أسباب نقص فيتامين د عند النساء

سبب نقص فيتامين د عند النساء

يُعد فيتامين د من العناصر الحيوية الضرورية لصحة الإنسان، وتحديدًا لصحة العظام والأسنان والجهاز المناعي. غير أن نقصه شائع بدرجة مقلقة بين مختلف الفئات السكانية، وتُعتبر النساء من أكثر الفئات عرضة لهذا النقص لأسباب متعددة تتداخل فيها الجوانب الفسيولوجية والاجتماعية والثقافية. يتناول هذا المقال بشكل موسع الأسباب التي تؤدي إلى نقص فيتامين د لدى النساء، مع تسليط الضوء على العوامل البيولوجية والسلوكية والبيئية التي تسهم في تفاقم هذه الحالة الصحية التي غالبًا ما تكون صامتة في بداياتها.

أولًا: فيتامين د ووظائفه الحيوية في الجسم

فيتامين د ليس فيتامينًا تقليديًا فحسب، بل يُعد هرمونًا ستيرويديًا يصنعه الجسم عند تعرض الجلد لأشعة الشمس فوق البنفسجية من النوع B (UVB). يلعب دورًا محوريًا في تنظيم مستويات الكالسيوم والفوسفور في الدم، وهو ما يُعتبر أمرًا جوهريًا لبناء العظام والحفاظ على كتلتها وكثافتها. كما أن له تأثيرات على الجهاز المناعي، وقد ثبت أنه يشارك في الوقاية من بعض أمراض المناعة الذاتية، والالتهابات، وحتى بعض أنواع السرطانات.

ثانيًا: النقص الواسع لفيتامين د بين النساء

تشير الدراسات الوبائية إلى أن نسبة كبيرة من النساء في أنحاء متفرقة من العالم تعاني من مستويات غير كافية من فيتامين د. ويُقدر أن أكثر من 50% من النساء في بعض الدول يعانين من هذا النقص، ويصل الأمر في بعض المناطق إلى نسب تفوق 70%. وتعود هذه الظاهرة إلى تداخل عدة أسباب، أبرزها:

ثالثًا: الأسباب البيولوجية والهرمونية

1. الاختلافات الهرمونية

النساء أكثر عرضة لتقلبات هرمونية حادة، سواء خلال الدورة الشهرية أو فترات الحمل والرضاعة أو سن اليأس. هذه التغيرات تؤثر على امتصاص فيتامين د وعلى معدلات استهلاكه في الجسم. فعلى سبيل المثال، ارتفاع هرمون الإستروجين يرتبط بزيادة فعالية فيتامين د، بينما نقصه في مرحلة انقطاع الطمث يؤدي إلى تقليل الفعالية الحيوية للفيتامين.

2. الحمل والرضاعة

خلال فترة الحمل، تحتاج المرأة إلى كميات أكبر من فيتامين د لدعم نمو الجنين، وخصوصًا نمو عظامه وجهازه العصبي. وإذا لم تحصل الحامل على كميات كافية من هذا الفيتامين، فإن مخزونها منه قد ينخفض بدرجة حادة. الأمر نفسه ينطبق على فترة الرضاعة الطبيعية، حيث يستهلك جسم الأم كميات كبيرة من الفيتامين لتأمينه في الحليب.

رابعًا: العوامل البيئية والاجتماعية

1. قلة التعرض لأشعة الشمس

يُعتبر التعرض لأشعة الشمس المصدر الرئيسي لفيتامين د. إلا أن العديد من النساء لا يحصلن على ما يكفي من أشعة الشمس لأسباب متعددة منها:

• ارتداء الملابس المحتشمة التي تغطي معظم الجسم، وهو شائع في مجتمعات كثيرة.

• قضاء وقت طويل داخل المنازل أو في أماكن مغلقة كالعمل والمراكز التجارية.

• استعمال كريمات الوقاية من الشمس بشكل مفرط.

• تواجدهن في مناطق جغرافية ذات شتاء طويل أو كثافة سحابية عالية تقلل من الأشعة فوق البنفسجية.

2. المستوى الاجتماعي والاقتصادي

تشير بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين انخفاض الحالة الاقتصادية وارتفاع معدلات نقص فيتامين د، خاصة بين النساء. ويُعزى ذلك إلى:

• ضعف القدرة على شراء مكملات فيتامين د أو الأغذية المدعّمة.

• سوء التغذية أو قلة التنوع الغذائي.

• نقص الوعي الصحي حول أهمية التعرض للشمس وتناول الأطعمة الغنية بالفيتامين.

خامسًا: العوامل الغذائية

1. نقص الأغذية الغنية بفيتامين د

من المصادر الغذائية الطبيعية الغنية بفيتامين د: الأسماك الدهنية (مثل السلمون والسردين)، زيت كبد الحوت، صفار البيض، وكبد البقر. إلا أن هذه الأطعمة قد لا تدخل ضمن النظام الغذائي اليومي للعديد من النساء بسبب:

• تفضيلات غذائية شخصية أو ثقافية.

• النظام الغذائي النباتي الذي يفتقر غالبًا إلى فيتامين د.

• الحميات القاسية لخسارة الوزن والتي تُقلل من التنوع الغذائي.

2. ضعف الامتصاص المعوي

بعض النساء يعانين من مشاكل في الجهاز الهضمي تقلل من امتصاص الفيتامين، مثل:

• الداء الزلاقي (حساسية الغلوتين).

• أمراض التهابات الأمعاء مثل “كرون”.

• مشاكل في الكبد أو المرارة التي تؤثر على امتصاص الفيتامينات الذائبة في الدهون.

سادسًا: العوامل المرتبطة بالعمر

1. الشيخوخة وتراجع تصنيع الفيتامين

مع التقدم في العمر، تقل قدرة الجلد على إنتاج فيتامين د عند التعرض للشمس بنسبة قد تصل إلى 75% مقارنة بالشباب. النساء المسنات معرضات بشكل خاص لهذا النقص، خاصة في ظل قلة النشاط البدني والبقاء لفترات طويلة داخل المنازل.

2. زيادة الوزن والسمنة

فيتامين د يُخزن في الأنسجة الدهنية. وبالتالي، فإن النساء اللواتي يعانين من السمنة يكنّ أكثر عرضة لنقص فيتامين د، إذ يتم احتجازه في الخلايا الدهنية ويقل توفره في الدورة الدموية.

سابعًا: تأثير نقص فيتامين د على صحة المرأة

يؤثر نقص فيتامين د على مجموعة من الجوانب الصحية لدى النساء، من أهمها:

• هشاشة العظام: يزيد النقص المزمن في فيتامين د من خطر الإصابة بهشاشة العظام والكسور.

• ضعف العضلات: يرتبط نقص فيتامين د بانخفاض الكتلة العضلية وزيادة خطر السقوط لدى كبار السن.

• التقلبات المزاجية: لوحظ ارتباط بين نقص فيتامين د والاكتئاب والقلق، خاصة في فترات ما بعد الولادة وسن اليأس.

• الإصابة بالأمراض المزمنة: أظهرت دراسات أن النساء ذوات المستويات المنخفضة من فيتامين د أكثر عرضة للإصابة بالسكري النوع الثاني، أمراض القلب، وبعض أنواع السرطان مثل سرطان الثدي.

• ضعف المناعة: انخفاض مستويات فيتامين د يُضعف الاستجابة المناعية ويزيد من خطر الإصابة بالعدوى المتكررة، خصوصًا التهابات الجهاز التنفسي.

ثامنًا: الجدول التالي يوضح أهم الأسباب وعوامل الخطر المرتبطة بنقص فيتامين د عند النساء

تاسعًا: العوامل الثقافية والدينية وتأثيرها على النقص

في مجتمعات عدة، تلعب القيم الثقافية والدينية دورًا في تحديد نمط اللباس والمشاركة في الأنشطة الخارجية. ارتداء الحجاب الكامل أو النقاب، على سبيل المثال، يقلل من قدرة الجلد على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية اللازمة لإنتاج الفيتامين، لا سيما إذا تزامن ذلك مع عدم تناول مكملات غذائية أو الأغذية المدعمة.

عاشرًا: تحديات التشخيص

نقص فيتامين د غالبًا ما يكون “صامتًا” ولا يرافقه أعراض واضحة في بداياته، مما يؤدي إلى تأخر في التشخيص. كثير من النساء لا يدركن معاناتهن من هذا النقص إلا بعد ظهور أعراض شديدة مثل آلام العظام المزمنة أو الكسور المتكررة، أو نتيجة إجراء فحوصات روتينية. ولهذا فإن فحص الدم لقياس مستوى 25-هيدروكسي فيتامين D هو الطريقة المثلى للتشخيص.

الحادي عشر: التوصيات الصحية للوقاية من نقص فيتامين د

• التعرض المعتدل لأشعة الشمس يوميًا لمدة 15-30 دقيقة (باستثناء ساعات الذروة).

• إدخال الأغذية الغنية بفيتامين د ضمن النظام الغذائي اليومي.

• استخدام المكملات الغذائية بناءً على توصيات الطبيب، خصوصًا للحوامل، المرضعات، وكبار السن.

• مراقبة الوزن والحرص على النشاط البدني.

• المتابعة الدورية لمستويات الفيتامين خاصة في الفئات المعرضة للخطر.

المراجع:

1. Holick, M. F. (2007). Vitamin D deficiency. New England Journal of Medicine, 357(3), 266-281.

2. Palacios, C., & Gonzalez, L. (2014). Is vitamin D deficiency a major global public health problem?. The Journal of Steroid Biochemistry and Molecular Biology, 144, 138-145.