كتاب “المكعب والكاتدرائية: أوروبا، أمريكا، والسياسة بدون الله” للكاتب جورج ويغل، يُعد من الأعمال الفكرية البارزة التي تُقدم تحليلاً نقدياً للواقع الأوروبي المعاصر والفجوات العميقة بين النظرة الأوروبية والأمريكية تجاه العالم والديمقراطية في القرن الحادي والعشرين. نُشر هذا الكتاب في فبراير 2006 عن دار نشر بيسيك بوكس ويُصنف ضمن فئة الدين والمواضيع العامة، حيث يُشكل مرجعًا هامًا للباحثين في تأثير العلمانية على النسيج الاجتماعي والثقافي في أوروبا.
تبدأ الرؤية النقدية لويغل بتحليل المفارقة البصرية والثقافية بين معلمين معماريين بارزين في باريس: “المكعب” الذي يمثل قوس الدفاع الكبير بتصميمه الحديث المجرد، و”الكاتدرائية” التي تمثل كاتدرائية نوتردام بتصميمها القوطي الرائع. يرى ويغل أن هذين الرمزين يمثلان تباينًا عميقًا بين الحضارة الأوروبية القديمة، التي كانت روحها مشبعة بالأبعاد الدينية والروحية، وبين الحضارة الجديدة التي تروج للعلمانية المتطرفة.
يركز ويغل على أن أوروبا اليوم تعاني من “مشكلة” تتمثل في الإقبال المتزايد على نزعة علمانية محدودة، ما أدى إلى أزمة في الروح المعنوية للحضارة، وهذا بدوره يؤثر على قدرة أوروبا على تشكيل مستقبلها. يتمثل هذا التأثير في تناقص النسل والتدهور الديموغرافي الذي يُعد واحدًا من أبرز المؤشرات على “موت” أوروبا ديموغرافيًا.
تتجلى إحدى النقاط الرئيسية في الكتاب في نقاش حول مفهوم الساحة العامة في أوروبا، حيث يناقش ويغل النقاش السياسي الدائر حول الدستور الأوروبي الجديد والمطالبات بإبعاد الحجج الأخلاقية المستندة إلى الدين عن الساحة العامة، بادعاء أن هذا الفصل يضمن سلامة حقوق الإنسان والديمقراطية. يُطرح هنا السؤال العميق: هل يمكن وجود “سياسة” حقيقية—أي تداول حقيقي حول الخير العام ودفاع قوي عن الحرية—دون الإشارة إلى الله أو الأبعاد الروحية؟
يُقدم ويغل في كتابه دعوة لإعادة التفكير في القيم التي تُشكل الأسس الأخلاقية والروحية للمجتمعات ويحذر من مغبة التخلي عن هذه الأسس، مشيرًا إلى أن مجتمعات وثقافات لا يمكن أن تتجاوز عظمتها مدى طموحها الروحي. وهكذا، يجعل من “المكعب والكاتدرائية” ليس فقط تحليلاً للتحديات التي تواجه أوروبا والغرب اليوم ولكن أيضًا دعوة لاستجابة متجددة تحترم الأبعاد الأخلاقية والروحية للإنسانية.