تعداد الجيش الصيني: قوة بشرية ضخمة ونفوذ عسكري متصاعد

يُعد الجيش الصيني، أو ما يُعرف رسميًا بـ”جيش التحرير الشعبي الصيني” (People’s Liberation Army – PLA)، من أكبر وأقوى الجيوش على مستوى العالم، من حيث عدد الجنود والإمكانات التكنولوجية والاستراتيجية. يعود تأسيس هذا الجيش إلى الأول من أغسطس عام 1927، وقد مرّ منذ ذلك الحين بتحولات هيكلية وتكنولوجية عميقة مكنته من التحول من قوة شبه عسكرية تقليدية إلى مؤسسة عسكرية حديثة ذات قدرات نووية وفضائية وسيبرانية متقدمة.

التركيبة العامة لجيش التحرير الشعبي الصيني

يتكون جيش التحرير الشعبي من خمسة فروع رئيسية:

1. القوات البرية (PLA Ground Force)

2. القوات البحرية (PLA Navy)

3. القوات الجوية (PLA Air Force)

4. قوة الدعم الاستراتيجي (Strategic Support Force)

5. قوة الصواريخ (Rocket Force)

كل فرع من هذه الفروع يمتلك هيكلًا تنظيميًا مستقلًا نسبيًا، ويخضع لإشراف اللجنة العسكرية المركزية (CMC)، وهي أعلى هيئة عسكرية في الصين يترأسها رئيس الدولة.

التعداد البشري للجيش الصيني

يبلغ العدد الإجمالي لأفراد جيش التحرير الشعبي الصيني حوالي 2 مليون جندي في الخدمة الفعلية، مما يجعله أكبر جيش في العالم من حيث عدد الجنود النظاميين. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الصين قوة احتياطية تقدر بحوالي 510,000 جندي احتياطي، إلى جانب ميليشيات مدنية يبلغ قوامها قرابة 8 ملايين فرد يمكن تعبئتهم في حالات الطوارئ.

هذا التعداد الكبير يمثل عنصرًا حيويًا في الاستراتيجية الدفاعية الصينية، إذ يمكّن بكين من المحافظة على توازن استراتيجي في مواجهة القوى الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة، كما يدعم مشاريعها الإقليمية والعالمية.

التوزيع الجغرافي والقيادات العسكرية

جيش التحرير الشعبي الصيني مقسم إلى خمس قيادات مسرحية جغرافية (Theater Commands) هي:

1. قيادة المسرح الشرقي: تركز على بحر الصين الشرقي، وتعد مسؤولة عن الردع والتعامل مع ملف تايوان.

2. قيادة المسرح الجنوبي: تغطي بحر الصين الجنوبي، وتدير النزاعات الإقليمية مع الدول المجاورة كفيتنام والفلبين.

3. قيادة المسرح الغربي: تشمل التبت وشينجيانغ، وهي منطقة استراتيجية من حيث الحدود مع الهند وباكستان وأفغانستان.

4. قيادة المسرح الشمالي: تُعنى بالعلاقات مع روسيا وكوريا الشمالية، وتُعد نقطة مراقبة لشرق آسيا.

5. قيادة المسرح المركزي: تشمل العاصمة بكين وتضطلع بدور الدفاع عن مراكز الحكم والبنية التحتية الوطنية الحيوية.

هذا التقسيم يمكّن الجيش من الاستجابة بمرونة للتحديات الإقليمية، وتنسيق العمليات عبر جبهات متعددة بكفاءة عالية.

التجنيد والخدمة العسكرية

في الصين، الخدمة العسكرية إلزامية قانونيًا، إلا أن النظام القائم فعليًا يعتمد على التطوع نظرًا لحجم السكان الهائل، حيث يُمكن للقوات المسلحة اختيار المجندين دون الحاجة إلى فرض التجنيد الإجباري على نطاق واسع.

مدة الخدمة تختلف باختلاف الفرع العسكري، لكن عمومًا تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات في القوات البرية، مع إمكانيات التمديد حسب الحاجة أو الرغبة. تركز برامج التدريب على الانضباط الصارم، والتعليم الأيديولوجي، والمهارات التقنية، خصوصًا مع اتجاه الصين نحو جيش عالي التكنولوجيا.

تطور البنية التحتية التكنولوجية والعسكرية

في العقود الأخيرة، شهد الجيش الصيني تحديثًا شاملاً في معداته ومنظوماته، بتوجيه من سياسة الرئيس الصيني شي جين بينغ التي تهدف إلى تحويل الجيش إلى قوة “عالمية الطراز” بحلول عام 2049، ذكرى مرور مئة عام على تأسيس جمهورية الصين الشعبية.

تشمل جهود التحديث:

• تحسين نظام القيادة والسيطرة

• تحديث الدبابات والمركبات المدرعة

• تطوير الأسلحة الذكية والطائرات المسيّرة

• تعزيز القدرات السيبرانية والفضائية

• تطوير أنظمة صواريخ باليستية مضادة للسفن والطائرات

وقد انعكس هذا التقدم في تطوير مقاتلات مثل J-20 الشبحية، وصواريخ DF-21D وDF-26 التي توصف بـ”قاتلات حاملات الطائرات”، وكذلك التوسع في أسطول حاملات الطائرات الصينية.

الإنفاق العسكري وديناميكية النمو

بلغ الإنفاق العسكري الصيني لعام 2024 قرابة 225 مليار دولار أمريكي، مما يجعل الصين ثاني أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة. يعكس هذا الإنفاق الضخم مدى التزام بكين بتطوير جيشها ليكون قادراً على تحقيق أهداف السياسة الخارجية وحماية مصالحها الاقتصادية المتنامية.

دور الجيش الصيني في السياسة والاستراتيجية

يشكل جيش التحرير الشعبي الصيني أحد أبرز أعمدة الحكم في الدولة، ويخضع مباشرة للجنة العسكرية المركزية التي يرأسها الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، أي أن الجيش يُعد أداة للحزب وليس للدولة فقط، وهذا يميز النظام الصيني عن الأنظمة العسكرية في الدول الغربية.

كما يُوظف الجيش الصيني كأداة سياسية، سواء من خلال المناورات في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي، أو عبر إظهار القوة في القمم الدولية والعمليات الإنسانية والإغاثية. هذا الاستخدام المتعدد الأوجه للقوة العسكرية يُمكّن بكين من فرض حضورها على الساحة الدولية دون الدخول في صراعات مباشرة.

العمليات الخارجية والنفوذ العالمي

رغم أن الصين تتبنى سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إلا أن الجيش الصيني بدأ في توسيع انتشاره العالمي، خصوصًا في:

• القرن الإفريقي: حيث أقامت بكين قاعدة عسكرية في جيبوتي، وهي أول قاعدة صينية خارجية رسمية.

• عمليات حفظ السلام: تُعد الصين من أكبر المساهمين في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

• المساعدات الإنسانية والإغاثة: تنخرط القوات الصينية في جهود الإغاثة الدولية، خصوصًا في حالات الكوارث.

كل هذه المؤشرات تدل على أن الجيش الصيني لم يعد قوة دفاعية محلية فحسب، بل أصبح جزءًا من استراتيجية عالمية للصين تهدف إلى تعزيز نفوذها ومكانتها الدولية.

التحديات المستقبلية

رغم هذا النمو السريع، يواجه الجيش الصيني تحديات استراتيجية متعددة، أبرزها:

• التوازن بين التوسع السريع والانضباط الداخلي

• تفاوت الكفاءة والجاهزية القتالية بين الوحدات

• الحاجة إلى تدريب كوادر على التكنولوجيا الحديثة

• الضغوط الإقليمية مع الدول المجاورة

كما أن البيئة الجيوسياسية المحيطة، مثل التوتر مع الولايات المتحدة حول تايوان والبحر الجنوبي، تفرض على الصين تحديات مستمرة فيما يتعلق بتحديد أولوياتها الدفاعية وتوزيع مواردها العسكرية.

العلاقة بين الجيش والمجتمع الصيني

يشكل الجيش جزءًا محوريًا في الهوية الوطنية الصينية، ويُعتبر مصدر فخر وطني. تروّج السلطات لصورته من خلال وسائل الإعلام، والأفلام، والاحتفالات العسكرية الضخمة التي تُنظم في المناسبات الوطنية. كما يتم التركيز على دوره في “تحقيق الحلم الصيني” لبناء أمة قوية ومزدهرة.

الختام

يُعتبر جيش التحرير الشعبي الصيني اليوم أحد أعمدة القوة العالمية الجديدة، حيث يمتلك تعدادًا بشريًا هائلًا، وقدرات تكنولوجية متقدمة، واستراتيجية توسعية تنسجم مع صعود الصين على الساحة الدولية. ومع تطور قدراته على الصعيد البري والبحري والجوي والفضائي، يُتوقع أن يلعب الجيش دورًا أكبر في صياغة معادلات الأمن الإقليمي والدولي خلال العقود القادمة.

المراجع

1. The Military Balance 2024 – International Institute for Strategic Studies (IISS)

2. China Power Project – Center for Strategic and International Studies (CSIS)