فيلم Troll: أسطورة نرويجية تنهض من أعماق الجبال

في سياق السينما العالمية التي تستلهم من الأساطير والفولكلور، يبرز فيلم Troll كواحد من أكثر الأعمال الفنية المبهرة التي تعيد إحياء التراث الشعبي النرويجي في صورة حديثة ومفعمة بالإثارة. صدر الفيلم في الأول من ديسمبر عام 2022 من إنتاج شركة Motion Blur، وهو من فئة أفلام الفانتازيا، الأكشن، المغامرة والإثارة، ويمتد على مدى 104 دقائق. تدور قصته حول كائن أسطوري عملاق يستيقظ من سباته العميق داخل جبال دوفري، بعد أن ظل محبوسًا لألف عام، ويبدأ في تدمير كل شيء في طريقه متجهاً نحو العاصمة النرويجية، في ملحمة تجمع بين الخيال الشعبي والإبهار البصري.

الأساس الأسطوري في فيلم Troll

يرتكز الفيلم على إحدى أكثر الأساطير النرويجية عمقًا وتجذرًا، وهي أسطورة الترول. في التراث الإسكندنافي، يُصوّر التروول كمخلوق جبلي عملاق، غالبًا ما يعيش في الكهوف أو الأماكن النائية، ويُعرف بعلاقته المتوترة مع البشر. هذه الكائنات ارتبطت بالطبيعة القاسية للنرويج، وخاصة المناطق الجبلية الشاهقة، حيث نُسجت الحكايات الشعبية لتحذر من سطوة هذه المخلوقات وتغذي خيال الأجيال المتعاقبة.

يُعيد الفيلم هذه الأسطورة إلى الحياة من خلال قصة درامية محكمة وسيناريو مفعم بالتوتر، حيث يستفيق هذا الكائن العملاق من سباته ويبدأ في تحريك الجبال ذاتها، في تجسيد حرفي لعبارة الفيلم التسويقية “Mountains will move” (سوف تتحرك الجبال).

البناء السردي وتطور الأحداث

ينطلق السرد من اكتشاف غامض داخل جبال دوفري، حيث يؤدي التنقيب البشري المستمر إلى إيقاظ كائن ضخم. هذا الحدث يقلب كل موازين الهدوء في البلاد، ويدخل الحكومة في حالة طوارئ شاملة. يبدأ العلماء، العسكريون، والسياسيون في البحث عن حلول عاجلة لإيقاف الكارثة المتجهة إلى العاصمة.

تتبع القصة مسار نورا تيدمان، عالمة الأحياء القديمة، التي تلعب دورًا محوريًا في فك رموز هذا الكائن وتاريخه العميق. من خلال تحقيقاتها، تكشف عن جذور هذا المخلوق وربطه بالأساطير التي طالما اعتُبرت مجرد خرافات. ما يميز السرد هو التحول التدريجي في رؤية الشخصيات من اعتبار “الترول” مجرد تهديد يجب القضاء عليه، إلى فهمه ككائن عاقل له جذوره وتاريخه المأساوي المرتبط بالظلم البشري والطرد والنسيان.

التمثيل وأداء الطاقم

شارك في الفيلم مجموعة من الممثلين النرويجيين البارزين الذين قدموا أداءً يتسم بالواقعية والصدق العاطفي. برزت إينه ماري ولمان (Ine Marie Wilmann) في دور العالمة نورا، حيث أدت الشخصية بعمق إنساني يوازن بين العلم والعاطفة، وبين الخوف من الكارثة والرغبة في فهم الآخر.

كما قدم كيم إس. فالِك-يورغنسن، ومادس سيوغورد بيترسن وغارد بي. إيدسفولد أدوارًا محورية ساهمت في بناء التوتر الدرامي والبعد الإنساني للصراع.

الإخراج والتقنيات البصرية

يتميز فيلم Troll بإخراج بصري مبهر يعتمد على المؤثرات الرقمية الحديثة، التي لعبت دورًا جوهريًا في تجسيد الكائن الأسطوري. يظهر “الترول” بكامل ضخامة تفاصيله، حيث تم تصميمه بأسلوب يجمع بين الرهبة والجمال. لا يظهر ككائن شيطاني بحت، بل كمخلوق تم تشكيله من صخور الطبيعة نفسها، يحمل ملامحًا تشبه تكوينات الجبال، ما يجعله يبدو جزءًا عضويًا من المشهد الطبيعي النرويجي.

تُعتبر المشاهد التي يُدمّر فيها التروول مساحات واسعة من الريف والمدن، أمثلة مذهلة على استخدام تقنيات CGI، وقد تم تنفيذها بإتقان، مما أضفى مصداقية كبيرة على المشاهد الكارثية. استطاع المخرج توظيف الإضاءة، وزوايا التصوير الواسعة، لإظهار التناقض بين عظمة هذا الكائن وضآلة الإنسان أمامه.

البعد الرمزي والبيئي في الفيلم

بعيدًا عن كون الفيلم مجرد قصة خيالية، فإنه يحتوي على رسائل رمزية متعددة. فالترول في هذا السياق لا يمثل فقط تهديدًا بيولوجيًا، بل رمزًا للغضب المكبوت للطبيعة ضد تدخل الإنسان غير المسؤول. التنقيب في الجبال، التفجير، وتجاهل التحذيرات القديمة، كلها عناصر تشير إلى أن الإنسان هو من أطلق الوحش، وبالتالي، فإنه يواجه الآن نتيجة أفعاله.

هذا البعد يجعل الفيلم يندرج ضمن نوعية الأفلام البيئية الرمزية، التي تُوظف الخيال العلمي والأساطير لتسليط الضوء على مشاكل واقعية معاصرة، مثل استغلال الموارد الطبيعية بشكل مفرط، والتهديدات المناخية، والتصادم بين التقاليد والمعاصرة.

توظيف الفولكلور في سرد سينمائي معاصر

استطاع فيلم Troll أن يُعيد تعريف العلاقة بين الحكايات الشعبية القديمة وعالم السينما الحديث. لم يُستخدم الفولكلور فقط كعنصر للزينة، بل كقلب حقيقي للقصة. يعرض الفيلم حوارات متكررة بين الشخصيات حول أهمية تصديق القصص القديمة، وعدم الاستهانة بالتراث الشفهي. هذا الربط بين الماضي والحاضر يُعطي عمقًا ثقافيًا للفيلم، ويجعل منه أكثر من مجرد مغامرة خيالية.

كما أنّ الحوار الدائر بين العلم والأسطورة كان بارزًا، خاصة من خلال شخصية نورا، التي تمثل نموذج الباحث الذي يبدأ من موقع الشك، لكنه يتطور تدريجيًا إلى موقف الاعتراف والإيمان بوجود ما يتجاوز حدود العلم المادي.

التوزيع والإصدار والتأثير الجماهيري

صدر فيلم Troll عبر منصة نتفليكس العالمية، وهو ما ساعد على وصوله إلى جمهور واسع في مختلف أنحاء العالم. لم يكن الفيلم محصورًا على الجمهور النرويجي أو المتحدثين باللغة الإسكندنافية، بل جرى ترجمته إلى عدة لغات، واستُقبل بحفاوة خاصة من جمهور يعشق قصص الكائنات الغامضة والأحداث المليئة بالتوتر والمفاجآت.

رغم أنّ الفيلم لم يكن مدعومًا بميزانية ضخمة مقارنة بإنتاجات هوليوود، إلا أن النجاح الجماهيري الذي حققه، يعود إلى تركيزه على الجودة البصرية، الحبكة المتماسكة، والجرأة في تقديم كائن أسطوري من منظور إنساني معقد.

جدول يوضح العناصر الرئيسية للفيلم

الخاتمة: بين الحقيقة والأسطورة

يشكّل فيلم Troll علامة فارقة في السينما النرويجية المعاصرة، من حيث استلهامه العميق للتراث الشعبي واستخدامه الذكي للتقنيات الحديثة لنقل قصة قديمة بروح جديدة. هو فيلم لا يقتصر على تقديم المتعة البصرية، بل يحمل في طياته دعوة للتأمل في علاقة الإنسان بالطبيعة، وبما خلفه الأجداد من قصص قد تكون، كما يوحي الفيلم، أكثر واقعية مما نعتقد.

ففي عالم يعج بالأساطير المنسية، يأتي Troll ليذكرنا بأن بعض الحكايات لا تموت، بل تنام في عمق الجبال، بانتظار من يوقظها.

المراجع:

• Norwegian Folklore: A Study in Mythology and Storytelling – (Scandinavian Heritage Institute)

• Film Analysis and Critique of Troll (2022), Nordic Cinema Review