تشابه الشريكين: نعمة أم نقمة؟

في العلاقات العاطفية، يكثر الحديث عن أهمية الانسجام والتفاهم بين الشريكين، وغالبًا ما يُنظر إلى التشابه بينهما كعنصر رئيسي لضمان الاستقرار والسعادة. غير أن هذا الاعتقاد السائد يحتاج إلى تحليل أعمق يتجاوز الانطباعات السطحية، فالتشابه بين الشريكين ليس دائمًا مؤشرًا على علاقة ناجحة، بل قد يكون سلاحًا ذا حدين، يحمل في طياته فرصًا ومخاطر على حد سواء.

ماهية التشابه بين الشريكين

يقصد بالتشابه بين الشريكين تقارب الأفكار، والاهتمامات، والقيم، وأنماط الحياة. وقد يشمل هذا التشابه:

• الخلفية الثقافية أو الاجتماعية.

• الأسلوب في التواصل والتفاعل.

• الأهداف المستقبلية.

• الاهتمامات الشخصية كالهوايات والأنشطة.

• نمط التفكير واتخاذ القرارات.

هذا النوع من التوافق غالبًا ما يعزز الشعور بالألفة والارتياح، ويقلل من احتمالات التصادم الناتج عن اختلافات جذرية في الرؤى أو القيم.

فوائد التشابه في العلاقة

1. تقليل الصراعات

حين يتشارك الشريكان في رؤى متشابهة للحياة، تقل فرص الخلاف حول القرارات المصيرية مثل الإنجاب، أو أسلوب تربية الأطفال، أو أسلوب الإنفاق المالي. كما يقل الاحتكاك الناتج عن اختلافات في الطباع اليومية أو العادات.

2. تعزيز الشعور بالأمان العاطفي

التشابه يخلق بيئة مريحة تساعد على الشعور بأن الطرف الآخر “يفهمك”، ما يعزز الثقة ويقلل من مشاعر الرفض أو العزلة داخل العلاقة.

3. دعم الأهداف المشتركة

حين يشترك الشريكان في أهداف طويلة المدى، مثل التقدم المهني أو الاستقرار العائلي أو حتى الهوايات، تتوحد الجهود ويصبح كل طرف محفزًا للآخر، مما يساهم في بناء علاقة متماسكة.

4. تيسير التواصل

التقارب في أسلوب التفكير والتعبير يقلل من احتمالات سوء الفهم، ويجعل من السهل التعبير عن الاحتياجات والمشاعر بطريقة مفهومة للطرف الآخر.

متى يكون التشابه مضرًا؟

رغم الإيجابيات السابقة، فإن التطابق الزائد قد يؤدي إلى عواقب سلبية غير متوقعة. ومن أبرزها:

1. فقدان الإثارة والتجديد

حين يتشابه الشريكان في كل شيء تقريبًا، قد تصبح العلاقة رتيبة، تفتقر إلى عنصر المفاجأة أو التحدي. فالتباين أحيانًا يخلق ديناميكية إيجابية تحافظ على حيوية العلاقة.

2. ضعف النمو الشخصي

وجود طرف مختلف في العلاقة يفتح المجال أمام توسيع آفاق التفكير والتجربة، ويساعد على تطوير الذات. أما التشابه المفرط، فقد يعزز الركود ويقلل من فرص الاكتساب والتطور المعرفي والعاطفي.

3. الانغلاق على العالم الخارجي

الشريكان المتشابهان قد يكوّنان عالمًا خاصًا مغلقًا يصعب التفاعل فيه مع الآخرين، ما يقلل من التنوع الاجتماعي ويضعف شبكة العلاقات خارج إطار العلاقة الزوجية.

4. تعزيز النقاط السلبية

حين يتشابه الشريكان في بعض السمات السلبية، مثل الغضب السريع أو التردد أو الكسل، فإن هذه الصفات تتضخم في ظل غياب الطرف الذي يعارضها أو يوازنها.

أهمية التوازن بين التشابه والاختلاف

العلاقات الصحية غالبًا ما تعتمد على توازن دقيق بين التشابه والاختلاف. فالتشابه يمنح العلاقة استقرارًا، بينما يوفر الاختلاف مساحة للنمو والتجدد. ومن هنا، فإن تناغم العلاقة لا يتطلب تطابقًا تامًا، بل يتطلب قبولًا للاختلاف وتفهمًا لوجهات النظر المختلفة.

في هذا السياق، يعتبر علماء النفس أن التشابه في القيم الأساسية مثل الصدق، والاحترام، والرغبة في الالتزام، أهم بكثير من التشابه في الهوايات أو الميول السطحية. فالاختلاف في بعض الجوانب قد يكون ثراءً لا نقصًا.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين آثار التشابه والاختلاف في العلاقة:

نماذج واقعية من العلاقات

في الواقع، نجد أمثلة عديدة من الأزواج الناجحين رغم اختلافاتهم، كما نجد أزواجًا متشابهين انتهت علاقتهم بالفشل. هذا يدعم الفكرة بأن لا قاعدة واحدة تنطبق على جميع العلاقات، وأن النجاح العاطفي يتوقف بدرجة كبيرة على النضج النفسي، والقدرة على إدارة الاختلافات، وليس على مدى التشابه وحده.

مثلًا، قد ينجح زواج بين شخص اجتماعي وآخر انطوائي، إذا كان كل طرف يقدّر طبع الآخر ويعرف كيف يتكيف معه. كما قد تفشل علاقة بين شخصين يعشقان نفس الأشياء إذا غابت مهارات التواصل العاطفي وإدارة الخلافات.

دور النضج العاطفي في إنجاح العلاقة

النضج العاطفي يلعب دورًا جوهريًا في تحويل التشابه أو الاختلاف إلى عامل إيجابي. فالشخص الناضج يعرف أن لا أحد يشبه الآخر تمامًا، ويتقبل أن العلاقة تحتاج إلى جهد دائم لتجاوز العقبات وتوسيع مساحة التفاهم. لذلك، فإن قدرة كل طرف على احتواء الآخر، وتطوير العلاقة عبر الحوار والاحترام المتبادل، هو الأساس في إنجاح أي علاقة، سواء كان الطرفان متشابهين أم لا.

العلاقة بين التشابه والمرحلة الزمنية للعلاقة

في بداية العلاقة، قد يكون التشابه عنصر جذب قوي، لكن مع مرور الوقت، تظهر أهمية الاختلاف كعامل يمنع الركود ويشجع على التجدد. الأزواج الذين ينجحون في المدى الطويل هم الذين يعرفون كيف يستفيدون من التشابه لتعزيز الثقة، ومن الاختلاف لتطوير العلاقة.

أثر البيئة والثقافة

الثقافة التي ينشأ فيها الشريكان تلعب دورًا في تحديد مدى أهمية التشابه. ففي مجتمعات محافظة، قد يُنظر إلى التشابه على أنه ضرورة لحماية العلاقة من التحديات، بينما في المجتمعات الأكثر انفتاحًا، يُحتفى بالاختلاف كعلامة على التميز والتكامل.

خاتمة

إن التشابه بين الشريكين ليس ضمانة حتمية لنجاح العلاقة، كما أن الاختلاف لا يعني الفشل. العلاقات الناجحة تُبنى على التفاهم، والاحترام، والمرونة في التعامل مع التشابه والاختلاف على حد سواء. وأهم من كل ذلك، تُبنى على الرغبة الصادقة في بناء حياة مشتركة يكون فيها كل طرف مستعدًا للعطاء، للتغيير، وللتكيف مع واقع الآخر.

المراجع:

1. Aron, A., & Aron, E. N. (2004). Love and the Expansion of the Self. Psychology Press.

2. Markman, H. J., Stanley, S. M., & Blumberg, S. L. (2010). Fighting for Your Marriage. Jossey-Bass.

3. Gottman, J. M., & Silver, N. (2015). The Seven Principles for Making Marriage Work. Harmony Books.

4. Buss, D. M. (2003). The Evolution of Desire: Strategies of Human Mating. Basic Books.

5. Feeney, J. A., & Noller, P. (2001). Attachment Style and Couple Satisfaction in Romantic Relationships. Journal of Social and Personal Relationships.