طرق تركيب العطور: علم وفن صناعة الروائح
تمثل صناعة العطور واحدة من أقدم وأعرق الفنون التي مارسها الإنسان، حيث يعود استخدامها إلى الحضارات القديمة مثل الحضارة المصرية والفرعونية واليونانية والرومانية. وعلى مر العصور، تطورت تقنيات تركيب العطور لتتحول من خلط بسيط للمواد العطرية إلى علم قائم بذاته، يتداخل فيه الكيمياء مع الإبداع الفني، ويعتمد على فهم دقيق لتوازن الروائح وتناغمها.
تعريف تركيب العطور
تركيب العطور هو عملية مزج مواد عطرية طبيعية أو صناعية وفق نسب مدروسة لإنتاج عطر يحمل رائحة فريدة. تختلف تركيبات العطور بحسب الغرض منها، فهناك عطور شخصية، وأخرى للبيئة المحيطة مثل المعطرات المنزلية، وعطور صناعية تستخدم في منتجات النظافة والعناية الشخصية.
يعتمد نجاح العطر على عدة عوامل مثل جودة المواد الخام، التوازن بين الروائح العليا والوسطى والقاعدية، تقنيات الاستخلاص والتثبيت، بالإضافة إلى مهارة “العطّار” أو “المركّب”.
المواد المستخدمة في تركيب العطور
تنقسم المواد العطرية المستخدمة في صناعة العطور إلى ثلاث فئات رئيسية:
1. المواد العطرية الطبيعية
تُستخلص من النباتات والحيوانات وتشمل:
-
الزيوت الأساسية: مثل زيت الورد، الياسمين، النيرولي، اللافندر.
-
الراتنجات والصمغيات: مثل اللبان والمر والمسك.
-
المستخلصات الحيوانية: كالعنبر والمسك الطبيعي (نادر الاستخدام حالياً بسبب القوانين البيئية).
2. المواد العطرية الصناعية
تُنتَج عبر تفاعلات كيميائية وهي أكثر شيوعاً اليوم بسبب تكلفتها المنخفضة وثباتها العالي. تشمل مركبات الألدهيد، الكيتونات، والإسترات.
3. المواد المثبتة
تساعد على ثبات العطر لفترة أطول وتُستخدم بنسبة قليلة، مثل الفانيليا، خشب الصندل، الباتشولي، والمواد الصناعية كالأيزو إي سوبر.
التركيبة الهرمية للعطر
يعتمد تركيب العطر على بناء هرمي يُقسّم إلى ثلاث طبقات:
| الطبقة | الوظيفة | أمثلة |
|---|---|---|
| الروائح العليا (Top Notes) | تعطي الانطباع الأول وتتبخر سريعاً | الحمضيات (الليمون، البرتقال)، الأعشاب الخضراء |
| الروائح الوسطى (Heart Notes) | تشكل قلب العطر وتظهر بعد زوال الطبقة العليا | الزهور (الياسمين، الورد)، التوابل (القرفة، القرنفل) |
| الروائح القاعدية (Base Notes) | تمنح العطر الثبات وتبقى لساعات | الأخشاب (الصندل، العود)، المسك، الفانيليا |
خطوات تركيب العطور
الخطوة 1: اختيار الزيوت العطرية
يبدأ تركيب العطر باختيار الزيوت العطرية بعناية، مع مراعاة التناسق بين الروائح وتوازنها. عادة ما يتم المزج بين 3 إلى 15 مكون عطري، تختلف نسبها بحسب النتيجة المطلوبة.
الخطوة 2: تحديد النسبة المئوية لكل طبقة
يجب احترام النسبة المثالية لكل طبقة عطرية ضمن التركيبة:
-
الروائح العليا: 15% – 25%
-
الروائح الوسطى: 30% – 40%
-
الروائح القاعدية: 40% – 55%
الخطوة 3: التذويب في الكحول
بعد مزج الزيوت العطرية، تُذاب في كحول الإيثانول النقي (95% – 98%). تختلف نسبة الكحول بحسب تركيز العطر:
| نوع العطر | نسبة الزيت العطري | نسبة الكحول |
|---|---|---|
| Parfum | 20% – 30% | 70% – 80% |
| Eau de Parfum | 15% – 20% | 80% – 85% |
| Eau de Toilette | 5% – 15% | 85% – 90% |
| Eau de Cologne | 2% – 5% | 90% – 95% |
الخطوة 4: التثبيت والنضوج
بعد المزج، يُترك العطر في زجاجة مغلقة وغير شفافة في مكان بارد ومظلم لمدة تتراوح بين أسبوع إلى ستة أسابيع، وهو ما يُعرف بمرحلة “النضوج”، تسمح خلالها للمكونات بالامتزاج والتفاعل مما يعزز من تناغم الرائحة.
الخطوة 5: التصفية والتعبئة
بعد النضوج، يُصفى العطر باستخدام ورق ترشيح أو قطن ناعم للتخلص من الشوائب، ثم يُعبأ في زجاجات محكمة الغلق، ويفضل أن تكون ذات لون داكن لحماية المكونات من تأثير الضوء.
أنواع التركيبات العطرية حسب المدرسة العطرية
تتعدد المدارس العطرية حول العالم، وتختلف في أسلوب التركيب وتوجهاتها الفنية، ومن أبرزها:
1. المدرسة الفرنسية
تركز على تناغم الروائح وتوازنها، وتُعرف بعطورها الزهرية الناعمة، مثل عطور “شانيل” و”ديور”.
2. المدرسة الشرقية
تستخدم روائح قوية، دافئة وثقيلة، مثل العود، المسك، والعنبر، وتشتهر بها العطور العربية.
3. المدرسة الأمريكية
تعتمد على الحداثة والتجريب، وتُستخدم فيها مكونات غير تقليدية مثل الكولا أو الجلد الصناعي.
الأجهزة والأدوات المستخدمة في تركيب العطور
من أجل تركيب عطر احترافي، هناك مجموعة من الأدوات الأساسية:
-
أنابيب اختبار وزجاجات مخبرية: لقياس ومزج السوائل.
-
ماصّات دقيقة: لقياس الكميات بدقة.
-
ميزان رقمي حساس: لقياس المواد الصلبة أو الثقيلة.
-
قمع ترشيح وورق ترشيح: لتصفية الشوائب.
-
قوارير زجاجية داكنة: لحفظ العطور من الضوء.
-
قفازات ونظارات واقية: لحماية المركّب أثناء التعامل مع الكحول والمواد الكيميائية.
الأخطاء الشائعة في تركيب العطور
-
الخلط غير المتوازن للطبقات: يؤدي إلى عطر غير متناسق.
-
استخدام زيوت عطرية رديئة: يؤثر على ثبات وجودة العطر.
-
عدم إعطاء العطر فترة نضوج كافية: مما يضعف من تناغم الرائحة.
-
التخزين في أماكن غير مناسبة: يؤدي إلى تدهور التركيبة.
الفرق بين تركيب العطور وصناعة العطور التجارية
-
التركيب التقليدي: يتم يدوياً وغالباً بكميات صغيرة، ويُركز على الجانب الإبداعي أكثر من التكرار الصناعي.
-
الصناعة التجارية: تتم عبر مصانع ضخمة وباستخدام برامج محاكاة ومزج آلي، مع هدف تحقيق التجانس والكمية على حساب التفرد أحياناً.
مزايا تركيب العطور يدوياً
-
إمكانية تخصيص العطر بما يناسب الذوق الشخصي.
-
استخدام مواد طبيعية أكثر أماناً وأصالة.
-
تقليل التكاليف مقارنة بالعطور التجارية الباهظة.
-
تجربة حسية وفنية مميزة لمن يهوى الروائح.
الجدول التالي يوضح الفرق بين أنواع العطور الشائعة من حيث التركيب والثبات والسعر
| نوع العطر | تركيز الزيت العطري | مدة الثبات | السعر | الاستخدام |
|---|---|---|---|---|
| Parfum | 20% – 30% | 8 – 12 ساعة | مرتفع جداً | المناسبات الخاصة |
| Eau de Parfum | 15% – 20% | 6 – 8 ساعات | مرتفع | الاستخدام اليومي |
| Eau de Toilette | 5% – 15% | 3 – 5 ساعات | متوسط | العمل أو الصيف |
| Eau de Cologne | 2% – 5% | 1 – 3 ساعات | منخفض | الاستخدام السريع أو الرياضي |
الخلاصة التقنية في فن تركيب العطور
علم العطور يتجاوز مجرد خلط الروائح، بل يمثل نظاماً متكاملاً يتطلب فهماً للكيمياء، حساً فنياً، ودراية دقيقة بتفاعل المواد العطرية مع الجلد والبيئة. ويُعد تركيب العطر يدوياً فناً لا يقل إبداعاً عن الموسيقى أو الرسم، حيث يتطلب كل “مركب” أن يبتكر سيمفونية روائح متناغمة، تحمل طابعه الخاص وتخاطب الحواس بطريقة فريدة.
المراجع:
-
Perfume: The Alchemy of Scent – Jean-Claude Ellena
-
The Secret of Scent – Luca Turin
