تشوهات المولود: الأسباب، الأنواع، التشخيص، والوقاية

تشوهات المولود هي مجموعة من الاضطرابات والتشوهات الخلقية التي تظهر عند الولادة أو تتطور خلال فترة الحمل، وتؤثر على شكل أو وظيفة أجزاء معينة من جسم الجنين. تعتبر هذه التشوهات من التحديات الصحية الكبرى التي تواجه الأمهات والأطفال حول العالم، نظراً لتأثيرها الكبير على جودة الحياة والصحة العامة للطفل. تختلف التشوهات في شدتها وأسبابها، وتتنوع ما بين تشوهات بسيطة لا تؤثر على حياة الطفل بشكل كبير، وتشوهات معقدة قد تهدد حياته أو تؤدي إلى إعاقات دائمة.

تعريف التشوهات الخلقية وأهميتها

تشوهات المولود، أو العيوب الخلقية، هي تشوهات تحدث أثناء تكوين الجنين في رحم الأم وتؤدي إلى تغيرات في الأعضاء أو الأنسجة. قد تكون هذه التشوهات في شكل ظاهر مثل الشفة الأرنبية، أو في وظائف الأعضاء الحيوية مثل القلب أو الدماغ. تصنف التشوهات عادة إلى نوعين رئيسيين: تشوهات هيكلية (Structural anomalies) وتشوهات وظيفية أو جزيئية (Functional or metabolic anomalies).

تعتبر التشوهات الخلقية سبباً رئيسياً للوفيات بين الأطفال حديثي الولادة في الكثير من البلدان، كما أنها تشكل عبئاً طبياً واجتماعياً كبيراً بسبب الحاجة إلى الرعاية الطبية المستمرة والجراحات والتأهيل.

أسباب تشوهات المولود

تتعدد أسباب التشوهات الخلقية بين عوامل وراثية وبيئية، ويُعتقد أن غالبية الحالات ناتجة عن تفاعل معقد بين هذين العاملين.

1. الأسباب الوراثية

تلعب العوامل الوراثية دوراً هاماً في ظهور التشوهات، حيث تنتقل بعض العيوب من الوالدين إلى الطفل عبر الجينات. قد تكون هذه الاضطرابات ناتجة عن:

• طفرات جينية: تغييرات في تسلسل الحمض النووي تؤدي إلى اضطرابات خلقية، مثل متلازمة داون التي تنتج عن وجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21.

• الأمراض المتنحية أو السائدة: بعض التشوهات تظهر إذا كان الطفل يحمل جيناً معيباً من أحد الوالدين أو كليهما، مثل التليف الكيسي.

• الاختلالات الكروموسومية: مثل متلازمة إدواردز أو متلازمة باتاو.

2. الأسباب البيئية

تؤثر العوامل البيئية بشكل كبير على نمو الجنين، ومن أهم هذه العوامل:

• التعرض للأدوية أو المواد الكيميائية: مثل بعض الأدوية التي تُستخدم أثناء الحمل والتي قد تكون لها تأثيرات سلبية على الجنين (التيراتوجينات)، مثل الثاليدوميد.

• الإشعاعات: التعرض للإشعاعات المؤينة خلال الحمل.

• التلوث البيئي: مثل تلوث الهواء والماء.

• الإصابة بالعدوى: بعض الفيروسات والبكتيريا أثناء الحمل قد تسبب تشوهات، مثل فيروس الحصبة الألمانية (روبيلا).

• نقص التغذية: نقص حمض الفوليك في نظام الأم الغذائي يزيد من خطر التشوهات العصبية مثل انعدام الأنبوب العصبي.

• عوامل الأم الصحية: مثل السكري، والسمنة، والضغط النفسي الشديد.

أنواع التشوهات الخلقية

تشمل التشوهات الخلقية مجموعة واسعة من الاضطرابات التي تصنف وفقاً لنوع التشوه وتأثيره على جسم الجنين.

التشوهات الهيكلية

• تشوهات الجهاز العصبي: مثل التشوهات في الدماغ والحبل الشوكي (انعدام الأنبوب العصبي، السنسنة المشقوقة).

• تشوهات الوجه والفم: الشفة الأرنبية والحنك المشقوق.

• تشوهات القلب: عيوب خلقية في القلب مثل الثقوب بين الحجرات أو تضيق الشرايين.

• تشوهات الأطراف: كوجود أصابع زائدة، أو أطراف قصيرة أو منحرفة.

• تشوهات الجهاز الهضمي: مثل انسداد الأمعاء أو فتق الحجاب الحاجز.

• تشوهات الجهاز البولي والتناسلي: كتشوهات في الكلى أو الأعضاء التناسلية.

التشوهات الوظيفية

• الأمراض الأيضية: مثل اضطرابات الأيض الوراثية التي تؤثر على تحويل المواد الغذائية.

• اضطرابات الدم: مثل الثلاسيميا والأنيميا المنجلية.

• اضطرابات في نمو الأعضاء: ضعف وظائف الكبد أو الرئة.

التشخيص المبكر لتشوهات المولود

يعد التشخيص المبكر أحد أهم الوسائل للحد من تأثير التشوهات الخلقية وتحسين نتائج العلاج. يتم ذلك من خلال الفحوصات التالية:

الفحوصات أثناء الحمل

• الموجات فوق الصوتية (Ultrasound): تستخدم لمراقبة نمو الجنين والكشف عن التشوهات الهيكلية.

• اختبارات الدم للأم: لفحص المؤشرات الحيوية والهرمونات، والكشف عن عدوى أو اضطرابات وراثية.

• فحص الحمض النووي الجنيني (DNA Testing): مثل فحص الحمض النووي الجنيني الحر (cfDNA) الذي يكشف عن بعض الاضطرابات الكروموسومية.

• اختبار السائل الأمنيوسي (Amniocentesis): فحص سائل الحمل للكشف عن أمراض وراثية وكروموسومية.

• اختبار الزغابات المشيمية (Chorionic Villus Sampling): أخذ عينة من المشيمة للتحليل الجيني.

الفحوصات بعد الولادة

• الفحص السريري الكامل: للكشف عن التشوهات الظاهرة.

• الفحوصات الطبية المعملية: مثل تحاليل الدم، واختبارات التصوير الطبي.

• الفحوصات الجينية: لتحديد الاضطرابات الوراثية.

الوقاية من تشوهات المولود

الوقاية تظل الخطوة الأساسية في تقليل نسبة حدوث التشوهات الخلقية، وتبدأ من قبل الحمل وتمتد خلال فترة الحمل وبعد الولادة.

1. الاستعداد للحمل

• الفحص الطبي الشامل: مراجعة التاريخ الصحي والعائلي للوالدين لتحديد المخاطر.

• تناول حمض الفوليك: قبل وأثناء الحمل بجرعة مناسبة لمنع التشوهات العصبية.

• الامتناع عن التدخين والكحول: لأنها تؤثر سلباً على نمو الجنين.

• التحكم بالأمراض المزمنة: مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.

• التلقيح ضد الأمراض: مثل الحصبة الألمانية لتجنب العدوى.

2. متابعة الحمل

• زيارات متابعة منتظمة للطبيب: لمراقبة نمو الجنين وصحة الأم.

• تجنب التعرض للمواد الضارة: كالكيماويات والإشعاعات.

• تناول غذاء صحي ومتوازن: لدعم نمو الجنين.

3. الدعم والتوعية المجتمعية

• نشر الوعي حول أهمية الفحوصات المبكرة وأسلوب الحياة الصحي.

• توفير الخدمات الطبية والعلاجية للحوامل والمواليد.

علاج التشوهات الخلقية

يتوقف العلاج على نوع التشوه ومدى تأثيره على صحة الطفل، ويمكن أن يشمل:

• الجراحة الترميمية: لإصلاح التشوهات الهيكلية مثل الشفة الأرنبية وعيوب القلب.

• العلاج الدوائي: لبعض الحالات الوظيفية أو الأيضية.

• العلاج الطبيعي والتأهيلي: لتحسين حركة ووظائف الأطراف.

• الدعم النفسي والاجتماعي: للأطفال وأسرهم لمساعدتهم على التكيف.

التأثيرات الاجتماعية والنفسية لتشوهات المولود

تؤثر التشوهات الخلقية ليس فقط على الصحة الجسدية للطفل بل تمتد إلى الجوانب النفسية والاجتماعية، حيث قد يواجه الطفل وأسرته تحديات متعلقة بالقبول الاجتماعي، والتحصيل العلمي، والاندماج في المجتمع. لذلك يعد توفير بيئة داعمة ومتفهمة أمرًا ضرورياً.

الإحصائيات العالمية والمحلية

تختلف نسبة التشوهات الخلقية باختلاف البلدان والمناطق، لكنها تمثل نسبة تتراوح بين 3-6% من الولادات في معظم دول العالم. في الدول ذات الموارد المحدودة، قد تكون نسبة التشوهات أعلى بسبب نقص الرعاية الصحية والتغذية وعدم توفر الفحوصات المبكرة.

جدول يوضح بعض أنواع التشوهات الشائعة وأسبابها

تشوهات المولود تمثل تحدياً صحياً عالمياً يتطلب تعاوناً طبياً، مجتمعياً، وتوعوياً للحد من حدوثها وتحسين حياة الأطفال المتأثرين بها. يتطلب هذا تعزيز الفحوصات قبل وأثناء الحمل، تبني أساليب حياة صحية، والاستثمار في خدمات الرعاية الطبية المتخصصة. مع التقدم الطبي والتكنولوجي المستمر، بات بالإمكان تشخيص العديد من التشوهات مبكراً، ما يسمح باتخاذ إجراءات علاجية فعالة وتحسين فرص الحياة الطبيعية للأطفال.

المصادر

1. منظمة الصحة العالمية (WHO): https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/congenital-anomalies

2. كتاب علم الأمراض للأطفال، تأليف: محمد عبد اللطيف، 2020.