طائر الكناري: دراسة شاملة حول خصائصه وسلوكياته وتاريخه

يُعد طائر الكناري من أكثر الطيور شهرةً وانتشارًا في العالم، وقد اكتسب شعبية كبيرة بين محبي تربية الطيور لما يتمتع به من صوتٍ عذبٍ ولونٍ زاهٍ وشخصيةٍ مبهجة. ينتمي طائر الكناري إلى فصيلة الشرشوريات (Fringillidae)، واسمه العلمي هو Serinus canaria domestica. يعتبر الكناري من الطيور الأليفة التي تعيش في الأسر منذ قرون، وقد شهد تطورًا ملحوظًا من حيث الألوان والأشكال والسلالات نتيجة عمليات التهجين والانتخاب المستمر التي قام بها المربّون حول العالم.

الأصل والتوزيع الجغرافي لطائر الكناري

يرجع أصل طائر الكناري إلى جزر الكناري الواقعة في المحيط الأطلسي قبالة السواحل الشمالية الغربية لقارة أفريقيا، بالإضافة إلى جزر ماديرا وجزر الأزور. تم اكتشاف الكناري لأول مرة في القرن الخامس عشر من قبل البحارة الإسبان والبرتغاليين، حيث أثار هذا الطائر إعجابهم بجمال صوته وألوانه الزاهية. ومنذ ذلك الحين بدأ الأوروبيون في تربيته وتطوير سلالات جديدة منه.

في البيئة الطبيعية، يعيش الكناري البري في المناطق المشجرة والمفتوحة التي توفر له الغذاء والحماية. يتميز الكناري البري بلون أخضر زيتوني مائل إلى الرمادي مع خطوط قاتمة على الأجنحة والظهر، ويختلف كثيرًا عن الكناري المستأنس المعروف بألوانه المتنوعة.

الخصائص الفيزيولوجية لطائر الكناري

يتراوح طول طائر الكناري بين 12 إلى 20 سنتيمترًا، ويزن ما بين 15 إلى 30 جرامًا، ويُعرف بجسمه الصغير وخفته وقدرته على الطيران بخفة وسرعة. يختلف لون الكناري حسب السلالة، لكن الألوان الأكثر شهرة تشمل الأصفر الزاهي، والبرتقالي، والأبيض، والأخضر، والأحمر بدرجاته المختلفة.

الجدول التالي يوضح بعض الخصائص الفيزيائية الأساسية لطائر الكناري:

دورة حياة طائر الكناري

تمر حياة طائر الكناري بعدة مراحل تبدأ من البيضة حتى تصل إلى مرحلة البلوغ والنضج. تضع أنثى الكناري عادة من 3 إلى 5 بيضات في العش، وتستمر فترة الحضانة حوالي 13 إلى 14 يومًا، تتولى خلالها الأنثى مسؤولية تدفئة البيض بينما يقوم الذكر بتوفير الغذاء لها.

بعد الفقس، تكون الفراخ عمياء وضعيفة وتحتاج إلى عناية مكثفة من الأبوين. تبدأ الفراخ بفتح أعينها خلال أيام قليلة، وتستمر في النمو حتى تبلغ من العمر حوالي 3 إلى 4 أسابيع، وعندها تبدأ في مغادرة العش تدريجيًا وتكتسب القدرة على الطيران.

يصل الكناري إلى مرحلة النضج الجنسي في عمر يتراوح بين 6 إلى 9 أشهر. ومع الرعاية الجيدة، يمكن أن يعيش الكناري في الأسر لمدة تصل إلى 15 عامًا.

تصنيف الكناري حسب أنواعه

طوّر مربي الطيور العديد من السلالات المختلفة من طائر الكناري، ويمكن تصنيف الكناري إلى ثلاث مجموعات رئيسية:

1. كناري اللون: يتم تربيته للحصول على ألوان مميزة مثل الأحمر، الأصفر، البرتقالي، والأبيض. أشهر هذه الأنواع هو الكناري الأحمر الذي نتج عن تهجين الكناري مع طائر السيسكين الأحمر الفنزويلي.

2. كناري الشكل: يُربّى هذا النوع من أجل الشكل الخارجي والتكوين الجسدي. تشمل هذه المجموعة طيورًا ذات أجسام طويلة أو ذات ريش مجعد مثل كناري النورويتش وكناري الجلوستر وكناري باريسيان فرل.

3. كناري الصوت: يشتهر هذا النوع بجمال صوته وقدرته على أداء مقاطع موسيقية معقدة. من أشهرها كناري الرولر الألماني وكناري التيمبرادو الإسباني وكناري الووترسلاجر البلجيكي.

التغذية السليمة لطائر الكناري

تُعد التغذية من العوامل الأساسية التي تؤثر على صحة الكناري وجودة صوته ومظهره الخارجي. يعتمد الكناري في غذائه على الحبوب بشكل رئيسي، وخاصة بذور الدخن وبذور اللفت وبذور النيجر. كما يجب توفير مزيج متوازن من الحبوب الخاصة بالكناري والمتوفرة في الأسواق.

بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الكناري إلى تنويع غذائه من خلال تقديم الخضروات الطازجة مثل الخس، السبانخ، الجرجير، والجزر المبشور، إضافة إلى بعض الفواكه مثل التفاح والبرتقال بكميات معتدلة. كما يفضل تقديم البيض المسلوق المهروس كمصدر غني بالبروتين خاصة أثناء فترة التكاثر ونمو الفراخ.

يوصى أيضًا بتوفير مكملات الكالسيوم مثل عظام الحبار لضمان صحة العظام ونمو الريش بشكل سليم.

سلوكيات طائر الكناري

يتميز طائر الكناري بسلوكيات هادئة واجتماعية نسبيًا، لكنه يفضل في الغالب العيش بمفرده خاصة الذكور التي قد تُظهر سلوكًا عدوانيًا تجاه ذكور أخرى في نفس القفص. يتأقلم الكناري سريعًا مع بيئته الجديدة ويحب التفاعل مع محيطه، لكنه لا يفضل التعامل المباشر مع البشر مثل بعض أنواع الببغاوات.

تُعتبر الذكور الأكثر نشاطًا من حيث الغناء، إذ يستخدم الذكر صوته كوسيلة لجذب الأنثى خلال موسم التزاوج. ويُظهر الكناري سلوكيات محددة مثل تنظيف الريش بانتظام والاستحمام بالماء، ما يدل على تمتع الطائر بصحة جيدة.

تربية طائر الكناري في المنزل

تربية الكناري من الهوايات الممتعة التي تتطلب توفير بيئة مناسبة تضمن للطائر الراحة والصحة الجيدة. من المهم اختيار قفص واسع يسمح للطائر بالطيران والتحليق داخل القفص مع وجود أماكن للتسلق والوقوف. يجب وضع القفص في مكان جيد التهوية بعيدًا عن التيارات الهوائية المباشرة وأشعة الشمس الحارقة.

كما ينبغي تنظيف القفص والأوعية الخاصة بالطعام والماء بانتظام لمنع تكون البكتيريا والطفيليات. ومن الضروري توفير حمام مائي للطائر مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع للحفاظ على نظافة ريشه.

التكاثر عند طائر الكناري

تبدأ دورة التكاثر عند طائر الكناري عادة مع بداية فصل الربيع حيث تزداد ساعات النهار ودرجة الحرارة المناسبة. تقوم الأنثى ببناء العش باستخدام الخيوط والمواد الليفية التي يتم توفيرها لها. بعد التزاوج، تضع الأنثى البيض وتبدأ فترة الحضانة.

يُنصح بفصل الذكر عن الأنثى بعد فقس البيض لتجنب تعرض الفراخ للخطر، إذ يمكن أن يصبح الذكر عدوانيًا في بعض الحالات. بعد نمو الفراخ وخروجها من العش، يمكن إعادة جمع الطيور معًا أو البدء في دورة تزاوج جديدة.

أمراض طائر الكناري وطرق الوقاية

يُعد طائر الكناري من الطيور الحساسة التي قد تصاب بالعديد من الأمراض إذا لم تتوفر له الرعاية الصحية الجيدة. من أكثر الأمراض شيوعًا:

• التهابات الجهاز التنفسي: تظهر بسبب تعرض الطائر لتيارات هوائية باردة أو بيئة غير نظيفة.

• قمل الريش والطفيليات: قد يتعرض الكناري للإصابة بالطفيليات التي تؤثر على جودة الريش وتسبب له الحكة المستمرة.

• الكساح ونقص الكالسيوم: يحدث بسبب سوء التغذية وعدم الحصول على الكالسيوم الكافي.

• أمراض السمنة: قد يصاب بها الطائر بسبب الإفراط في تناول الحبوب الدهنية وقلة النشاط.

للوقاية من هذه الأمراض، يجب الحفاظ على نظافة القفص وتوفير تغذية متوازنة للطائر مع التأكد من حصوله على ضوء الشمس الطبيعي بشكل يومي.

أهمية طائر الكناري في التاريخ البشري

كان لطائر الكناري دور بارز في التاريخ الصناعي، حيث استخدمه عمال المناجم في القرنين التاسع عشر والعشرين كوسيلة للكشف عن تسرب الغازات السامة مثل غاز الميثان وأول أكسيد الكربون. كان الكناري يُؤخذ إلى أعماق المناجم في أقفاص، وإذا توقف عن الغناء أو فقد وعيه، كان ذلك إشارة للعمال بوجود خطر يستوجب مغادرة المنجم فورًا.

كما لعب الكناري دورًا ثقافيًا في العديد من المجتمعات الأوروبية، حيث اعتُبر رمزًا للجمال والسلام، ودخل في العديد من الأشعار والأغاني.

سلالات الكناري الأكثر شهرة

فيما يلي قائمة بأشهر سلالات طائر الكناري المعروفة عالميًا:

• كناري الرولر الألماني: يتميز بصوته العذب وقدرته على أداء مقاطع موسيقية متواصلة.

• كناري التيمبرادو الإسباني: يُعرف بنبراته الموسيقية المتنوعة.

• كناري الووترسلاجر البلجيكي: يتمتع بصوت قوي يشبه تدفق المياه.

• كناري الجلوستر: له شكل مميز برأس مغطى بريش كثيف على شكل قبعة.

• كناري النورويتش: يتميز بجسم ممتلئ وصدر بارز وريش لامع.

• كناري باريسيان فرل: يتميز بريش طويل ومجعد يشبه الزهور.

الاعتبارات البيئية لتربية الكناري

تُعد درجة الحرارة من العوامل المؤثرة بشكل كبير على صحة الكناري، حيث يفضل الطائر بيئة معتدلة تتراوح بين 18 إلى 24 درجة مئوية. كما يجب تجنب تعرضه للبرودة الشديدة أو الحر المفرط، بالإضافة إلى حمايته من الروائح الكيميائية والمنظفات القوية التي قد تضر بجهازه التنفسي.

الإضاءة الطبيعية ضرورية لتحفيز الكناري على الغناء والتكاثر، وينصح بتوفير فترة إضاءة يومية تتراوح بين 10 إلى 14 ساعة حسب الموسم.

استئناس الكناري وتطوره عبر الزمن

بدأ استئناس طائر الكناري منذ القرن السادس عشر، حيث كانت الكناري في البداية من الطيور النادرة والمكلفة التي تقتصر على العائلات المالكة والنبلاء في أوروبا، وخاصة في إسبانيا وإيطاليا. مع مرور الوقت، انتشرت تربية الكناري بين عامة الناس بعد أن تم تطوير طرق لتربيته وتكاثره بكميات كبيرة.

شهد الكناري تطورًا هائلًا من حيث السلالات والألوان، وأصبح اليوم من الطيور التي تتوفر بسهولة في جميع أنحاء العالم. وتُعد مسابقات الكناري من الفعاليات الشهيرة التي تُقام في العديد من الدول الأوروبية لتقييم جودة الصوت وجمال الريش.

الخلاصة العلمية حول طائر الكناري

يُعتبر طائر الكناري من أكثر الطيور التي لاقت اهتمامًا علميًا وعمليًا عبر التاريخ، سواء من حيث دراسات سلوكياته الصوتية أو آليات تكاثره أو قدراته الفيزيولوجية. يمثل الكناري نموذجًا متميزًا لفهم تأثير التربية الانتقائية على تطور الأنواع، كما يوفر مثالًا حيًا على التكيف البيئي والتغير الوراثي الذي يمكن تحقيقه من خلال جهود الإنسان.

ويُعتبر هذا الطائر رمزًا للجمال الطبيعي والصوت الرنان، ومصدرًا للبهجة في منازل الملايين من محبي الطيور حول العالم.

المصادر:

• موسوعة الطيور العالمية – الطبعة الحديثة.

• Canary: Identification, Care, and Breeding – Expert Bird Guides.