تخريج حديث إنما الأعمال بالنيات

تخريج حديث “إنما الأعمال بالنيات” وشرحه

يعد الحديث النبوي “إنما الأعمال بالنيات” من أشهر الأحاديث النبوية التي تناولها العلماء والمحدثون في شروحهم وتفسيراتهم للحديث الشريف. ويُعتبر هذا الحديث قاعدةً عظيمةً في علم الحديث، حيث يؤسس لفهمٍ عميق حول كيفية قبول الأعمال في الإسلام، ويعكس أحد المفاهيم الجوهرية في الدين الإسلامي، ألا وهو ارتباط العمل بنية المسلم وإخلاصه لله سبحانه وتعالى.

في هذا المقال، سنناقش تخريج هذا الحديث الشريف، مع تسليط الضوء على معناه، وما يترتب عليه من أثر في حياة المسلم، وكذلك التأصيل الفقهي والتربوي لهذا الحديث.

أولاً: تخريج الحديث

حديث “إنما الأعمال بالنيات” هو حديث نبوي صحيح، ورد في العديد من كتب الحديث المعتمدة.

1. مصدر الحديث:

• روي هذا الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو الصحابي الجليل الذي نقل عنه الكثير من الأحاديث. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”.

• الحديث وارد في صحيح البخاري (رقم الحديث 1) و صحيح مسلم (رقم الحديث 1907)، وهما من أشهر كتب الحديث وأصحهما.

2. درجة الحديث:

• الحديث متفق على صحته بين علماء الحديث، حيث أخرجه كل من الإمام البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه. وتعتبر درجة صحته في أعلى مراتب الحديث، إذ يعد من الأحاديث المتواترة في معناه إذا أخذنا في الاعتبار سعة انتشاره وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة طرق.

3. شروح العلماء:

• يفسر علماء الحديث هذا الحديث على أنه قاعدة كلية في الإسلام، تؤكد أن النية هي أساس قبول العمل وميزانه. إذا كانت النية صافية وموجهة لله عز وجل، فإن العمل يصبح صالحًا وقبولًا عند الله سبحانه وتعالى، وإذا كانت النية فاسدة أو غير خالصة لله، فإن العمل يظل مردودًا مهما كان ظاهره حسنًا.

ثانيًا: شرح الحديث ومعناه

1. “إنما الأعمال بالنيات”:

• كلمة “إنما” في هذا الحديث تؤكد الحصر، أي أن الأعمال لا تُعتبر أعمالًا صحيحة ما لم تكن موجهة بنية صافية. وهذا ينفي إمكانية قبول أي عمل لا يتوافق مع نية صافية وسليمة لله سبحانه وتعالى.

  على سبيل المثال، إذا قام شخص بالصلاة أو الصيام أو الزكاة، فإن هذه الأعمال لا تعتبر أعمالًا صحيحة إلا إذا كان الدافع والنية وراء هذه الأعمال هو طلب رضا الله واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم. النية الصافية هي التي تمنح العمل قوته وحقيقته.

2. “وإنما لكل امرئ ما نوى”:

• هذه الجملة تأتي لتبيّن أن الجزاء على العمل ليس فقط بناءً على العمل الظاهر، وإنما بناءً على النية التي كان يقصدها العامل. ففي النهاية، يُجزى الإنسان على ما في قلبه، وليس فقط على ما يظهر منه من أعمال.

  فمثلاً، إذا قام شخص بأداء عبادة من العبادات بنية الرياء أو التفاخر، فإن عمله هذا لن يُقبل من الله تعالى، بل سيكون مردودًا عليه. أما إذا قام بنفس العمل بنية إرضاء الله تعالى والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فسيُجازى عليه جزاءً عظيمًا من الله.

ثالثًا: أثر الحديث في حياة المسلم

1. أهمية النية في الإسلام:

• يعتبر هذا الحديث حجر الزاوية لفهم كيفية قبول الأعمال في الإسلام. فالإسلام لا يكتفي فقط بالأعمال الظاهرة، بل ينظر إلى النية التي تقف وراء هذه الأعمال. هذا يعكس عظمة الدين الإسلامي في أن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى المظاهر، بل إلى القلوب والنوايا.

  • تُعد النية بمثابة محرك للعمل، فبها يتم توجيه العمل نحو الهدف الصحيح، وفي غياب النية الصحيحة يكون العمل فاقدًا لأصالته. لهذا، نجد أن الإسلام يعنى اهتمامًا خاصًا بالنية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من العبادة.

2. النية في العبادات:

• لا يقتصر أثر الحديث على العبادة الكبرى فقط مثل الصلاة والصيام، بل يمتد ليشمل جميع الأعمال التي يقوم بها المسلم، سواء كانت عبادات أو أعمالًا حياتية. على سبيل المثال، حتى العمل اليومي الذي يقوم به المسلم كالكسب من التجارة أو العمل في أي مجال آخر، إذا كانت النية من وراء ذلك هي خدمة المجتمع وتلبية حاجات المسلمين، فإن هذا العمل يصبح عبادة.

  • إن النية الطيبة قد تحول العمل العادي إلى عمل صالح يعظم أجره عند الله، ويقوي علاقة المسلم بربه. وهذا يوضح كيف أن النية هي من أهم الجوانب التي تؤثر في قبول العمل وبلوغه درجة عظيمة في الأجر.

3. النية في الأمور الدنيوية:

• لم تقتصر أهمية النية على العبادات فحسب، بل تعدتها إلى كافة الأعمال الحياتية. فالنية تلعب دورًا حاسمًا في كيفية توجيه الإنسان لعمله وأهدافه في الحياة الدنيا. فالشخص الذي يسعى للعلم بهدف النهوض بالمجتمع ورفع الجهل، يمكنه أن يُكافأ من الله جزاءً عظيمًا على نية الخير التي كانت وراء طلبه للعلم.

  • نفس الشيء ينطبق على العمل الوظيفي أو التجاري؛ حيث أن النية في الحصول على الرزق بهدف إعالة الأسرة أو مساعدة الآخرين يمكن أن تُعتبر جهادًا في سبيل الله إذا كانت النية طيبة.

رابعًا: التفسير الفقهي للحديث

1. الفقه الإسلامي والنية:

• يعتبر العلماء هذا الحديث من أصول الفقه المهمة. ففي كل أبواب الفقه، نجد أن النية تكون أساسًا لقبول العمل من حيث الصحة أو الفساد. في الصلاة، مثلاً، تُعد النية من أركان الصلاة، حيث لا تصح الصلاة بدونها، وكذلك في الصيام والزكاة، فإن النية تكون أساسًا لصحة العبادة.

• عند المالكية، على سبيل المثال، هناك تأكيد كبير على ضرورة النية في جميع الأعمال، فهي جزء من أركان العبادة، كما أن الأئمة الأربعة في الجملة يتفقون على أهمية النية في قبول العمل.

2. نية المفسدة:

• من الأمور الهامة التي يوضحها هذا الحديث أيضًا هي نية المفسدة. حيث إذا كانت النية فاسدة أو غير صافية، فإن العمل قد يكون مردودًا. هذا يتضح في العبادات التي يقوم بها البعض بنية الرياء أو التفاخر، وهؤلاء لا يُجزون عن أعمالهم إلا الخسران، كما ورد في الحديث الشريف.

3. النية في التعاملات:

• كذلك في المعاملات اليومية مثل البيع والشراء، يكون النية أساسًا لقبول العمل في نظر الشريعة الإسلامية. إذا كانت نية المسلم في عمله هي الحصول على المال الحلال، فإنه يُجازى على ذلك، ولكن إذا كانت النية غير ذلك كالتلاعب أو الربا، فإن عمله سيكون غير مقبول.

خامسًا: الخلاصة

حديث “إنما الأعمال بالنيات” هو حديث يتناول واحدة من القيم الأساسية في الإسلام، وهي قيمة النية، ويؤكد أن الأعمال التي لا تكون بنيتها خالصة لله تعالى لا تُقبل. فالنية هي الأساس الذي يُحدد قبول العمل من عدمه عند الله سبحانه وتعالى. هذا الحديث له تأثير عميق في حياة المسلم؛ إذ يُشجعه على أن يخلص نياته في جميع أعماله، سواء كانت عبادات أو تعاملات دنيوية. كما يعزز هذا الحديث من فهم المسلم لكيفية الحصول على الأجر والثواب، من خلال تصحيح النية وجعلها موجهة لله سبحانه وتعالى، مما يضمن أن كل عمل يقوم به المسلم يمكن أن يُعد عبادة ويكون مصدرًا للثواب.

المصادر:

1. صحيح البخاري.

2. صحيح مسلم.