شرح مسرحية “هاملت” لويليام شكسبير
مسرحية هاملت تعتبر واحدة من أعظم الأعمال الأدبية في تاريخ المسرح الغربي. كتبت في أواخر القرن السادس عشر أو أوائل القرن السابع عشر، وتعد من أبرز الأعمال التي استطاعت أن تظل حية في ذاكرة الأدب حتى يومنا هذا، بفضل عمق أفكارها وشخصياتها المعقدة. تدور أحداث المسرحية في مملكة الدنمارك، وتتبع القصة الأمير هاملت في سعيه للانتقام من قتل والده، وهو ملك الدنمارك. ومن خلال هذه القصة، تستعرض المسرحية موضوعات عديدة مثل الخيانة، والفساد، والتردد، والوجودية، وصراع الفرد مع ضميره.
القصة الخلفية
تبدأ القصة بموت ملك الدنمارك، الذي يُكتشف في البداية أن سبب موته هو مرض مفاجئ. ولكن سرعان ما يظهر شبح الملك للابن الأمير هاملت ليكشف له أنه قُتل على يد شقيقه، الذي أصبح الآن ملكاً للبلاد وتزوج أرملة الملك المتوفى، وهي والدة هاملت. يتعرض هاملت لضغوط شديدة من الشبح ليتخذ قرارًا بالانتقام من قاتل والده، ولكن سرعته في اتخاذ القرار تواجهه عوائق من تردده العميق، مما يخلق صراعًا داخليًا مستمرًا.
الشخصيات الرئيسية
-
هاملت:
الأمير هاملت هو الشخصية الرئيسية في المسرحية، وهو شاب مفعم بالتردد والتساؤلات الفلسفية. منذ اللحظة الأولى، يعاني هاملت من حالة من الارتباك والتشوش بعد وفاة والده وارتفاع شكوكه حول من قتله. تتسم شخصيته بالتناقضات؛ فهو شخص عقلاني ومتأمل، ولكنه في الوقت نفسه يفتقر إلى القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة. يتساءل بشكل مستمر عن معنى الحياة والموت، ويعرض شكوكه حول مصير الإنسان وتقديره للعدالة. إنه بطل معذب يغرق في أعمق مستويات التشكيك في قيم ومفاهيم الحياة. -
الملك كلوديوس:
هو عدو هاملت الرئيس، شقيق الملك الراحل وعم هاملت. بعد أن قتل كلوديوس أخاه ليأخذ العرش، تزوج من أرملة أخيه بسرعة، مما يثير غضب هاملت. يمثل الملك كلوديوس الفساد والانتهازية، حيث يستخدم أساليب ملتوية للتمسك بالسلطة. -
الملكة جيرترود:
هي والدة هاملت، وتُعتبر شخصية معقدة هي الأخرى. في البداية، تظهر جيرترود كضحية في يد كلوديوس، ولكن على مدار المسرحية يتضح أنها تُفضّل مصالحها الشخصية على حساب ابنها. كانت زواجها السريع من كلوديوس بعد وفاة زوجها الأسبق موضوعًا أثار العديد من التساؤلات حول ولائها لزوجها الراحل. -
أوفيليا:
هي حبيبة هاملت، وهي شخصية تعكس المعاناة النسائية في محيط مليء بالصراع والفساد. تتأثر أوفيليا بشدة بعد وفاة والدها، وتنهار نفسيًا بعد أن يُبعدها هاملت عن حياته. وتعتبر وفاة أوفيليا في النهاية، التي يقال إنها كانت نتيجة لحادث غرق، واحدة من أكثر اللحظات الحزينة في المسرحية. -
بولونيوس:
هو والد أوفيليا وأحد المقربين من الملك كلوديوس. يتمتع بولونيوس بحكمة زائفة ويُعتبر متسلطًا، فهو يحاول التدخل في حياة ابنته وعلاقتها مع هاملت. يظهر بولونيوس أيضًا في كثير من الأحيان باعتباره أداة في يد السلطة. -
هوراتيو:
هو صديق هاملت المقرب، ويعتبر من الشخصيات الصادقة في المسرحية. يظل مخلصًا لهاملت طوال الأحداث ويُظهر أهمية الصداقات الحقيقية في حياة الأفراد. هوراتيو هو الوحيد الذي يبقى على قيد الحياة في نهاية المسرحية ليُروي قصة ما حدث.
الموضوعات الرئيسية
-
الانتقام:
يعد الانتقام الموضوع الأساسي في المسرحية. يطالب الشبح هاملت بالانتقام من قتل والده، لكن هاملت يتردد بشكل مستمر، مما يعكس التساؤلات العميقة حول عدالة الانتقام ونتائجه. الانتقام ليس فقط قضية شخصية بالنسبة لهاملت، بل هو أيضًا محور الصراع بين الشخصيات الأخرى. -
الوجودية والموت:
تعد مسألة الموت من أكثر المواضيع التي تناولتها المسرحية. يتساءل هاملت عن معنى الحياة والموت طوال الوقت، ويرى أن الوجود نفسه هو مسألة معقدة مليئة بالألم والظلم. يثير هاملت، من خلال أشهر مشهد في المسرحية (الذي يبدأ بعبارته “أن تكون أو لا تكون”), تساؤلات فلسفية عن حياة الإنسان والموت وما قد ينتظرنا بعده. -
الفساد:
تعكس المسرحية الفساد في مملكة الدنمارك، التي يرمز لها بكلوديوس. يبدأ الفساد من فعل القتل الذي ارتكبه كلوديوس، ويمتد إلى الفساد الأخلاقي والجسدي الذي يصيب شخصيات أخرى مثل الملكة جيرترود التي تتزوج بسرعة بعد وفاة زوجها. يتم تصوير فساد المملكة في غالبية المشاهد، ويعكس شكوك هاملت المستمرة حول نوايا الجميع. -
الجنون:
يتم تسليط الضوء على الجنون من خلال شخصية هاملت الذي يُظهر تصرفات غريبة ويبدو أنه يفقد عقله في بعض الأوقات. رغم أن هاملت يزعم أن الجنون جزء من خطته للانتقام، إلا أن الفاصل بين الجنون والتعقل يصبح ضبابيًا طوال المسرحية. بالإضافة إلى هاملت، هناك شخصية أوفيليا التي تصبح هي الأخرى ضحية للجنون، حيث تؤدي إلى انهيارها النفسي نتيجة للصراعات العاطفية التي تعيشها.
البنية الدرامية
تتسم هاملت بأنها مسرحية من خمسة فصول، تحتوي على العديد من اللحظات العاطفية والمواقف المأساوية. يبدأ العمل مع إعلان وفاة الملك وأخذ عرش كلوديوس، ويستمر في تصاعد التوترات حول الانتقام والشرف. كل فصل يحمل قمة جديدة من الفوضى العاطفية والسياسية التي تنتهي في الفصل الأخير بحلول مأساوية لعدد كبير من الشخصيات.
-
الفصل الأول: يبدأ بكشف الشبح الذي يخبر هاملت بكيفية مقتل والده. يصاب هاملت بالحيرة والتردد، ويبدأ في التخطيط للانتقام.
-
الفصل الثاني: يتزايد الصراع الداخلي لدى هاملت، وتبدأ الشخصيات الأخرى مثل بولونيوس في التدخل في شؤون هاملت وعلاقاته.
-
الفصل الثالث: تتسارع الأحداث مع تحضير هاملت للمقابلة بينه وبين الملك كلوديوس، حيث يبدأ في اختبار مشاعر كلوديوس باستخدام مسرحية تحمل تشبيهًا لمقتل والده.
-
الفصل الرابع: يتصاعد الخطر بشكل متسارع، حيث تزداد الصراعات وتبدأ الشخصيات الأخرى في المعاناة من أفعال هاملت المتسرعة.
-
الفصل الخامس: ينتهي العمل بمجزرة حقيقية في القصر، حيث يُقتل الملك كلوديوس، وتهلك الشخصيات الرئيسية واحدة تلو الأخرى، وينتهي العمل بنهاية مأساوية.
الرمزية والدلالات
تُعتبر هاملت من أكثر المسرحيات التي تحتوي على رمزية ودلالات فلسفية. من خلال شخصية هاملت، يتم استكشاف مفاهيم مثل الوجود والموت، والعدل والفساد، وفكرة الفدية والمغفرة. تُعتبر اللحظات الرمزية في المسرحية جزءًا من هوية العمل، مثل مشهد “المقبرة” الذي يقدمه هاملت، والذي يطرح تساؤلاته حول الحياة والموت، ويُظهر رمزية العظام والقبور كتذكير بأن الموت هو النهاية الحتمية لكل شيء.
الخاتمة
تعتبر هاملت مسرحية معقدة تتناول موضوعات فلسفية عميقة ومعقدة حول الموت، والانتقام، والفساد، والتردد، والجنون. تقدم المسرحية صورًا متعددة للصراع الداخلي للإنسان، وتطرح تساؤلات فلسفية لا يمكن الإجابة عليها بسهولة. تظل هذه المسرحية خالدة في ذاكرة الأدب العالمي، لكونها من أعمق الأعمال التي تناولت الأسئلة الوجودية وتحدى الأبطال للبحث عن الحقيقة في عالم مليء بالتلاعب والفساد.
