الجبار: قدرة الله ورحمته

اسم الله الجبار: تأملات في المعنى والجوهر

يعدّ اسم الله “الجبار” من الأسماء الحسنى التي تحمل في طياتها عمقاً روحياً ودلالات معنوية عظيمة. فهو من الأسماء التي تتناغم مع طبيعة الإنسان في مسعاه للبحث عن العظمة والقدرة، ولكنه يختلف عن غيره من الأسماء في أنه يُبرز القوة التي لا تُقهر، والقدرة التي لا تُحدّ. إن هذا الاسم يُعبّر عن إحدى صفات الله جل جلاله، وتلك الصفة تتجسد في عظمتها في خلق الله، وحكمته، ورأفته، وفضله.

المعنى اللغوي لاسم “الجبار”

الجبار في اللغة العربية يأتي من الجذر “جبر” والذي يعني الإصلاح أو الترميم. وعندما يُضاف إليه حرف اللام في “الجبار”، يكتسب المعنى الذي يشير إلى القوة والسيطرة التامة. يُطلق اسم “الجبار” على من له القوة التي لا تُقهر، ويُقدّر القدرة التي لا تحدّ، سواء في إصلاح شيء مكسور أو في السيطرة على الكون بكامله.

من هنا، تتضح المعاني العميقة المرتبطة بهذا الاسم. فالله سبحانه وتعالى هو الجبار الذي يملك القدرة على إصلاح الأمور التي عجز عنها البشر، بل وله القدرة على تسيير الكون وتوجيهه حسب مشيئته دون أن يعترضه أحد.

دلالات اسم الله “الجبار” في القرآن الكريم

ظهر اسم “الجبار” في العديد من الآيات القرآنية الكريمة، حيث أشار القرآن إلى أن الله هو “الجبار” الذي لا تُقهر إرادته. ويعدّ هذا الاسم من الأسماء التي تُعبر عن صفة من صفات الله المتعلقة بالقوة والقدرة. في القرآن الكريم، نجد أن هذه الصفة لا تقتصر فقط على القوة المدمرة أو السلبية، بل تتجلى أيضاً في جانب من جوانب العطف والرحمة والعدالة.

من الآيات التي ورد فيها اسم “الجبار” قوله تعالى:
“إِنَّ اللّهَ جَبَّارٌ عَزِيزٌ” (الحديد: 25). هنا، يُظهر الله عز وجل نفسه في عظمة جبروته وحكمته، ويُطمئن المؤمنين بأن قوتهم وحمايتهم في يدٍ أمينة، فهو الجبار القادر على جبر الكسر في نفوس عباده، ويراعي ضعفهم.

وفي آية أخرى وردت في الحديث القدسي:
“أنا الجبار، وقلبي بين إصبعين من أصابعي”، والتي تعكس تمامًا عظمة قدرة الله في فرض إرادته على كل شيء، بدءًا من خلق الإنسان حتى أبسط الظواهر الكونية. وتُظهر هذه الآية أن كل شيء يقع في دائرة السيطرة الإلهية التي لا تُسلب ولا تُناقش.

الجبار: القوة والتصريف

إن صفة “الجبار” تتجلى في قدرة الله في تدبير شؤون الكون. فالكون بما فيه من كواكب ونجوم وأجرام سماوية يتنظم وفقاً لإرادة الله وتقديره، ولا شيء يحدث دون علمه وتوجيهه. هذه القوة تُعدّ من أبرز دلالات اسم “الجبار”، فهي ليست مجرد قدرة مدمرة، بل هي قدرة موجهة لتحقيق غايات كونية وحكمة إلهية.

الجبار في هذا المعنى ليس مجرد مهيمن متسلط بل هو مصحح للأوضاع وموجه للعقول والأحداث. وهو في هذا السياق يظهر كالطبيب الذي يملك الأدوات اللازمة لشفاء الأمراض، سواء كانت هذه الأمراض جسمية أو نفسية أو حتى اجتماعية. قدرة الله على إصلاح الأمور المعوجة وتوجيه الناس إلى الصواب تتجسد في هذا الاسم الكريم.

الجبار: من الجبر إلى الرحمة

على الرغم من أن اسم “الجبار” قد يُفهم خطأ على أنه يرتبط بالقسوة أو التسلط، إلا أن المتأمل في هذا الاسم يدرك أن “الجبار” في سياقه الإلهي ليس سوى صفة تتسم بالعطف والرحمة التي لا يعرفها البشر. إن “جبر” الشيء يعني إصلاحه، ولذا فالله جل جلاله “جبار” بمعنى أنه قادر على إصلاح الأوضاع الكونية، وكل ما يختل في هذا العالم يعود إلى مشيئته وقدرته على إعادته إلى وضعه السليم.

في الحديث النبوي الشريف، نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر عن الله عز وجل أنه “جبر” القلوب الجريحة. وإذا تأملنا في هذا المعنى العميق، فإننا ندرك أن الله جل جلاله لا يمارس سلطته بظلم أو قسوة، بل يجبر ما انكسر من قلوب عباده، ويعيد لهم الأمل بعد كل محنة.

الجبار في مواجهة العجز البشري

إن اسم “الجبار” يشير أيضاً إلى تذكير البشر بعجزهم عن التأثير على الأحداث الكبرى أو السيطرة على مجريات الأمور. الإنسان في ضعفه محدود، وهو في حاجة دائمة إلى من يعينه ويرشده، والله تعالى هو “الجبار” الذي لا يُقهر، والذي يملك القدرة على تغيير مجرى الأحداث بكلمة واحدة. ومن هنا، فإن هذا الاسم يُحفّز المؤمن على الثقة في الله، حيث إنه الجبار الذي يقدر على تغيير كل شيء وتوجيهه بما يحقق صالح العباد.

الجبار في التربية الروحية

تعدّ معرفة المؤمن بصفات الله الحسنى، ومنها صفة “الجبار”، مدخلاً أساسياً للتربية الروحية. فعندما يتذكر الإنسان أن الله هو الجبار، فإنه يعترف بعجزه عن تحمّل كل الأعباء بمفرده، ويعي أنه في حاجة مستمرة إلى الاستعانة بالله في شتى أموره.

يُعلم هذا الاسم المسلم التواضع، ويُعيده إلى موقعه الطبيعي كعبدٍ ضعيف أمام قدرة الله. في الوقت نفسه، يعزز هذا الوعي في المؤمن الإيمان بأن الله قادر على جبر كل ما ينكسر في حياته من آمال أو أشياء مادية، وأنه سبحانه وتعالى يستطيع أن يعيد له توازنه النفسي والمعنوي في لحظات الضعف.

الجبار والعدل الإلهي

لا تقتصر عظمة الله الجبار على كونه قويًا، بل تتجلى قوته في كونه عادلاً. قد يُفهم من الجبروت أحيانًا أنه تسلط من غير حساب، لكن العظمة في أن جبروت الله مرتبط بالعدل الإلهي الذي لا يعامل به عباده إلا بالحق. وهذا يرسخ في قلوب المؤمنين الطمأنينة بأن الله هو العادل الذي لا يظلم أحدًا، وإنما يحكم بما يحقق المصلحة العامة.

إن العدل الإلهي يبرز في تصرفات الله تجاه خلقه، ففي تعامله مع عباده، هو جبار لكنه لا يظلم. بل يُعطي كل ذي حق حقه، ويُعوض من ظلم نفسه بما هو خير. هذه العدالة تعكس قدرة الله الجبار على إصلاح أوضاع البشر، وتوجيههم إلى أفضل السبل وأعدلها.

الجبار في عالم الشفاء والتعافي

يُبرز اسم “الجبار” أيضًا جانبًا من جوانب الشفاء، فالله جل جلاله هو الجبار الذي يلتئم به جروح العباد، سواء كانت هذه الجروح جسدية أو نفسية أو روحانية. إن الله في هذا السياق لا يُظهر نفسه فقط كقوة مدمرة، بل أيضًا كقوة شافية تعيد للأشياء توازنها، وللنفوس طمأنينتها. فكلما أحس الإنسان بالعجز أو الألم، كان ذكر الله الجبار هو المصدر الأكبر للراحة والسكينة.

الخاتمة

اسم “الجبار” هو من الأسماء التي تُظهر قدرة الله اللامحدودة على السيطرة والتوجيه والعدل. هذه القدرة ليست مجرد قوة فحسب، بل هي قوة ذات أبعاد من الرحمة والعدل، وهو يعكس في كل معانيه سعة عطف الله على عباده ورؤيته العميقة لاحتياجاتهم. بالتالي، يصبح ذكر هذا الاسم في حياة المسلم وسيلة للشعور بالأمان والثقة بأن الله هو الجبار القادر على إصلاح كل شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.