بعد أن ألقى فيروس “كورونا” بظلاله المظلمة على عالم صناعة الترفيه التلفزيوني، وأجبر المخرجين على إيقاف أنشطتهم وإطفاء كاميراتهم، شهدت الساحة الفنية انحساراً في الإنتاج التلفزيوني الجديد خلال عام 2021م. إلا أنه مع استعادة الحياة تدريجياً وعودة إدارة الكاميرات إلى مواقع التصوير، يبرز الآن تساؤل كبير أمام المشاهدين الذين يجدون أنفسهم في حالة من الحيرة حيال العروض والمسلسلات التي ستعود إلى شاشاتهم.
تتجسد هذه الحيرة في سياق أوسع لمنافسة تشتد بين عمالقة صناعة الترفيه، حيث تندلع ما يعرف بـ “حروب البث”. إذ يشهد العام 2022م تحولاً في طابع هذه الحرب، حيث يتجه العديد من مزودي خدمات البث إلى استكشاف أسواق جديدة وتوسيع نطاق تواجدهم العالمي. وفي هذا السياق، يعكس إطلاق الموسم الرابع من “أشياء غريبة” على منصة “نتفلكس” والكشف عن مسلسل ضخم بعنوان “سيد الخواتم” على “أمازون برايم فيديو”، تطوراً ملحوظاً في هذه الديناميات التنافسية.
لكن لا تقتصر هذه التحولات على الساحة الأمريكية فقط، بل اتسعت رقعة المنافسة لتشمل مناطق جديدة. فقد شهدنا توغل شركة “ديزني”، وهي واحدة من أكبر استوديوهات هوليوود، في أسواق آسيا بشكل أكبر، بينما قامت منصة “بيكوك” بغزو السوق الأوروبية، وجذبت “إتش بي أو ماكس” الأنظار إلى نفسها. ومن خلال إقامة متاجر لخدمات البث في البرازيل وكندا والفلبين، تعززت مؤسسة “ديسكفري+” تواجدها العالمي.
وفي العام المقبل، يتوقع أن يشهد العالم المزيد من التوسع، حيث تنوي “ديزني+” إطلاق خدمتها في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا، بينما تستعد “باراماونت+” للوصول إلى أكبر الأسواق في أوروبا. ولا يقتصر التوسع على هذه المنصات فقط، بل من المتوقع أن توسع “إتش بي أو ماكس”، الذي يمتلك برامجاً تلفزيونية بارزة مثل “صراع العروش”، حضورها في أسواق أوروبا.
ومع تلك التحركات، يظهر بوضوح أن التنافس لم يعد محصوراً في بضعة جهات، بل يتسارع نحو أفق أوسع. وفي هذا السياق، تأتي الحروب القائمة بين “نتفلكس” و”ديزني+” و”بيكوك” وغيرها كجزء من مشهد أوسع، حيث يشتد الصراع على استقطاب الجماهير والاستحواذ على حصص السوق.
ورغم الجهود الكبيرة التي تقوم بها هذه المنصات للتوسع والوصول إلى فئات جديدة من المشاهدين، إلا أن هناك تحديات عدة تعترض طريقها. ففي الأسواق الناشئة، مثل الهند، تواجه “ديزني+” تحديات كبيرة في تحقيق إيرادات ملموسة شهرياً من المشتركين. وحتى في الدول الغنية، تظهر الميزانيات التي تبدو ضخمة في واقعها كأقل من المتوقع، وتتسم الصناعة بتعقيدات تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، حيث تضع بعض الاستوديوهات، كما يظهر في حالة “ديزني”، جميع أفلامها وعروضها على خدمة البث المباشر الخاصة بها، في حين تظل لدى منصات أخرى التزامات ترخيص مع موزعين متنوعين.
في مواجهة هذه التحديات، تبرز مفهوم التحالفات كحلاً استراتيجياً للتغلب على الصعوبات. على سبيل المثال، تسعى شركتا “ديسكفري” و”وارنر ميديا” إلى تعزيز تواجدهما في المشهد التنافسي عبر اتفاق تحالف مقترح من المتوقع أن يساعدهما في مواجهة تحديات “نتفلكس” والتفوق في ساحة البث. ومن ناحية أخرى، تظهر الاتفاقيات الدولية كمفتاح لتوسيع نطاق التأثير، حيث اتفقت “كومكاست” و”فاياكوم سي بي إس” على دمج منصتي “بيكوك” و”باراماونت+” في خدمة بث جديدة تحمل اسم “سكاي شوتايم”، والتي من المقرر إطلاقها في أوروبا خلال عام 2022م.
في الختام، يشهد العام المقبل ازدياد الخيارات على شاشات التلفاز، وقد نجد أنفسنا متحيرين في اختيار ما يجب مشاهدته وعلى أي منصة. إن هذه التحولات والتحديات تبرز واقعية صعوبة اختراق الأسواق وضرورة البحث عن حلول استراتيجية مناسبة لتحقيق النجاح في هذا السوق المتنوع والديناميكي.
المزيد من المعلومات
تعكس هذه التطورات في صناعة الترفيه التلفزيوني الانتقال السريع نحو عصر البث الرقمي والمحتوى عبر الإنترنت، حيث أصبحت الشاشات الذكية وخدمات البث على الطلب جزءاً أساسياً من حياة المشاهدين. يظهر توسع منصات البث في أسواق متنوعة كاستراتيجية حيوية لتحقيق النجاح، مع التركيز على تلبية احتياجات فئات وثقافات متنوعة حول العالم.
من الجدير بالذكر أن هذه الحروب البث لا تقتصر فقط على منطقة الغرب، بل امتدت إلى المناطق الناشئة والتي تعد مصدراً مهماً للنمو المستقبلي. على سبيل المثال، تشهد الهند، وهي واحدة من أكبر أسواق البث في آسيا، تفاعلاً كبيراً مع منصات البث المباشر مثل “ديزني+” و”نتفلكس”، وذلك في ظل تزايد الطلب على محتوى ترفيهي متنوع.
مع توسع الشركات في هذا السياق، يبرز أيضاً مفهوم تحالفات الإنتاج، حيث يبدو أن التعاون بين الشركات يعزز من قدرتها على منافسة العمالقة وتحقيق الاستدامة في عالم الترفيه الرقمي. هذه التحالفات لا تشمل فقط الإنتاج ولكن أيضاً تتعلق بحقوق الملكية الفكرية والتوزيع الدولي، وهي جوانب حيوية في بيئة البث الحديثة.
بالإضافة إلى ذلك، يتسارع التحول نحو تقديم المزيد من المحتوى بتقنيات الرسوم المتحركة، ويُلاحظ أن شركات مثل “ديزني” تسعى إلى تطوير محتوى خاص بها بهذه التقنية لجذب فئات عمرية متنوعة وتلبية توقعات جمهور متغير بشكل سريع.
في النهاية، تعكس هذه الديناميات السريعة في عالم البث التلفزيوني تحولات عميقة في عادات المشاهدة وتفضيلاتهم، مما يضع التحديات والفرص على طاولة الصناعة. إذ يُطلب من الشركات الابتكار المستمر وفهم عميق لاحتياجات الجمهور لتحقيق التفوق في ساحة المنافسة المحمومة هذه.