في كتاب “المزكيات وهي الفوائد المنتخبة الغرائب العوالي” الذي ألَّفه الدارقطني، ينطلق القارئ في رحلة فريدة تمتزج فيها الأسانيد ومفردات الرواة بتأمُّلات المزكي واقتناصه للفوائد الغريبة. يُعتبر هذا الكتاب من بين أهم الأعمال الفكرية التي أخرجها الدارقطني، حيث كرس جهوده لتتبع الفوائد واستخلاص الغرائب من بين الكتب الدائرة بين المحدثين، مسلطًا الضوء على الفائدة والفريد في زاوية العوالي والغرائب.
يتميز المزكي بسمعته كمفتي وعالم مجتهد، حيث كان يتحدى التحديات العلمية ويتنقل بين الأحاديث والآثار بمهارة استثنائية. وفي هذا الكتاب، قدَّم المزكي مجموعة من الفوائد التي تعد تحفة فكرية تُبرز عمقه في التحقيق والتفحص. يجسد الكتاب الروح البحثية والتفكير العلمي الذي أبدع فيه المزكي، حيث تعكس صفحاته استفادته من الأسانيد وتأمُّلاته الفريدة في المفردات.
وقد رفع الدارقطني شعار الفائدة العلمية والبحث الدقيق، حيث نقل في كتابه هذا الغنى العلمي والتنقيب العميق في الفوائد، وذلك بتوجيه القارئ إلى أغوار العلم والمعرفة العميقة. يظهر في صفحات “المزكيات” استيعابٌ عالي للتراث واحترامٌ للمصادر، ما يجعل القارئ يغوص في عالم المعرفة بكل فخر.
على الرغم من شهرة المزكيات واعتبارها كنزًا علميًا، إلا أن نسخها قليلة، ما يجعل تحقيق الدارقطني لها أمرًا قيِّمًا. استند المحقق في تحقيقه إلى ثلاث نسخ، وقام بمقارنتها وضبط النص الأصلي، مع إجراء تخريج دقيق للآيات والأحاديث والإعلام. ولإضافة طابع تحقيقي إلى الكتاب، أدرج فهرسًا للأحاديث والآثار، فضلاً عن فهرس للرواة الذين تحدث عنهم الدارقطني، وختم العمل بفهرس للموضوعات في نهايته.
تمنحنا هذه العملية التحقيقية الشاملة فهمًا أعمق للمزكيات، وتسلط الضوء على جهود الدارقطني في تقديم إصدار متكامل ومرجعي لهذا الكتاب الرائع. يعتبر هذا العمل إسهامًا قيِّمًا لفهم أعمق للتراث الإسلامي وتطوير البحث العلمي في هذا المجال.