تسخين الخبز قد يصيب بالسرطان: حقيقة أم خرافة؟
في السنوات الأخيرة، انتشرت العديد من الإشاعات والتحذيرات التي تقول إن تسخين الخبز قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان. هذه الادعاءات أثارت القلق لدى الكثير من الأشخاص، فهل هناك حقيقة علمية وراء هذه الادعاءات أم أنها مجرد خرافة؟ في هذا المقال، سنسلط الضوء على هذه القضية من جميع جوانبها، ونبحث في الأسباب المحتملة لارتباط تسخين الخبز بالأمراض السرطانية.
1. علاقة الطعام بالتسبب في السرطان
تعتبر الأغذية جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، ولا يمكن لأي شخص أن يتجاهل أهمية تناول غذاء صحي ومتوازن. لكن في السنوات الأخيرة، ظهرت دراسات وتحذيرات تشير إلى أن بعض طرق تحضير الطعام قد تؤدي إلى تكون مركبات ضارة قد تساهم في زيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان. من بين هذه التحذيرات، جاء التحذير المتعلق بتسخين الخبز، خاصة عندما يتعرض لمستويات حرارة مرتفعة.
2. ما هو السبب المحتمل في تسخين الخبز؟
عند تسخين الخبز أو أي طعام يحتوي على النشويات، تتغير التركيبة الكيميائية للطعام بسبب التفاعل مع الحرارة. أحد المركبات التي يتم تكوينها بشكل رئيسي نتيجة لتسخين الأطعمة النشوية هو الأكريلاميد. الأكريلاميد هو مركب كيميائي يمكن أن يتشكل عند تسخين الأطعمة إلى درجات حرارة عالية (أكثر من 120 درجة مئوية)، مثلما يحدث أثناء الخَبز أو القلي أو التحميص.
الأكريلاميد يُعتبر من المواد المسرطنة المحتملة للإنسان، وذلك بناءً على نتائج الدراسات التي أجريت على الحيوانات في مختبرات البحث العلمي. وقد أكدت بعض الدراسات التي أجراها المعهد الدولي لأبحاث السرطان (IARC) أن الأكريلاميد يعتبر مادة مسرطنة محتملة للبشر، خاصة عند تناولها بكميات كبيرة وعلى مدى فترة زمنية طويلة.
3. كيف يتشكل الأكريلاميد؟
يتشكل الأكريلاميد بشكل رئيسي في الأطعمة التي تحتوي على كميات عالية من النشويات، مثل البطاطس والخبز، عندما يتم تحميصها أو قليها أو تسخينها لدرجات حرارة عالية. في حالة الخبز، يحدث التفاعل الكيميائي بين السكريات والنشويات الموجودة في الدقيق، مما يؤدي إلى تكوين الأكريلاميد.
عند تعرض الخبز للحرارة، خاصة عند تحميصه أو تسخينه بشكل مفرط حتى يصبح لونه بنيًا أو محروقًا، تتشكل هذه المادة الكيميائية. الأكريلاميد يتكون بشكل أكبر عندما يكون الطعام قد تعرض لدرجة حرارة عالية لمدة طويلة. لذلك، ينصح بتجنب حرق الخبز أو جعله غامق اللون، لأن ذلك يزيد من كمية الأكريلاميد فيه.
4. هل الأكريلاميد مسرطن بالفعل؟
الأدلة المتوفرة تشير إلى أن الأكريلاميد قد يكون مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بالسرطان، لكن يجب أن نلاحظ أن معظم الدراسات التي أُجريت على الأكريلاميد كانت في الحيوانات المخبرية. الدراسات التي أُجريت على الحيوانات أظهرت أن الأكريلاميد يمكن أن يسبب السرطان في بعض الأعضاء، مثل الكلى والغدة الدرقية.
لكن الوضع يختلف في البشر. حتى الآن، لم تثبت الأبحاث بشكل قاطع أن تناول الأكريلاميد بكميات معتدلة يؤدي إلى الإصابة بالسرطان في الإنسان. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحذيرات من الأكريلاميد بسبب ارتباطه المحتمل بأمراض السرطان في دراسات الحيوانات.
5. ماذا يقول العلماء؟
وفقا لجمعية السرطان الأمريكية (ACS) ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، لا يمكن تأكيد بشكل كامل أن تناول الأكريلاميد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان في البشر، ولكن يجب التعامل مع هذه المادة بحذر. هذه المنظمات تشير إلى أن المواد المسرطنة لا تتسبب عادة في السرطان إلا إذا تم تناولها بكميات كبيرة على مدى فترة طويلة، لذلك ينصح بالحد من تعرض الجسم للأكريلاميد من خلال تقليل الأطعمة المحروقة أو المعالجة حراريًا بدرجات حرارة عالية.
من ناحية أخرى، تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن تقليل كمية الأكريلاميد في النظام الغذائي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في الوقاية من بعض أنواع السرطان. ولذا، فإن الحرص على تقليل تسخين الخبز حتى يصبح لونه بنيًا جدًا أو محروقًا يعد خطوة مهمة لتقليل المخاطر المحتملة.
6. كيف يمكن تقليل تكوين الأكريلاميد عند تسخين الخبز؟
هناك بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتقليل تكوين الأكريلاميد عند تسخين الخبز، مثل:
-
تجنب التسخين المفرط: يجب تجنب تحميص الخبز أو تسخينه حتى يصبح لونه بنيًا غامقًا أو محروقًا.
-
اختيار درجة حرارة منخفضة: يفضل استخدام درجات حرارة منخفضة عند تسخين الخبز، لتقليل فرص تكوين الأكريلاميد.
-
اختيار أنواع الخبز بشكل حكيم: بعض أنواع الخبز قد تحتوي على نسب أقل من النشويات مقارنة بالأنواع الأخرى. من الممكن اختيار الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة أو الخبز الذي لا يحتوي على مكونات مضافة قد تساهم في زيادة الأكريلاميد.
-
استخدام الميكروويف: يعتبر الميكروويف وسيلة جيدة لتسخين الخبز بشكل أسرع دون تعرضه لدرجات حرارة عالية جدًا.
-
الحفاظ على الخبز طازجًا: من الأفضل تجنب تسخين الخبز القديم أو المجمد بشكل مفرط. يمكن ببساطة إعادة تسخينه بطريقة معتدلة.
7. ماذا عن الأغذية الأخرى؟
لا يقتصر تشكيل الأكريلاميد على الخبز فقط. بل يمكن أن يتواجد في مجموعة واسعة من الأطعمة الأخرى التي تتعرض لدرجات حرارة عالية، مثل البطاطس المقلية، رقائق البطاطس، القهوة المحمصة، وبعض الأطعمة المخبوزة الأخرى. ومن هنا تأتي أهمية تقليل تناول هذه الأطعمة التي تحتوي على الأكريلاميد.
8. الخاتمة
بناءً على الأدلة المتوفرة حتى الآن، يمكن القول إن تسخين الخبز قد يؤدي إلى تكوين مركب الأكريلاميد الذي يُعتبر مادة مسرطنة محتملة. رغم أن الأدلة المتعلقة بتأثير الأكريلاميد على صحة الإنسان لا تزال غير قاطعة، فإن الاحتياطات التي يمكن اتخاذها، مثل تجنب تحميص الخبز بشكل مفرط أو تسخينه بدرجات حرارة عالية جدًا، تعد خطوات مفيدة للحد من المخاطر المحتملة.
لا يجب أن ننسى أن السرطان هو مرض معقد تتداخل فيه عوامل متعددة، ولا يمكن إلقاء اللوم على عنصر واحد فقط مثل الأكريلاميد. على الرغم من ذلك، فإن اتخاذ خطوات للحد من تعرضنا للمواد المسرطنة يمكن أن يكون جزءًا من أسلوب حياة صحي يساعد في الوقاية من الأمراض المزمنة.
