التفسير بالمأثور: مفهومه وأثره

التفسير بالمأثور: مفهومه وأهميته في علم التفسير

يعد التفسير بالمأثور من أبرز المناهج التي اتبعها علماء المسلمين في تفسير القرآن الكريم، وقد استند هذا المنهج إلى الرواية عن الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من العلماء. يشمل التفسير بالمأثور تفسير الآيات القرآنية بما ورد من أقوال النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين وأقوال العلماء في العصور المبكرة، ويعتمد على نقل النصوص من الكتب التي تحتوي على تفسير الآيات الكريمات بشكل دقيق وموثق. وقد كان هذا النوع من التفسير في البداية هو الأكثر انتشارًا واستخدامًا، حيث كان العلماء يحرصون على نقل التفسير عن أئمة التفسير في فترة مبكرة. في هذا المقال، سنتناول تعريف التفسير بالمأثور، وأهمية هذا المنهج، وأبرز مصادره، وأبرز العلماء الذين اعتمدوا عليه، وأثره في تفسير القرآن الكريم.

تعريف التفسير بالمأثور

التفسير بالمأثور هو أحد أنواع التفسير التي يعتمد فيها المفسر على نقل الأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم من علماء الأمة في تفسير الآيات القرآنية. ويستند هذا النوع من التفسير إلى الأحاديث النبوية، وكذلك ما ورد عن الصحابة في تفسير القرآن الكريم. وعادةً ما تكون هذه الأقوال مدعمة بنصوص صحيحة من السنة النبوية الشريفة أو تفسير الصحابة الذين عاصروا نزول القرآن وكانوا أدرى بظروف نزوله.

هذا النوع من التفسير يُعد من أقدم أنواع التفسير وأكثرها مصداقية، وذلك لأنه يعتمد على النقل عن الأشخاص الذين كانوا أقرب إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم. لذلك، يُعتبر التفسير بالمأثور مرجعًا أساسيًا لفهم القرآن الكريم بشكل صحيح.

أهمية التفسير بالمأثور

يحظى التفسير بالمأثور بأهمية كبيرة في علم التفسير لعدة أسباب، نذكر منها ما يلي:

1. الربط بالوحي النبوي: يعتمد التفسير بالمأثور على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما يمنح هذه التفسيرات مصداقية كبيرة، حيث إن النبي كان أعلم الناس بتفسير القرآن، وهو الذي أُنزل عليه الكتاب. من خلال أقوال النبي، يمكننا أن نفهم بشكل أدق ما تعنيه الآية أو السورة من خلال الوحي الذي نزل عليه.

2. توضيح معاني القرآن: كان الصحابة والتابعون يعرفون الظروف التي نزل فيها الوحي، مما يساعد في تفسير الآيات بشكل دقيق ويمنح التفسير مزيدًا من الفهم لمقاصد الآية.

3. تفسير القرآن بالقرآن: في كثير من الأحيان، يتضمن التفسير بالمأثور شرحًا لآية معينة بناءً على آية أخرى تفسرها. وهذا يعزز فهماً أعمق للقرآن الكريم باعتباره متماسكًا ومتسقًا في معانيه.

4. إزالة اللبس والغموض: كان القرآن الكريم في بدايته يُنزل في سياقات متعددة قد تؤدي إلى بعض اللبس أو التفسير المتعدد. من خلال التفسير بالمأثور، يتم التخلص من هذا الغموض عبر الاستناد إلى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة.

5. استقرار الفهم الديني: يعتبر التفسير بالمأثور حجر الزاوية لفهم الإسلام على مر العصور، حيث عمل على استقرار الفهم الصحيح للنصوص القرآنية، بعيدًا عن الفهم الذي قد يتأثر بالآراء الشخصية أو الاتجاهات الفكرية الحديثة.

مصادر التفسير بالمأثور

يستمد التفسير بالمأثور تفسيره من عدة مصادر رئيسية تضمن صحة ودقة التفسير. وهذه المصادر تتضمن:

1. القرآن الكريم: يعتمد التفسير بالمأثور بشكل رئيسي على آيات القرآن الكريم التي تفسر بعضها بعضًا. في كثير من الحالات، يتم تفسير آية من خلال آية أخرى، مما يعزز الفهم الصحيح للمعنى.

2. الأحاديث النبوية: تعد الأحاديث النبوية من أهم مصادر التفسير بالمأثور، حيث تحتوي على تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآيات القرآنية. وقد نقل الصحابة العديد من هذه الأحاديث، التي تعتبر مرجعًا مهمًا لفهم القرآن.

3. أقوال الصحابة والتابعين: يشمل التفسير بالمأثور أيضًا ما نقل عن الصحابة الذين عاشوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا أدرى بظروف نزول الآيات وتفسير معانيها. وقد نقل عن الصحابة الكثير من الأقوال التي تفسر بعض الآيات القرآنية.

4. إجماع العلماء: في بعض الأحيان، يضاف إلى التفسير بالمأثور ما توصل إليه علماء الأمة من اجتهادات فقهية مشتركة. قد يعتمد التفسير على اتفاق علماء معينين في العصور الأولى حول تفسير معين للآية.

أبرز العلماء الذين اعتمدوا على التفسير بالمأثور

لقد كان لعدد من العلماء الأثر البالغ في تطور التفسير بالمأثور وتوثيقه عبر العصور. بعض من أبرز هؤلاء العلماء الذين اعتمدوا التفسير بالمأثور هم:

1. الإمام الطبري: يُعتبر الإمام الطبري من أبرز علماء التفسير الذين اعتمدوا بشكل أساسي على التفسير بالمأثور. في تفسيره “جامع البيان” قدّم العديد من الأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين لتفسير الآيات القرآنية. اعتمد الطبري في تفسيره على جمع أكبر قدر من الروايات المأثورة المتعلقة بكل آية، مما جعل تفسيره مرجعًا مهمًا في تفسير القرآن.

2. الإمام ابن كثير: يعد الإمام ابن كثير من كبار المفسرين الذين اعتمدوا على التفسير بالمأثور. في تفسيره “تفسير القرآن العظيم” جمع بين التفسير بالمأثور والآراء الفقهية والعقلية، مما جعله من أكثر التفاسير شهرة وتداولًا.

3. الإمام القرطبي: كان الإمام القرطبي من العلماء الذين جمعوا بين التفسير بالمأثور والتحليل البلاغي للآيات القرآنية. في تفسيره “الجامع لأحكام القرآن” اهتم بذكر ما ورد عن الصحابة والتابعين في تفسير آيات القرآن، مع إضافة بعض الشروحات البلاغية.

4. الإمام الشوكاني: كان الشوكاني من المفسرين الذين جمعوا بين التفسير بالمأثور والتفسير العقلاني. في تفسيره “فتح القدير” اهتم بعرض الأقوال المأثورة عن الصحابة ودرس كل آية بشكل مستفيض.

أنواع التفسير بالمأثور

1. التفسير بالنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم: وهو من أسمى أنواع التفسير بالمأثور، حيث يتم نقل تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للآيات القرآنية، سواء كان ذلك عن طريق الحديث الصحيح أو الحكايات المسندة.

2. التفسير بالنقل عن الصحابة: كان الصحابة أدرى الناس بمقاصد القرآن الكريم، لذا يُعدّ نقلهم لتفسير الآيات مصدرًا مهمًا، خصوصًا عندما يكون التفسير متعلقا بظروف النزول.

3. التفسير بالنقل عن التابعين: في حال كانت أقوال الصحابة قد نُقلت عن التابعين، يعتبر ذلك نوعًا آخر من التفسير بالمأثور، حيث يعتبر التفسير بالتابعين ذا مصداقية كبيرة نظرًا لوجودهم في فترة زمنية قريبة من فترة الصحابة.

أثر التفسير بالمأثور في الفقه الإسلامي

من خلال التفسير بالمأثور، تمكّن علماء الإسلام من فهم دقيق للآيات القرآنية، وهذا بدوره كان له تأثير كبير على الفقه الإسلامي. فقد جعل التفسير بالمأثور أساسًا لتفسير الأحكام الشرعية والنوازل التي تواجه المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، ساعد التفسير بالمأثور في توجيه اجتهادات العلماء في ما يتعلق بالأحكام الفقهية، مما أثر بشكل كبير في تطور الفقه الإسلامي.

الخاتمة

يعد التفسير بالمأثور من أهم المناهج في تفسير القرآن الكريم، حيث يعتمد على نقل الأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والتابعين لتفسير المعاني القرآنية. من خلال هذا المنهج، يستطيع المفسرون فهم معاني القرآن على ضوء النصوص الثابتة من السنة النبوية والأقوال المأثورة عن الصحابة، مما يجعل هذا النوع من التفسير ذو مصداقية كبيرة ويعزز فهم القرآن بشكل عميق.