تصورات خاطئة عن التقييم

تصورات خاطئة عن تقييم البرنامج: حقيقة الأمر وأسباب الفهم الخاطئ

تقييم البرامج هو عملية أساسية لضمان فاعلية أي مشروع أو برنامج، سواء كان في التعليم، الصحة، التنمية المجتمعية، أو حتى في المجالات التجارية والإدارية. يتمثل الهدف من التقييم في قياس مدى تحقيق الأهداف المحددة، تحديد التحديات والعوائق، ومن ثم اتخاذ القرارات اللازمة لتحسين الأداء. إلا أن هناك العديد من التصورات الخاطئة التي تحيط بفهم هذا المفهوم. يمكن أن تؤدي هذه التصورات الخاطئة إلى سوء استخدام التقييم أو حتى إلى تجاهله تمامًا، مما يحد من فاعلية البرامج بشكل عام. في هذا المقال، سنتناول بعض من هذه التصورات الخاطئة ونوضح الحقيقة وراء كل منها.

1. التقييم هو مجرد تقييم للأداء النهائي فقط

من أبرز المفاهيم المغلوطة حول التقييم هو اعتقاد البعض بأنه يجب أن يتم فقط بعد اكتمال تنفيذ البرنامج أو المشروع. يعتقد البعض أن التقييم لا يعدو كونه عملية قياس للأداء النهائي للمشروع بعد انتهائه، ولكن هذا غير دقيق. في الحقيقة، التقييم هو عملية مستمرة يمكن أن تبدأ حتى قبل تنفيذ البرنامج، وذلك لتحديد المؤشرات والمعايير التي سيتم القياس بناءً عليها. كما يمكن أن يتم التقييم أثناء تنفيذ البرنامج من خلال المراجعات الدورية لتحديد ما إذا كانت الأهداف قد تم تحقيقها بالفعل أم لا.

التقييم المستمر يساعد في اكتشاف المشكلات في وقت مبكر، مما يوفر فرصًا لتحسين الأداء وتعديل المسار قبل أن تصبح المشكلة أكبر. ولهذا السبب، يمكن أن يكون التقييم في مراحل مختلفة من البرنامج أكثر فاعلية من التقييم الذي يحدث في النهاية فقط.

2. التقييم هو مسؤولية القائمين على البرنامج فقط

تصور آخر خاطئ يتعلق بالتقييم هو أن القائمين على البرنامج وحدهم هم المسؤولون عن إجراء التقييم. يعتقد البعض أن التقييم يتطلب فقط تقييم الأداء من قبل الفرق التي تدير البرنامج. ولكن الحقيقة أن التقييم عملية تشاركية ويجب أن يشمل جميع الأطراف المعنية بالبرنامج.

على سبيل المثال، في البرامج التعليمية أو التدريبية، يجب أن يكون المتعلمون أنفسهم جزءًا من عملية التقييم، بحيث يتم جمع ملاحظاتهم حول العملية التعليمية وأثرها عليهم. كما يجب إشراك المستفيدين من البرامج في التقييم ليعبروا عن تجربتهم ومدى استفادتهم من البرنامج. هذه المشاركة يمكن أن توفر بيانات دقيقة وواقعية تعكس صورة حقيقية عن نجاح البرنامج.

3. التقييم يجب أن يكون معقدًا وموارد مالية ضخمة

هناك تصور خاطئ شائع بأن التقييم يتطلب موارد ضخمة سواء من حيث المال أو الوقت. يعتقد البعض أن إجراء تقييم شامل يتطلب ميزانية كبيرة وتخطيط معقد. لكن هذا ليس صحيحًا دائمًا. في الواقع، يمكن أن تكون عمليات التقييم بسيطة وفعالة إذا تم التخطيط لها بشكل صحيح.

عندما يتم استخدام أدوات تقييم مبسطة مثل الاستبيانات، المقابلات الشخصية أو مجموعات التركيز (focus groups)، يمكن جمع المعلومات القيمة دون الحاجة إلى ميزانية ضخمة أو تعقيد إداري. الأهم من ذلك هو أن التقييم يجب أن يكون مصممًا ليناسب أهداف البرنامج وموارده المتاحة.

4. التقييم يقتصر على القياس الكمي فقط

من الأفكار المغلوطة الأخرى هو الاعتقاد بأن التقييم يجب أن يقتصر فقط على المقاييس الكمية مثل الأرقام والبيانات الإحصائية. في الواقع، التقييم الجيد يجب أن يشمل أيضًا الجوانب النوعية. فالمقاييس الكمية قد توضح مدى تحقيق الأهداف بنسب مئوية، لكنها لا تعكس دائمًا التجربة الإنسانية أو التغيرات الاجتماعية العميقة التي قد يحدثها البرنامج.

على سبيل المثال، في البرامج الاجتماعية التي تهدف إلى تحسين صحة المجتمع، يمكن أن تساهم المقابلات مع المشاركين أو القصص الشخصية في فهم التأثير العاطفي والنفسي للبرنامج. وبالتالي، فإن التقييم الذي يجمع بين البيانات الكمية والنوعية يوفر صورة أكثر شمولية ودقة عن تأثير البرنامج.

5. التقييم يقتصر على تحديد نجاح أو فشل البرنامج

يعتقد البعض أن التقييم يجب أن يحدد بشكل قاطع ما إذا كان البرنامج قد نجح أو فشل. لكن التقييم في الواقع هو عملية تحليلية تهدف إلى فهم أبعاد مختلفة لنجاح أو فشل البرنامج. بدلاً من الاكتفاء بإصدار حكم نهائي، يوفر التقييم فهماً أعمق لنجاحات البرنامج وتحدياته، ويقدم توصيات للتحسين في المستقبل.

على سبيل المثال، قد ينجح برنامج تدريبي في زيادة المهارات التقنية للمشاركين ولكنه قد يفشل في تحفيزهم لاستخدام تلك المهارات في حياتهم العملية. التقييم هنا لا يعني فشل البرنامج بالكامل، بل يعكس جوانب معينة يمكن تحسينها.

6. التقييم هو مجرد تقرير مكتوب في النهاية

غالبًا ما يظن البعض أن التقييم هو عبارة عن كتابة تقرير مفصل في النهاية، ومن ثم رفعه للإدارة أو المعنيين. إلا أن التقييم هو أكثر من مجرد تقرير مكتوب، إنه عملية تفاعلية تشمل جمع البيانات، تحليلها، وتقديم التوصيات بناءً على نتائج التحليل. التقارير المكتوبة هي جزء من التقييم، لكنها لا تمثل جوهر العملية. الأهم هو كيفية استخدام نتائج التقييم في تحسين الأداء المستقبلي للبرنامج.

7. التقييم يخص البرامج الكبرى فقط

هناك فكرة خاطئة مفادها أن التقييم يقتصر فقط على البرامج الكبرى أو المشاريع الضخمة التي تحتاج إلى مراقبة دقيقة ومعايير قياس متعددة. لكن التقييم هو أداة أساسية لجميع البرامج والمشاريع، بغض النظر عن حجمها. حتى المشاريع الصغيرة أو المبادرات المحلية بحاجة إلى تقييم لضمان تحقيق الأهداف المرجوة وتحقيق الفائدة للمستفيدين.

8. التقييم هو عملية نهائية وليست مستمرة

أحد التصورات الخاطئة المنتشرة هو أن التقييم هو عملية تحدث مرة واحدة في دورة حياة البرنامج. في الواقع، يجب أن يكون التقييم عملية مستمرة تواكب تطور البرنامج. يمكن أن يكون التقييم في المراحل المختلفة من البرنامج مفيدًا جدًا لتعديل الخطط التشغيلية وتصحيح الأخطاء قبل أن تؤثر على مخرجات البرنامج بشكل أكبر.

خلاصة

من خلال تصحيح هذه التصورات الخاطئة، يمكن للمؤسسات والفرق المعنية بالبرامج الاستفادة بشكل أفضل من عمليات التقييم. من المهم أن نفهم أن التقييم ليس مجرد عملية إحصائية أو أداة لقياس النجاح والفشل، بل هو عملية مستمرة وشاملة تهدف إلى تحسين البرامج بشكل دائم، مما يضمن تحقيق الأهداف بشكل فعال ويخدم المستفيدين في نهاية المطاف.