تعريف سورة الفتح ومعانيها

تعريف سورة الفتح

سورة الفتح هي من السور المدنية التي نزلت بعد صلح الحديبية، وتُعد من السور العظيمة التي تحمل في مضامينها بشائر النصر، وتثبيتًا للمؤمنين، وتأكيدًا لعظمة الرسالة المحمدية. يبلغ عدد آياتها 29 آية، وهي السورة رقم 48 في ترتيب المصحف الشريف، وقد سُميت بـ”الفتح” نظرًا لما تتضمنه من بشارة ربانية بـ”فتح مبين”، وهو صلح الحديبية، الذي كان إيذانًا بفتح مكة بعد ذلك بسنوات قليلة.

مكان النزول وتاريخها

نزلت سورة الفتح في المدينة المنورة، ويجمع المفسرون والمؤرخون على أنها نزلت في السنة السادسة من الهجرة، عقب عودة النبي محمد ﷺ من الحديبية. وكان المسلمون حينها في حالة من الإحباط بعد أن مُنعوا من دخول مكة لأداء العمرة، غير أن الله أنزل هذه السورة لتكون بلسماً شافياً، تبشرهم بأن ما وقع كان فتحاً عظيماً.

فضل السورة في السنة النبوية

ورد في فضل سورة الفتح العديد من الأحاديث النبوية، أبرزها ما رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما رجعنا من غزوة تبوك ودنونا من المدينة، قال رسول الله ﷺ:

“لقد نزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها”، ثم قرأ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾.

وتتجلى محبة النبي ﷺ لهذه السورة في تعبيره الصريح عن فضلها، ما يجعلها من السور التي تحمل بُعدًا نفسيًا وروحيًا عميقًا في تثبيت المؤمنين والتخفيف عنهم وقت الشدة.

سبب التسمية

سُميت السورة باسم “الفتح” لأن الله عز وجل ابتدأها بقوله: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا﴾، وهذا الفتح هو صلح الحديبية، الذي اعتُبر في نظر المسلمين آنذاك نوعاً من التراجع أو الهزيمة، غير أن الله بيّن لهم حكمته من ذلك الصلح، وأعلن أنه فتح عظيم في سياق استراتيجي إيماني رباني.

المحاور الأساسية في سورة الفتح

1. البشارة بالنصر والفتح

تبدأ السورة بإعلان رباني مباشر عن فتح مبين منح الله نبيه ﷺ إياه، وبيّنت أن هذا الفتح ليس فقط نصراً سياسياً أو عسكرياً، وإنما هو نصر إيماني يتجلى في غفران الذنوب، وإتمام النعمة، وهداية الطريق المستقيم.

﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾

2. الرسالة النبوية وتأييد الله لرسوله

أبرزت السورة أن رسول الله ﷺ مؤيد من الله، وأن ما يصيبه ليس ضعفاً في قيادته أو قلة إيمان من أتباعه، بل هو تدبير إلهي لما فيه مصلحة الأمة. وقد أكدت السورة هذا المعنى في آيات عدة من بينها:

﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾

3. المؤمنون وصفاتهم

احتفت السورة بصفات المؤمنين المخلصين الذين بايعوا النبي ﷺ تحت الشجرة في الحديبية، وأثنت عليهم، وأكدت أن الله رضي عنهم، في واحدة من أعظم الشهادات الربانية في القرآن الكريم:

﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾

4. التحذير من المنافقين والمتخلفين

بيّنت السورة نفاق بعض الأعراب الذين تخلّفوا عن الخروج مع النبي ﷺ، وعللت ذلك بخوفهم من القتال أو الطمع في مكاسب دنيوية. وقد وصفتهم السورة بأنهم سيحلفون بالأيمان ليعتذروا، وتوعدتهم بالعقاب:

﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾

5. التأكيد على نصر الله للمؤمنين

اختتمت السورة بتأكيد رباني على أن الله سينصر رسوله والمؤمنين، وأن الحق ظاهر لا محالة، وأن الله قد وعد نبيه بالرؤية التي رآها حقاً، في قوله:

﴿لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾

وهو وعد بإدخال المسلمين إلى المسجد الحرام آمنين مطمئنين، وهذا ما تحقق بالفعل بعد عامين في فتح مكة.

الجوانب البلاغية والبيانية في السورة

تتميز سورة الفتح بأسلوب بياني رفيع يزخر بالتأكيدات الربانية، والعبارات التي تفيض بالأمل والبشارة. وتكثر فيها صيغ التوكيد مثل “إنّا”، و”قد”، و”ليغفر”، و”هو الذي”، مما يُضفي على النص روحاً من الثقة الإلهية الكاملة بالنصر والتمكين. ويُلاحظ أيضًا تنوع الجمل بين الخبرية والإنشائية بما يعزز التأثير الوجداني في النفس المؤمنة.

كما تتكرر الألفاظ ذات الطابع الجهادي والروحي مثل “الفتح”، “السكينة”، “البيعة”، “الجهاد”، “النصر”، و”الجزاء”، ما يُبرز طبيعة المرحلة التي نزلت فيها السورة، حيث كان الصراع بين الإيمان والكفر في مرحلة فاصلة.

الجدول التالي يوضح أبرز المواضيع الرئيسة في سورة الفتح:

العلاقة بين سورة الفتح وبقية سور القرآن

تتكامل سورة الفتح مع سور مدنية أخرى مثل التوبة والأحزاب والأنفال، حيث تركز هذه السور على بناء الدولة الإسلامية وتثبيت أركان العقيدة والانتصار على الأعداء. وهي أيضاً مكملة لما ورد في سورة محمد وسورة الحشر من الحديث عن صفات المنافقين ومصيرهم، وتُبرز هذه السورة النموذج المقابل لهم، وهو المؤمنون المخلصون.

الأثر النفسي والتربوي لسورة الفتح

إن المتأمل في سورة الفتح يلحظ كيف أنها جاءت لتواسي قلوب المؤمنين وتمنحهم الأمل والثقة في وعد الله، وتُعزز الانتماء الجماعي للأمة من خلال سرد تفاصيل البيعة والنصر الإيماني. كما تُعلّم المسلمين أن النصر ليس دائماً مادياً، بل قد يكون النصر المعنوي والإيماني أكبر وأعمق أثراً. فكان صلح الحديبية على ظاهره تنازلاً، لكنه في الحقيقة فتح كبير.

خاتمة تحليلية

إن سورة الفتح واحدة من السور القرآنية التي تمثل مرحلة مفصلية في تاريخ الدعوة الإسلامية. هي سورة النصر المؤجل الذي يسبق النصر الكامل، وسورة التأكيدات الربانية على أن الله مع نبيه ومع المؤمنين، يثبتهم وينصرهم ويوجههم نحو فتوحات أعظم. وتكمن عظمتها في عمق معانيها، وثقل رسالتها التربوية، وأسلوبها البلاغي الذي يجمع بين الرفق والتوجيه، وبين التحذير والبشارة، وبين التفاؤل والتخطيط الواقعي.

المصادر

1. تفسير ابن كثير، الجزء السابع، دار طيبة.

2. صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب صلح الحديبية.