تساقط الثلوج على المريخ

تساقط الثلوج في المريخ: ظاهرة طبيعية وغموض علمي

يعد المريخ أحد أكثر الكواكب التي أثارت اهتمام العلماء منذ اكتشافه، لما يحويه من ميزات تشبه الأرض، ولما قد يخبئه من أسرار قد تفتح لنا أبوابًا جديدة لفهم الكون وحياة الكواكب الأخرى. من بين الظواهر الطبيعية التي تميز المريخ والتي أدهشت العلماء، هي تساقط الثلوج على سطحه. ورغم أن هذا الموضوع قد يبدو غريبًا بالنظر إلى ظروف المريخ القاسية، إلا أن دراسات حديثة أظهرت أن تساقط الثلوج على الكوكب الأحمر ليس أمرًا مستحيلاً، بل هو واقع قائم وله تفسير علمي دقيق.

الظروف البيئية على المريخ:

المريخ، الذي يُعرف بالكوكب الأحمر بسبب لونه الذي يهيمن عليه أكسيد الحديد، يبعد عن الشمس حوالي 227.9 مليون كيلومتر، أي أكثر من 1.5 مرة المسافة بين الأرض والشمس. هذا البعد يجعل درجة الحرارة على سطحه باردة للغاية، حيث تتراوح درجات الحرارة بين -125 درجة مئوية في الشتاء القطبي إلى 20 درجة مئوية في الصيف القطبي. وبالتالي، تعد هذه البيئة غير ملائمة للحياة كما نعرفها على الأرض.

لكن رغم هذه الظروف القاسية، فإن المريخ يحتوي على غلاف جوي رقيق للغاية مقارنة بالأرض، وهو يتكون في معظمه من ثاني أكسيد الكربون (95%)، مع وجود آثار قليلة من النيتروجين (2.7%) والأرجون (1.6%). هذه الغازات تجعل الغلاف الجوي غير قادر على الحفاظ على الحرارة بشكل فعال، مما يؤدي إلى انخفاض شديد في درجات الحرارة. ورغم ذلك، يمتلك المريخ ميزات طبيعية تشبه تلك التي نراها على الأرض، مثل الفصول الأربعة وتغيرات الطقس التي تشمل الرياح والعواصف والغبار.

ما الذي يجعل تساقط الثلوج ممكنًا على المريخ؟

في حين أن تساقط الثلوج على المريخ قد يبدو بعيد الاحتمال بالنظر إلى الظروف المناخية هناك، إلا أن الحقيقة العلمية هي أن المريخ يمتلك نظامًا مشابهًا لما يحدث على الأرض في بعض نواحيه. على الرغم من أن الغلاف الجوي المريخي رقيق، فإنه يحتوي على بخار ماء، وهو العنصر الأساسي في تكوّن الثلوج على كوكبنا. وبالرغم من انخفاض كمية هذا البخار بشكل عام، إلا أنه يمكن أن يتجمع في السحب في المناطق القطبية خلال فصل الشتاء، مما يسمح بتساقط الثلوج.

تتساقط الثلوج على المريخ بشكل أساسي في المناطق القطبية، سواء في القطب الشمالي أو الجنوبي، حيث تنخفض درجات الحرارة بشكل حاد بما يكفي لتحويل بخار الماء إلى جليد. في الواقع، هناك نوعان من الثلوج التي تم اكتشافها على سطح المريخ:

1. الثلوج من ثاني أكسيد الكربون:
   في المناطق القطبية للمريخ، تتساقط الثلوج المصنوعة من ثاني أكسيد الكربون في فصل الشتاء المريخي، وتُعرف هذه الظاهرة بالثلوج الجافة. يشير هذا إلى أن الغلاف الجوي المريخي يمكن أن يبرد بما فيه الكفاية ليشكل طبقات من الجليد الصلب من ثاني أكسيد الكربون، الذي يتحول من غاز إلى صلب بشكل مباشر دون أن يصبح سائلًا. هذه الثلوج تتساقط على سطح الكوكب عندما تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون -125 درجة مئوية، وهي درجات حرارة يمكن أن تكون سائدة في مناطق القطب الجنوبي للمريخ في فصل الشتاء.

2. الثلوج المائية:
   تساقط الثلوج من الماء يحدث في المريخ في مناطق أخرى، على الرغم من أن تكرار هذه الظاهرة أقل من الثلوج الجافة. في بعض الأحيان، يمكن أن يتكاثف بخار الماء في الغلاف الجوي ليشكل جليدًا في شكل بلورات ثلجية رقيقة، خصوصًا خلال فصل الشتاء في المناطق القطبية. لكن هذه الثلوج المائية عادة ما تكون خفيفة جدًا في الحجم ولا تستمر لفترة طويلة.

دراسة الثلوج المريخية بواسطة الأقمار الصناعية:

منذ أن أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) مهماتها إلى المريخ، مثل مهمات “مارس إكسبريس” و”كوريوسيتي” و”إنسايت”، تمكن العلماء من جمع الكثير من البيانات حول الكوكب الأحمر. كانت الأقمار الصناعية، مثل “مسبار كريوزيتي” و”مسبار أوديسي”، قادرة على تقديم صور مفصلة للمنطقة القطبية للمريخ، حيث لوحظت طبقات من الجليد التي تتراكم على سطح الكوكب.

ومن خلال فحص الصور الملتقطة بواسطة هذه الأقمار الصناعية، اكتشف العلماء وجود نمط من تراكم الثلوج والجليد في فصل الشتاء، وتفاعلها مع الرياح المريخية والعواصف الرملية التي قد تحمل جزيئات الجليد بعيدًا عن مواقعها الأصلية. علاوة على ذلك، أظهرت بيانات الاستشعار عن بُعد أيضًا وجود تشكيلات بلورية مائية وجليدية على سطح المريخ، مما يشير إلى أن تساقط الثلوج كان يحدث بالفعل في مناطق معينة.

الثلوج المريخية وتأثيرها على الجغرافيا المريخية:

إن تساقط الثلوج على المريخ لا يقتصر فقط على كونها ظاهرة جوية، بل إن لها أيضًا تأثيرات جغرافية كبيرة. طبقات الجليد التي تتراكم في المناطق القطبية تشكل جزءًا كبيرًا من جغرافيا المريخ. في الحقيقة، يمكن أن تكون هذه الطبقات من الجليد جزءًا من المخزون المائي للكوكب، مما يجعلها مصدرًا محتملاً للمياه في المستقبل، خاصة في حال قررت وكالات الفضاء إرسال بعثات بشرية إلى المريخ.

علاوة على ذلك، فإن المريخ يعاني من تغيرات موسمية يمكن أن تؤدي إلى تغيرات ملحوظة في مستوى الجليد والثلوج على سطحه. في فصل الشتاء، تتراكم طبقات من الثلوج، بينما في الصيف المريخي، يتبخر جزء منها ويعود إلى الغلاف الجوي.

الآفاق المستقبلية:

تعتبر دراسة تساقط الثلوج على المريخ خطوة هامة لفهم الكثير عن البيئة المريخية، وخصوصًا فيما يتعلق بإمكانات العيش على الكوكب الأحمر. في المستقبل، يمكن أن تكون طبقات الجليد هذه محطًا للعديد من الدراسات العلمية المتعلقة بإمكانية الحصول على المياه لاستخدامها في الاستكشافات البشرية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن توفر هذه الظاهرة أدلة حول تاريخ المريخ المناخي وتطور نظامه البيئي.

خلاصة:

إن تساقط الثلوج على المريخ يمثل ظاهرة طبيعية تحمل في طياتها العديد من الأسرار العلمية التي لم يتم اكتشافها بالكامل بعد. وبينما لا يُعتبر المريخ كوكبًا صالحًا للحياة كما نعرفها، فإن وجود الثلوج يشير إلى إمكانيات غير محدودة في مجالات الأبحاث المستقبلية، بما في ذلك الدراسات المناخية، الجغرافية، والبيئية.