تعريف سورة الأنعام وأهدافها

تعريف سورة الأنعام

سورة الأنعام هي السورة السادسة في ترتيب المصحف الشريف، وهي من السور المكية الطويلة، وتُعد من أعمدة السور القرآنية التي أسست للعقيدة الإسلامية في مرحلة مكة. يبلغ عدد آياتها 165 آية، وتتميز بأسلوبها القوي في مناقشة قضايا التوحيد، والرد على الشرك، وتفنيد شبهات المشركين، وإرساء أسس الإيمان بالله ووحدانيته، وبالرسل، واليوم الآخر، والكتب السماوية. وقد ورد فيها ذكر عظيم لله تعالى، وصفاته، وقدرته، وآياته في الكون، وتجلت فيها دعوة القرآن للعقل والتأمل والتدبر.

أولاً: تسمية السورة ومعناها

سميت هذه السورة بـ”سورة الأنعام” لورود ذكر الأنعام (الإبل، والبقر، والغنم) فيها، في معرض الرد على المشركين الذين كانوا يسنّون أحكامًا باطلة على الأنعام، ويقسمونها على نحو غير مشروع، ويجعلون لله شركاء فيها، مثل ما ورد في الآيات (136-139). وقد أبطلت السورة هذه المعتقدات، وأوضحت أن الله وحده هو الذي يملك الخلق والتشريع، ومنه تصدر الأحكام، وليس للمشركين أو غيرهم حق ابتداع القوانين أو تقسيم ما خلق الله بغير إذنه.

ثانياً: مكان وزمان النزول

سورة الأنعام مكية بإجماع أغلب علماء التفسير، باستثناء آيات قليلة اختلف في شأنها، مثل آية: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ (الأنعام: 151). وهي من السور التي نزلت في أواخر العهد المكي، وقد نزلت دفعة واحدة كما جاء في بعض الروايات، في موكب من الملائكة، وهذا يدل على عظم شأنها وموضوعها.

ثالثاً: المحور الرئيسي لسورة الأنعام

المحور الأساسي الذي تدور حوله السورة هو “تقرير العقيدة الإسلامية الصحيحة في مواجهة الشرك والانحراف العقدي”، ومن ثم فإن السورة تعالج هذا الموضوع من خلال محاور فرعية، تشمل:

• إثبات الوحدانية المطلقة لله.

• الرد على الشبهات المتعلقة بتعدد الآلهة.

• بيان البراهين الكونية على وجود الله ووحدانيته.

• تصوير قدرة الله في خلق السماوات والأرض والإنسان والأنعام.

• عرض نماذج من الأمم السابقة وعواقب كفرها.

• عرض قصص بعض الأنبياء في سبيل ترسيخ الرسالة الواحدة.

• تفنيد الخرافات الجاهلية التي تتعلق بالذبائح والأنعام.

رابعاً: محتوى السورة وتفصيل موضوعاتها

1. مقدمة توحيدية بآيات كونية

تبدأ السورة بحمد الله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وهو خالق كل شيء. ثم تستنكر السورة إنكار الكافرين لوحدانية الله رغم هذه الأدلة الواضحة، وتكشف عن المكابرة والعناد الذي اتسمت به قلوبهم.

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: 1]

2. حجج عقلية وفطرية على وحدانية الله

تعدد السورة البراهين التي تملأ الوجود وتدل على خالق واحد للكون. فالليل والنهار، والنجوم والشمس والقمر، ونظام الحياة والموت، كلها تشهد على وحدانية الله، وأنه لا شريك له.

3. موقف المشركين ومجادلتهم

تتناول السورة مواقف الكفار من دعوة التوحيد، ورفضهم للبعث والنشور، وطلبهم للآيات والمعجزات، مع التنبيه إلى أن المكذبين لا تنفعهم المعجزات لأن قلوبهم مغلقة.

4. نموذج من قصص الأنبياء

تذكر السورة قصصًا موجزة عن عدد من الأنبياء، مثل نوح، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وموسى، وهارون، وغيرهم، لتؤكد وحدة الرسالة السماوية، وأن الأنبياء جميعًا جاءوا بالدعوة نفسها: عبادة الله وحده.

﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ…﴾ [الأنعام: 83]

5. النهي عن التحليل والتحريم من دون الله

في أواخر السورة، ترد الآيات التي تدحض الشبهات المتعلقة بالأنعام، وتفند التقسيمات الجاهلية مثل: البحيرة، السائبة، الوصيلة، الحام. وتُبين أن التحليل والتحريم من اختصاص الله وحده.

﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ…﴾ [الأنعام: 146]

6. منهج دعوي في عرض التوحيد

تظهر السورة أسلوبًا هادئًا متدرجًا في عرض قضية التوحيد، فتدعو إلى استخدام العقل، وتستعرض أدلة حسية وبصرية، وتنقض الباطل من أساسه، وتدعو إلى الإخلاص في العبادة.

خامساً: السمات الأسلوبية في سورة الأنعام

• أسلوب حواري عقلاني: تخاطب السورة العقول والقلوب معًا، وتعرض أدلتها بأسلوب استقرائي رصين يدعو إلى التفكير.

• تركيز على البراهين الكونية: استخدمت السورة المشاهد الكونية لتدعيم العقيدة، مثل الشمس والقمر والليل والنهار والخلق والنشور.

• مواجهة للشرك والخرافات الجاهلية: أبطلت السورة التحليلات والتحريمات الجاهلية، واعتبرت ذلك افتراءً على الله.

• التكرار لتأكيد المعنى: استخدمت السورة التكرار في عدد من المواضع لتوكيد الحقائق العقدية وغرسها في النفوس.

سادساً: جدول لمقاطع السورة الرئيسة

سابعاً: القيم المستخلصة من سورة الأنعام

• تحرير العقل من الخرافات: تحث السورة المسلمين على عدم اتباع العادات والمعتقدات الجاهلية دون علم.

• التأكيد على مركزية التوحيد: تؤكد السورة أن العقيدة الصحيحة لا تتحقق إلا بالإيمان بوحدانية الله وتنزيهه عن الشركاء.

• أهمية التفكر في الكون: تدعو السورة الإنسان إلى النظر في المخلوقات باعتبارها دلائل إيمانية.

• رفض التحريف والتشريع من دون الله: تدين السورة كل أنواع التحليل والتحريم التي لا تستند إلى وحي إلهي.

ثامناً: أثر سورة الأنعام في العقيدة الإسلامية

تمثل سورة الأنعام منظومة متكاملة في بناء العقيدة الإسلامية، وتُعد مرجعًا حاسمًا في الرد على الشرك بجميع صوره، كما تُرسي أسس التوحيد بأسلوب منطقي يتلاءم مع العقل البشري في مختلف العصور. وقد اعتنى بها الصحابة والتابعون، وأدرجوها ضمن سور العقيدة الثلاث مع سورتي الإسراء والنحل، لما فيها من تركيز على أصول الدين.

تاسعاً: أقوال المفسرين والعلماء حول السورة

• قال ابن عباس: “نزلت سورة الأنعام بمكة ليلاً ومعها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح”.

• وقال الإمام القرطبي: “سورة الأنعام أصل في التوحيد، وزجر عن الشرك، وهي من أعظم السور في تفنيد مزاعم المشركين”.

• أما الطبري، فعدّها من أعظم ما نزل من السور في بيان دلائل وحدانية الله.

عاشراً: خاتمة علمية للسورة

يمكن القول إن سورة الأنعام تشكل قاعدة أساسية من قواعد العقيدة الإسلامية، حيث خاطبت الفطرة والعقل، وسلكت مسارًا حجاجيًا متينًا لتثبيت وحدانية الله. لم تكتفِ بإقرار العقيدة، بل دعت إلى الالتزام العملي بها، فكان ختامها ملخصًا لمسؤولية الإنسان تجاه ربه وتجاه دينه:

﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ…﴾ [الأنعام: 161]

المصادر والمراجع:

1. تفسير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن.

2. تفسير ابن كثير، دار طيبة.