تصنيف أنواع البحوث التربوية

تصنيف البحوث التربوية

تعتبر البحوث التربوية جزءًا أساسيًا من مجال التعليم، فهي الأداة التي يمكن من خلالها تطوير وتحديث النظام التعليمي بما يتناسب مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية والعلمية. تشكل البحوث التربوية مرجعية علمية مهمة تساعد في تحسين عمليات التعليم والتعلم، وتوفر استراتيجيات وتقنيات تساهم في حل المشكلات التعليمية التي يواجهها المعلمون والطلاب في مختلف أنحاء العالم. ولذا فإن تصنيف البحوث التربوية يعد أمرًا أساسيًا لفهم طبيعة وأهداف هذه البحوث وكيفية تطبيقها.

1. التصنيف حسب الهدف

أحد الأسس المهمة لتصنيف البحوث التربوية يتمثل في الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه. في هذا السياق، يمكن تقسيم البحوث التربوية إلى عدة أنواع:

• البحوث الأساسية: تهدف إلى اكتشاف المبادئ والنظريات التربوية دون التركيز المباشر على التطبيقات العملية. تسعى هذه البحوث إلى توسيع قاعدة المعرفة المتعلقة بالتعليم والتعلم. وغالبًا ما تتعلق بدراسة الأسس النظرية التي تشرح العمليات التعليمية والظواهر المتعلقة بها.

• البحوث التطبيقية: تركز هذه البحوث على كيفية تطبيق النظريات التربوية في الواقع العملي. قد تتعلق بتطوير أساليب تدريس جديدة، أو تقنيات تعليمية مبتكرة، أو استراتيجيات لتحسين بيئات التعلم. من خلال هذا النوع من البحوث، يسعى الباحثون إلى حل مشكلات تعليمية معينة أو تحسين عملية التعليم في بيئات محددة.

• البحوث التفسيرية: تستهدف هذه البحوث تحليل وفهم الظواهر التعليمية الموجودة في الواقع. على سبيل المثال، قد يدرس الباحثون سلوكيات الطلاب داخل الصفوف الدراسية أو يحللون تأثير المتغيرات الاجتماعية والثقافية على العملية التعليمية. تساهم هذه البحوث في توفير رؤى عميقة حول كيفية تأثير العوامل المختلفة في التعليم.

• البحوث التطويرية: تتعلق بتطوير أساليب وأدوات تعليمية مبتكرة بناءً على الأبحاث الأساسية والتطبيقية. يمكن أن تشمل هذه البحوث تطوير مناهج دراسية جديدة، تقنيات تكنولوجية لتحسين التعليم، أو أدوات تقويم جديدة لمتابعة تقدم الطلاب.

2. التصنيف حسب المجال

من الممكن تصنيف البحوث التربوية وفقًا للمجال الذي تغطيه. ويشمل هذا التصنيف المجالات التالية:

• البحوث في مجال المناهج: تركز هذه البحوث على تطوير وتحليل المناهج الدراسية، وأهدافها، وأسلوب تدريسها، وكيفية تكييفها لتلبية احتياجات الطلاب المختلفة. يهتم هذا النوع من البحوث بتحديد الفجوات في المناهج الدراسية الحالية واقتراح طرق جديدة لتحسينها.

• البحوث في مجال التعليم الخاص: تهتم هذه البحوث بدراسة احتياجات الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، سواء كانت إعاقات جسدية، عقلية أو تعلمية، وتطوير استراتيجيات تدريس تتناسب مع هؤلاء الطلاب. تسعى هذه البحوث إلى تعزيز فهم المعلمين لاحتياجات هؤلاء الطلاب وتوفير بيئات تعليمية ملائمة.

• البحوث في مجال التعليم العالي: تركز هذه البحوث على دراسة التعليم في الجامعات والكليات، بما في ذلك الأساليب التعليمية، جودة التعليم، وتقييم أداء المؤسسات التعليمية. كما يتم التركيز على كيفية تحسين العلاقة بين الطلاب والأساتذة وطرق تحسين مخرجات التعليم العالي.

• البحوث في مجال تعليم المعلمين: تهدف هذه البحوث إلى تحسين برامج إعداد المعلمين وتطوير مهاراتهم. تشمل هذه الدراسات طرق تدريس المعلمين، تنمية مهاراتهم التربوية، والتأكد من توافر أدوات وموارد التعليم اللازمة لهم.

3. التصنيف حسب المنهجية

إحدى الطرق الأخرى لتصنيف البحوث التربوية هي من خلال المنهجية التي تتبعها. وفقًا لهذا التصنيف، يمكن تقسيم البحوث التربوية إلى الأنواع التالية:

• البحوث الكمية: تعتمد على جمع البيانات الرقمية وتحليلها باستخدام أدوات رياضية وإحصائية. في هذه البحوث، يتم جمع البيانات من خلال الاستبيانات، الاختبارات المعيارية، أو الدراسات التجريبية التي تهدف إلى قياس المتغيرات بشكل موضوعي. يساعد هذا النوع من البحوث في تقديم نتائج يمكن تعميمها على نطاق واسع.

• البحوث النوعية: تهدف هذه البحوث إلى دراسة الظواهر التعليمية من منظور عميق وشخصي. يستخدم الباحثون في هذا النوع من البحوث تقنيات مثل المقابلات الفردية، الملاحظة، والمجموعات النقاشية للحصول على معلومات غنية وذات طابع وصفى عن الفئات المستهدفة. تركز هذه البحوث على فهم السياقات الفردية وعمليات التعلم بشكل أكثر تفصيلًا.

• البحوث المختلطة: يجمع هذا النوع من البحوث بين المنهجية الكمية والنوعية. إذ يستخدم الباحثون أساليب جمع بيانات من كلا النوعين (الكمية والنوعية) للحصول على نتائج شاملة ومتعددة الأبعاد. يساعد هذا التصنيف في تحقيق توازن بين الدقة الموضوعية التي توفرها البحوث الكمية والعمق التفصيلي الذي توفره البحوث النوعية.

4. التصنيف حسب الزمان

يمكن أيضًا تصنيف البحوث التربوية وفقًا للزمن الذي يتم فيه جمع البيانات ودراستها. على هذا النحو، تنقسم البحوث إلى:

• البحوث الطولية: تدرس هذه البحوث ظاهرة تعليمية على مدار فترة زمنية طويلة. الهدف منها هو ملاحظة التغيرات والاتجاهات التي تحدث بمرور الوقت، مثل دراسة تأثير طريقة تدريس معينة على الطلاب على مدار عدة سنوات.

• البحوث العرضية: تركز هذه البحوث على دراسة الظواهر التعليمية في لحظة معينة أو فترة زمنية قصيرة. يمكن أن تشمل هذه الدراسات قياس أداء الطلاب في امتحانات معينة أو تقييم فعالية برنامج تدريبي تم تطبيقه مؤخرًا.

5. البحوث التربوية الميدانية

تشير البحوث التربوية الميدانية إلى البحوث التي تتم في المدارس أو المؤسسات التعليمية المختلفة. يتم جمع البيانات في هذه البحوث من البيئة التعليمية الحقيقية وليس في المختبرات أو البيئات التجريبية. وتعتبر هذه البحوث هامة لأنها توفر نتائج قابلة للتطبيق على الواقع التعليمي الفعلي.

6. البحوث في التكنولوجيا التعليمية

التكنولوجيا التعليمية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من أي بحث تربوي حديث. تسعى هذه البحوث إلى دراسة استخدام التكنولوجيا في التعليم، بما في ذلك التطبيقات البرمجية، أدوات التعليم عن بُعد، والتقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز. تهدف هذه البحوث إلى فهم كيفية تحسين تجربة التعلم باستخدام التقنيات الحديثة وكيفية دمجها في العملية التعليمية.

7. البحوث في مجال تقييم التعليم

تعتبر البحوث في مجال تقييم التعليم من البحوث الحيوية التي تساهم في تحسين جودة العملية التعليمية. تشمل هذه البحوث دراسة طرق وأساليب تقييم أداء الطلاب، تقييم المعلمين، وتقييم المؤسسات التعليمية. يساعد هذا التصنيف من البحوث في تحسين أنظمة التقييم لضمان أنها تتسم بالعدالة والدقة وتساهم في تحسين مخرجات التعليم.

8. البحوث في الثقافة والتعليم

تسعى البحوث في هذا المجال إلى فهم العلاقة بين الثقافة والتعليم. يشمل ذلك دراسة تأثير الثقافة المحلية والعادات الاجتماعية على أنماط التعلم وطرق التدريس. كما يتطرق إلى كيفية دمج التنوع الثقافي في النظام التعليمي، مما يعزز من فهم الطلاب لثقافاتهم ويحفزهم على التعلم في بيئات تعليمية شاملة.

الخاتمة

البحوث التربوية تعد أساسًا مهمًا لتطوير المنظومة التعليمية وتقديم حلول عملية لمشاكل التعليم. من خلال التصنيف الدقيق للبحوث التربوية حسب الهدف، والمجال، والمنهجية، والزمن، يمكن للباحثين والممارسين في مجال التعليم تعزيز فاعلية استراتيجيات التعليم وتحقيق أهداف تربوية رفيعة.