تعريف الإعلام لغة واصطلاحاً

مقدمة

يُعدّ الإعلام أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات الحديثة، إذ يمثل الوعاء الذي يُنقل من خلاله الفكر، وتتداول فيه المعرفة، وتتشكّل عبره الرؤى والتوجهات. وقد حظي الإعلام باهتمام واسع من قِبل الفلاسفة والمفكرين والمشتغلين في ميادين العلوم الإنسانية والاجتماعية منذ العصور القديمة، وحتى عصرنا الرقمي الحالي، حيث أصبح الإعلام قوة مؤثرة في توجيه الرأي العام وتشكيل الوعي الجمعي. لفهم هذا المفهوم الجوهري على نحو دقيق، من الضروري التطرق إلى تعريفه من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية، وبيان تطور دلالاته ووظائفه في السياقات المختلفة.

تعريف الإعلام لغة

من الناحية اللغوية، يُشتق لفظ “الإعلام” من الجذر الثلاثي “ع-ل-م”، وهو أصل لغوي يدل على الكشف والإظهار والإخبار. وقد ورد في لسان العرب أن “أَعلَمتُه بالأمر” تعني أخبرته به وجعلته على علم به. فالإعلام، بهذا المعنى، يُحيل إلى عملية إيصال المعرفة والمعلومة إلى المتلقي، أي أنه فعل يهدف إلى إزالة الجهل أو الغموض حول مسألة معينة.

وتشير صيغة “إعلام” إلى المصدر الرباعي للفعل “أعلَم”، مما يفيد التعدية؛ أي أن الشخص الذي يقوم بعملية الإعلام لا يكتفي بأن يكون عالماً هو، بل يُعْلِم غيره بما يعلم. وهذه الصيغة توضح البُعد التواصلي في الكلمة، إذ يتضمن الإعلام دائماً علاقة ثنائية بين مُعلِم ومُتلقٍ، حيث يُسهم الأول في نقل مضمون معرفي أو شعوري أو توجيهي للثاني.

تعريف الإعلام اصطلاحاً

أما في الاصطلاح، فقد شهد مفهوم الإعلام تطوراً تدريجياً ليشمل مجموعة من الأنشطة الاتصالية التي تهدف إلى نقل المعلومات والآراء والاتجاهات من جهة إلى أخرى عبر وسائل متعددة، بهدف الإخبار أو التوجيه أو التأثير في سلوك الأفراد والجماعات. ويأخذ الإعلام بعداً وظيفياً يتجاوز مجرد الإخبار، ليُصبح أداة للاتصال المنظم والمؤثر ضمن منظومة اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية.

وقد عرّفه العديد من الباحثين بتعريفات متنوعة، نذكر من بينها:

• الإعلام هو “نقل الأخبار والمعلومات والأفكار والآراء إلى الجمهور باستخدام وسائل وأساليب مختلفة، بهدف التأثير فيهم وتوجيههم”.

• الإعلام هو “نقل المعرفة من طرف إلى آخر، باستخدام أدوات الاتصال المناسبة، ضمن بيئة اجتماعية وثقافية معينة، وبقصد محدد قد يكون إعلامياً أو تعليمياً أو دعائياً”.

ويجمع أغلب التعريفات الحديثة للإعلام على أنه نشاط اجتماعي منظم يهدف إلى تبادل المعلومات والمعاني بين الأفراد والمجتمعات عبر وسائط متعددة تشمل الكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية، إضافة إلى الوسائل الرقمية المعاصرة.

الإعلام بين الإخبار والتأثير

يُفهم الإعلام ضمن مستويين رئيسيين: الإخبار والتأثير. فالمستوى الأول يتمثل في نقل المعلومة الصرفة بموضوعية، كالإخبار عن حدث وقع أو قرار اتُّخذ، وهو ما يُعرف بالإعلام الإخباري أو الإعلام الصريح. أما المستوى الثاني، فهو الأكثر عمقاً، حيث لا يكتفي الإعلام بتقديم المعلومة، بل يسعى إلى التأثير في آراء المتلقين وتوجيه سلوكهم وتشكيل مواقفهم، ويُطلق عليه الإعلام التوجيهي أو الإعلام التأثيري.

ويظهر هذا التوجه بشكل واضح في الإعلام السياسي والإعلام الدعائي والإعلام التجاري، حيث يُوظَّف الإعلام كوسيلة لإقناع الجمهور أو تسويقه نحو تبنّي توجهات محددة. وهنا تتجلى القوة الرمزية للإعلام، باعتباره ليس فقط ناقلاً للواقع، بل صانعاً له أحياناً.

تطور مفهوم الإعلام عبر العصور

الإعلام التقليدي

في المجتمعات القديمة، كان الإعلام يتم عبر الخطابة والمجالس والرسائل المكتوبة والقصص المنقولة شفهياً، وكان دور الإعلام مقصوراً على الإبلاغ والتوجيه الاجتماعي، وغالباً ما كان يُمارَس من قبل الحكام أو النخب الدينية والثقافية. ثم تطور مع ظهور الطباعة وانتشار الصحف في القرون الوسطى، مما أتاح نقل المعلومات إلى شرائح أوسع من المجتمع، وأسهم في خلق رأي عام أكثر استقلالية وتفاعلاً.

الإعلام الحديث

مع ظهور الإذاعة والتلفزيون في القرن العشرين، دخل الإعلام مرحلة جديدة من القوة والانتشار، حيث أصبح الوسيط قادراً على الوصول إلى جمهور واسع في وقت قصير، مما منح المؤسسات الإعلامية سلطة اجتماعية متزايدة. وترافق ذلك مع تطور نظريات الإعلام والاتصال الجماهيري التي درست تأثير الرسائل الإعلامية في الجمهور من زوايا متعددة، مثل نظرية الرصاصة السحرية، ونظرية الاستخدامات والإشباعات، ونظرية وضع الأجندة.

الإعلام الرقمي

أما الإعلام في العصر الرقمي، فقد أحدث نقلة نوعية في طبيعة الإعلام ذاته، إذ انتقل من الإعلام الأحادي الاتجاه إلى الإعلام التفاعلي، حيث أصبح الجمهور مشاركاً في صناعة الرسالة الإعلامية، لا مجرد متلقٍ سلبي لها. وترافق هذا التحول مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات التدوين، والإعلام المواطن، مما جعل من الإعلام مجالاً أكثر انفتاحاً وتنوعاً، ولكنه أيضاً أكثر عرضة للفوضى الإعلامية والأخبار الزائفة.

وظائف الإعلام

تتعدد وظائف الإعلام في المجتمعات المعاصرة، ومن أبرزها:

1. نقل المعلومات: وتُعدّ الوظيفة الأساسية للإعلام، حيث يُسهم في نقل الأحداث والأخبار والمستجدات إلى الجمهور.

2. التثقيف: يقوم الإعلام بتعزيز المعرفة لدى الأفراد من خلال البرامج الثقافية والتعليمية والتوعوية.

3. الترفيه: يؤدي الإعلام دوراً مهماً في توفير المحتوى الترفيهي الذي يُسهم في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي.

4. التنشئة الاجتماعية: يسهم الإعلام في بناء القيم والاتجاهات لدى الأفراد من خلال ما يقدمه من محتويات تمس الهوية واللغة والدين والثقافة.

5. المراقبة والمساءلة: في الأنظمة الديمقراطية، يؤدي الإعلام دوراً رقابياً على أداء السلطات والمؤسسات، ويُعدّ أحد أدوات الشفافية والمساءلة.

6. التوجيه والتأثير: يسعى الإعلام إلى التأثير في الرأي العام وتوجيهه نحو قضايا معينة أو دعم سياسات أو توجهات محددة.

الإعلام كأداة للسلطة والتغيير

لا يمكن فهم الإعلام بمعزل عن علاقته بالسلطة، سواء كانت سلطة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية. فالإعلام يُستخدم بوصفه أداة لإنتاج المعنى وتوجيه الإدراك، وهو ما جعله محط صراع دائم بين الفاعلين المختلفين في المجتمع. وفي الوقت نفسه، يمكن للإعلام أن يكون قوة تغيير اجتماعي إذا استُخدم لنشر الوعي وتمكين الأفراد من المشاركة الفاعلة في قضاياهم.

وقد شهد العالم العديد من الأمثلة التي لعب فيها الإعلام دوراً محورياً في التغيير السياسي والاجتماعي، كما حدث خلال ثورات الربيع العربي، أو في الحملات العالمية لمناهضة العنصرية والتمييز. كما يُستخدم الإعلام في حملات التوعية الصحية والبيئية والحقوقية، مما يعزز من قدرته على بناء المجتمعات وتعزيز رفاهها.

الإعلام ومشكلات المصداقية

رغم الأهمية الكبرى للإعلام، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالمصداقية والموضوعية، خاصة في ظل انتشار ما يُعرف بـ”الصحافة الصفراء” والإعلام الموجَّه والدعاية المموّلة. وقد أدّى هذا الوضع إلى تنامي مشاعر الشك وعدم الثقة لدى الجمهور تجاه كثير من الوسائل الإعلامية، لا سيما مع تصاعد الأخبار الكاذبة والمضللة في البيئات الرقمية.

ولتجاوز هذه التحديات، ظهرت دعوات عديدة إلى تعزيز أخلاقيات الإعلام، وتطوير التشريعات التي تضمن حرية التعبير مع احترام الضوابط المهنية، بالإضافة إلى دعم الإعلام المستقل وغير الربحي الذي يركز على خدمة الحقيقة والمصلحة العامة.

الإعلام في البيئة الرقمية المعاصرة

تتسم البيئة الإعلامية المعاصرة بتعدد المصادر وسرعة تدفق المعلومات وتداخل الأدوار بين المنتج والمستهلك للمحتوى. وقد أدى هذا التحول إلى ظهور مفاهيم جديدة مثل الإعلام التشاركي، والإعلام المواطن، والتسويق بالمحتوى، والذكاء الاصطناعي في الإعلام، مما يُحتم إعادة النظر في تعريف الإعلام وتحديد طبيعته ووظائفه.

وفي هذا السياق، أصبح الفرد العادي قادراً على ممارسة أدوار إعلامية عبر حساباته الشخصية، مما عزّز من الديمقراطية الإعلامية من جهة، وأوجد تحديات متعلقة بالصحة المعلوماتية من جهة أخرى، كصعوبة التحقق من المصادر، وانتشار الفبركات الإعلامية، وتضخيم الأحداث الصغيرة.

الفرق بين الإعلام والاتصال

من المهم التمييز بين مصطلحي “الإعلام” و”الاتصال”، على الرغم من تقاطعهما. فالاتصال أوسع نطاقاً من الإعلام، إذ يشير إلى كل عملية تبادل للرسائل بين الأفراد أو المجموعات، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، لفظية أو غير لفظية. أما الإعلام، فهو شكل محدد من أشكال الاتصال، يركّز على نقل المعلومات للجمهور عبر وسائل مؤسسية أو تكنولوجية.

جدول يوضح الفرق بين الإعلام والاتصال:

الخلاصة

يُعد الإعلام أحد الركائز الأساسية في بناء المجتمعات، إذ لا يمكن تصور حياة اجتماعية أو سياسية أو ثقافية متماسكة دون وجود إعلام فعّال وشفاف. ومن خلال استعراض تعريف الإعلام لغة واصطلاحاً، وتطور مفاهيمه ووظائفه، يتضح أن الإعلام تجاوز كونه مجرد وسيلة لنقل الأخبار، ليُصبح قوة ناعمة مؤثرة في الوعي الجمعي وصناعة القرار وتوجيه السلوك. ومع تطور التكنولوجيا وتعدد الوسائط، بات من الضروري تعزيز الوعي الإعلامي لدى الأفراد، وتطوير السياسات التي تضمن حرية الإعلام ومصداقيته، بما يحقق التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الاجتماعية.

المراجع:

1. حسن عماد مكاوي، “الإعلام وفن الاتصال الجماهيري”، دار الفجر، القاهرة، 2005.

2. عبد الكريم ناصيف، “أسس الإعلام”، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1999.