقي لإفريقيا، ويتكوّن من أربع جزر رئيسية هي: القمر الكبرى، أنجوان، موهيلي، ومايوت (التي لا تزال تحت الإدارة الفرنسية). منذ استقلالها عن فرنسا عام 1975، شهدت جزر القمر مسيرة سياسية شديدة التقلب، تخللتها انقلابات عسكرية متكررة، فترات انتقالية مضطربة، وتحولات دستورية أثّرت على استقرار الحكم وتداول السلطة.

منذ الاستقلال وحتى اليوم، تعاقب على رئاسة جزر القمر عدد كبير من الرؤساء، بعضهم عبر صناديق الاقتراع، والبعض الآخر عن طريق القوة والانقلابات، ما يجعل استعراض سيرهم جزءاً لا يتجزأ من فهم التاريخ السياسي للجزر.

أحمد عبد الله عبد الرحمن (1975 – 1975، ثم 1978 – 1989)

يُعتبر أحمد عبد الله عبد الرحمن أول رئيس لجزر القمر بعد الاستقلال عن فرنسا في 6 يوليو 1975، وكان أحد القادة الوطنيين الذين نادوا بإنهاء الاستعمار. بعد أشهر قليلة من انتخابه، أُطيح به في انقلاب عسكري بقيادة علي صويلح، ولكنه عاد إلى السلطة عام 1978 بمساعدة المرتزق الفرنسي الشهير “بوب دينار”، وظل رئيسًا حتى اغتياله في ظروف غامضة داخل القصر الرئاسي عام 1989. تميزت فترته الثانية بحكم أوتوقراطي وبتغيير النظام إلى جمهورية إسلامية ذات طابع رئاسي.

علي صويلح (1975 – 1978)

استولى علي صويلح على الحكم في انقلاب عسكري ضد أحمد عبد الله، وكان شاباً يحمل أفكاراً يسارية وقريبة من الفكر الاشتراكي الماركسي. حاول صويلح تطبيق إصلاحات شاملة مستوحاة من التجارب الثورية الإفريقية، لكنه فقد شعبيته نتيجة سياساته الراديكالية، فتمت الإطاحة به من قبل المرتزقة الذين أعادوا عبد الله إلى الحكم. أُعدم علي صويلح عام 1978، مما رسخ ثقافة العنف والانقلابات في الحياة السياسية القمرية.

سعيد محمد جعفر (1989 – 1990)

تولّى الحكم بعد مقتل أحمد عبد الله، وقاد البلاد في فترة انتقالية قصيرة لم تتجاوز السنة. كان يواجه تحديات كبيرة، أهمها ضبط الأوضاع الأمنية واستعادة الاستقرار بعد حادثة الاغتيال، ولم يُعرف عنه اتخاذ خطوات سياسية بارزة. انتهى حكمه بانقلاب جديد.

سعيد محمد جُهَر (1990 – 1995، ثم 1996)

تم انتخابه لأول مرة عام 1990 في انتخابات يُقال إنها كانت الأولى من نوعها بطريقة ديمقراطية نسبياً في البلاد، واستمر في السلطة حتى عام 1995 حينما أُطيح به على يد المرتزقة بقيادة بوب دينار مجددًا. لكنه عاد إلى الحكم لفترة قصيرة جداً في عام 1996 قبل أن يُجبر على الاستقالة. كان يُنظر إلى جوهر كرجل براغماتي حاول التوازن بين القوى الداخلية والخارجية.

محمد جوهر (1995 – 1996)

تولى السلطة لفترة انتقالية قصيرة بعد الانقلاب الذي أطاح بسعيد محمد جوهر. لم تدم رئاسته طويلاً، وكانت أشبه بمرحلة إدارية لإعادة ترتيب الوضع السياسي في البلاد. انتهت فترته بإجراء انتخابات جديدة.

محمد تقي عبد الكريم (1996 – 1998)

انتُخب رئيساً للجزر بعد فوضى سياسية، وشهدت ولايته أحداثاً دراماتيكية أبرزها إعلان جزيرتي أنجوان وموهيلي الانفصال عن الاتحاد بسبب ما اعتُبر تهميشاً من الحكومة المركزية. هذه الحركات الانفصالية عمّقت الانقسامات السياسية وأضعفت الحكومة الفيدرالية. انتهى حكمه بانقلاب أطاح به.

تازدين بن سعيد مسنّي (1998 – 1999)

كان وزيرًا للدفاع وتولى الرئاسة بعد استقالة محمد تقي عبد الكريم. حاول التعامل مع الأزمة الانفصالية لكنه لم يحقق نجاحًا يُذكر. لم تدم ولايته طويلًا، إذ أُطيح به بانقلاب جديد.

العقيد عثمان غزالي (1999 – 2002، ثم 2016 – حتى الآن)

استولى على السلطة في انقلاب عسكري عام 1999، ثم نظّم انتخابات رئاسية عام 2002 فاز بها بعد تعديل دستوري أقرّ بنظام التناوب على الرئاسة بين الجزر الثلاث الكبرى. انتهت ولايته الأولى في عام 2006، ثم عاد إلى الرئاسة عبر صناديق الاقتراع في عام 2016، وتمت إعادة انتخابه في 2019. يُعدّ من أطول من حكم جزر القمر، وتشوب ولايته اتهامات بالتضييق على الحريات، وتعديل الدستور لإلغاء مبدأ التناوب الرئاسي.

أحمد عبد الله محمد سامبي (2006 – 2011)

انتُخب عام 2006 في انتخابات نزيهة نسبيًا، وكان يُلقب بـ”آية الله” بسبب دراسته في إيران ولبنان. ركز في ولايته على مشاريع البنية التحتية وتحسين التعليم، لكن عهده شابته اتهامات بالفساد لاحقًا، وتمت ملاحقته قضائيًا بعد خروجه من السلطة، لا سيما فيما يُعرف بـ”فضيحة بيع جوازات السفر القمرية”.

إيكيللو ظنين (2011 – 2016)

تولى الرئاسة بعد فوزه في الانتخابات التي أجريت ضمن مبدأ التناوب، وواجه تحديات اقتصادية هائلة، أبرزها قلة الاستثمارات وارتفاع نسب الفقر والبطالة. خلال عهده، شهدت البلاد بعض الهدوء السياسي النسبي مقارنة بالسنوات السابقة. إلا أن نهاية ولايته تزامنت مع انتقادات حادة تتعلق بالفساد وسوء إدارة الموارد.

جدول رؤساء جزر القمر حسب الترتيب الزمني

تحولات دستورية ومراحل سياسية

منذ الاستقلال، خضعت جزر القمر لعدة تغييرات دستورية، أهمها:

• دستور 1978: عزز السلطة الرئاسية وقضى على الهياكل البرلمانية.

• دستور 2001: أقرّ بنظام اتحادي ومنح كل جزيرة حكمًا ذاتيًا واسعًا مع رئيس دوري للاتحاد.

• دستور 2018 المعدل: ألغى التناوب بين الجزر وسمح للرئيس الحالي بالترشح لولايتين متتاليتين، ما أثار جدلاً داخليًا.

الانقلابات السياسية وتأثير المرتزقة

من السمات الفريدة لجزر القمر تدخل المرتزقة في السياسة. يُعدّ المرتزق الفرنسي “بوب دينار” أحد أبرز الأسماء، إذ نفذ عدة انقلابات لصالح أو ضد بعض القادة القمريين، ما جعل جزر القمر تُلقب أحياناً بـ”جزر الانقلابات”.

التحديات أمام الرئاسة في جزر القمر

تواجه أي رئاسة في جزر القمر عدة تحديات هيكلية:

• الانقسام الجغرافي والإثني بين الجزر.

• الضعف الاقتصادي الشديد والاعتماد على المساعدات الخارجية.

• نقص الاستقرار السياسي نتيجة ضعف المؤسسات.

• ظاهرة الفساد الإداري والمالي في معظم الفترات الرئاسية.

الخلاصة

التاريخ السياسي لجزر القمر حافل بالانقلابات، وفترات الحكم القصيرة، والرجال الأقوياء الذين صعدوا للسلطة بانقلابات أو تحالفات غير تقليدية. رغم المحاولات المتعددة لإرساء الديمقراطية، لا تزال جزر القمر تبحث عن استقرار سياسي دائم ينعكس على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. تبقى شخصية الرئيس في هذا البلد عاملًا حاسمًا في رسم معالم المستقبل، سواء في الوحدة الوطنية أو في مسار العلاقات الخارجية، وهو ما يجعل تاريخ رؤساء جزر القمر مرآة تعكس صراعات الداخل وتعقيدات الخارج.

المراجع:

• African Elections Database – Comoros

• Encyclopaedia Britannica – Comoros Political History